أخبار عاجلة

روسيا تدخل الجزائر في مستنقع احتلال استيطاني

يكتسب الأمر كثيرا من المغزى أن تكون الجزائر، هي المحطة الثانية لسيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، بعد الصين، منذ بدء غزو جيش بلاده لأوكرانيا، في 24  فبراير الماضي.
يدفع هذا التدرج من الصين (التي زارها لافروف في 30 مارس الماضي)، إلى الجزائر (التي زارها الاثنين)، بداية، إلى التساؤل، فرغم أن العلاقة مع بكين تكتسب أهمية وجودية بالنسبة لموسكو (وهو ما عبر عنه قطب الدبلوماسية الروسية بالقول إن موسكو وبكين «تقودان العالم نحو متعدد الأقطاب»)، فإن حسابات الصين، وخصوصا بعد انكشاف تعثر جيش روسيا في أوكرانيا، لم تتطابق مع مطالب روسيا، فرغم الخطب الدبلوماسية حول العلاقات المتينة بين البلدين، فإن الحقيقة التي ظهرت بعد تلك الزيارة هي أن بكين خلصت إلى ضرورة حد إمكانيات التورط عسكريا وسياسيا مع موسكو، وهو ما عبر عن نفسه بتصريحات صينية تتحدث عن ضرورة إنهاء الحرب في أوكرانيا.
استخدم لافروف، في زيارته إلى الجزائر، نموذجا مشابها لتصريحاته خلال زيارته الصينية بالحديث عن «مشروع اتفاق الشراكة الاستراتيجية» الذي سيقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، خلال زيارة يعتزم الأخير القيام بها إلى موسكو قريبا.
أعلن الطرفان خلال زيارة لافروف عن عدد من القرارات والصفقات، ومن ضمنها شراء كميات من الأسلحة المتطورة الروسية، على رأسها سرب من طائرات «سوخوي 28» المقاتلة، بعد أن كانت، على خلفية «الشراكة الاستراتيجية» هذه، قد ألغت، قبل سنوات، خمسين في المئة من صفقات التسلح الجزائرية من أمريكا.
يجري هذا في الوقت الذي كانت فيه الجزائر قد أعلنت، مع بداية الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وقوفها على الحياد، وعضويتها في لجنة لجامعة الدول العربية للوساطة بين موسكو وكييف.
يثير تقارب الجزائر المتصاعد مع روسيا تساؤلات حول طريقة حساب القيادة الجزائرية للفوائد المتوخاة من هذا التقارب، والأكلاف السياسية والعسكرية التي يمكن للجزائر، وشعبها، دفعها، نتيجة هذا التقارب، في الوقت الذي تواجه فيه روسيا عقوبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية هائلة، مما أدى لابتعاد بعض الدول والأحزاب الحليفة أو القريبة من الكرملين عن القيادة الروسية، كما فعلت هنغاريا وصربيا، وبعض دول آسيا الوسطى التي كانت تدور في الفلك الروسي، وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.
العلاقة مع روسيا مهمة كثيرا للجزائر التي هي المستورد الثالث الأكبر للأسلحة الروسية في العالم، والتي تتضمن المقاتلات، وطائرات نقل الجند، والمروحيات، والدبابات، وأنظمة الدفاع الجوي، والغواصات (التي اشترت ستا منها)، كما أن الجزائر تستورد جزءا كبيرا من قمحها من روسيا.
إضافة إلى الأسلحة والقمح، يمكن ربط الموقف الجزائري اللافت بقضية الصراع مع المغرب على الصحراء الغربية، وقد زادت المواقف الأمريكية والأوروبية (وخصوصا الإسبانية مؤخرا) من إعطاء أسباب جديدة للتحدي الجزائري للغرب.
رغم أسباب الغضب الكثيرة للقيادة الجزائرية من الغرب، فإن المسألة الأساسية التي يجب أن تشغلها هي أين تكمن المصلحة الجزائرية العليا، وهل يمكن للجزائر، أن «تساند» روسيا، التي، حتى لو ربحت بعض مناطق أوكرانيا حاليا، فإنها، في مواجهة المنظومة الدولية، لن تكون قادرة على ربح الحرب، لا سياسيا، ولا عسكريا، ولا اقتصاديا، ناهيك عن كونها ستخسر موقعها ووزنها على المدى الاستراتيجي؟
الشراكة الجزائرية مع روسيا، إضافة إلى كونها تحصل في «الوقت المستقطع» من التاريخ، فإنها تشكل إساءة لـ»بلد المليون شهيد»، كونها تقوم على مساندة دولة تقوم باحتلال استيطاني لبلد آخر، كما كان الأمر بين فرنسا والجزائر.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات