أثار الدبلوماسي والوزير الجزائري السابق، عبد العزيز رحابي، جدلا واسعا بمقال له انتقد فيه بشكل لاذع التراجع في مجال الحريات الحريات بالجزائر، ما دفع كثيرين للنقاش حول مضمون ما قال ودوافع ذلك في هذا التوقيت.
وفي تدوينة نشرها بالعربية والفرنسية على حسابه على “اكس”، أفاد رحابي بأن الجزائر تعيش في السنوات الأخيرة “أكبر تراجع في مجال الحريات الفردية والجماعية منذ أول دستور تعددي للرئيس الشاذلي بن جديد”، مشيرًا إلى وجود “تراجع مبرمج للحرية” وأزمة تتجاوز القدر المحتوم، على حد قوله.
وأضاف أن البلاد تعاني من “تصدير النقاش السياسي الداخلي إلى الخارج”، وهو وضع ـ بحسبه ـ لم يُسجَّل حتى خلال سنوات الإرهاب، معتبرًا أن نقل النقاش إلى الخارج يعني “عدم القدرة على تنظيمه داخليًا” ويجعل الحياة السياسية “مضبوطة من قبل شبكات التواصل”، كما يعرض الجزائر “لخطر الضغوط الدبلوماسية من القوى الأجنبية التي تستضيف النشطاء في الخارج”.
وأكد رحابي أن العدالة “تدفع ثمن المصداقية والاستقلالية” ويتم “توظيفها سياسيًا”، ما يعطي ـ وفق وصفه ـ صورة بلد “لا تتوفر فيه سلطة مضادة مؤسساتية”، حيث “التعسف بات أسلوبًا للحكم”.
واعتبر السفير السابق أن الصحافيين سعد بوعقبة وعبد الوكيل بلام وآخرين “ضحايا هذا الانحراف المبرمج لنظامنا السياسي” الذي يرفض الاعتراف بأن أي مشروع سياسي أو برنامج اقتصادي لا يمكن أن ينجح “دون التزام حر وطوعي وتوافقي من شعبنا”، الذي أصبح ـ كما قال ـ يتعبأ حول قضايا الإمدادات والقضايا العالمية أكثر من التحديات الوطنية الخاصة به.
وأشار رحابي إلى أن فترات الإغلاق الإعلامي والسياسي في تاريخ الجزائر كانت دائمًا “مصحوبة بمزيد من الفساد والاعتقالات وحرمان الأشخاص من حريتهم وتطرف القوى السياسية وتزايد عدم اهتمام غالبية المواطنين بالشأن العام”. وقال إن البلد في مثل هذه الفترات “يفقد حيويته” ويصبح “مجرد مجموع من المصائر الفردية”، فيما يصبح “الصمت والانتهازية فضيلة وطنية”. وختم بأن “الأمر الأكثر مأساوية” هو عدم تعلم الجزائر من الأزمات السابقة ومن تجارب الآخرين.
وكعادته، أحدث رحابي موجة واسعة من الردود والجدل، إذ اعتبره سياسيون وصحافيون تشخيصًا دقيقًا لوضع الحريات وتوازنات الحياة العامة في البلاد، فيما تساءل آخرون عن أسباب تبنيه هذا الطرح الهجومي في وقت يعرف عنه أسلوبه المتحفظ والدبلوماسي في النقد.
وفي تعليق له، ذكر النائب عبد السلام باشاغا أن أبرز النقاط الحرجة التي وضع رحابي إصبعه عليها هي مسألة “عدم تنظيم النقاش السياسي الداخلي وتصديره للخارج”، معتبرًا أن هذا الوضع يجعل الحياة السياسية “مضبوطة من قبل شبكات التواصل”، بما تمثله هذه المنصات من أخطار “كون الكثير منها مدسوس وموجه ومجهول المصدر والغايات”، فضلًا عن صعوبة غربلتها وتمييز الغث من السمين فيها.
وأضاف أن هذا الخلل راجع، حسب قوله، إلى “غلق المجال أمام تدافع الآراء داخليًا وغياب أدوات الحوار بين الجزائريين حتى صار الجميع خائفًا من الجميع”.
من جهته، وصف الصحافي والكاتب عادل صياد ما كتبه عبد العزيز رحابي، بأنه عملية دقّ “جرس إنذار من قلب الدولة نفسها” حين قال إن هناك “تراجعًا مبرمجًا للحرية في الجزائر” وإن البلاد تعاني من “تصدير النقاش السياسي الداخلي إلى الخارج”، وهو ما اعتبره وضعًا لم يُسجَّل حتى خلال سنوات الإرهاب.
وأوضح صياد أن خطورة ما طرحه رحابي تكمن في أنه صادر عن رجل “خبر توازنات السلطة لعقود” وعايش أكثر اللحظات تعقيدًا في تاريخ البلاد، ما يجعل مقاله “تشخيصًا رسميًا لمسار منظم لإغلاق المجال العام وإعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة الخوف لا الثقة”.
وأضاف صياد أن ما يجري ليس أحداثًا معزولة بل “بنية تعاد صياغتها تدريجيًا”، لافتًا إلى تقلص المجال الإعلامي، وتزايد الملاحقات القضائية للصحفيين والناشطين، وتجريم العمل النقابي والجمعوي، ومحاصرة المنظمات المدنية، إلى جانب تجفيف الفضاءات العامة من أي تجمعات أو احتجاجات. وأشار إلى أن المجال السياسي أصبح “فارغًا تقريبًا”، وأن النقاشات الوطنية الكبرى باتت تُحسم خارج البلد بعد أن تم تفريغ الداخل من الأصوات القادرة على التعبير.
وفي منشوراته التي يشارك بها في النقاش العام، يطرح رحابي من حين لآخر مقاربات تترواح بين الدفاع عن مواقف الدبلوماسية الجزائرية وبين توجيه النقد للسياسات الداخلية. ومن أبرز ما قاله خلال السنة الماضية، أن الجزائر وصلت “مرحلة اللاحكم” عقب نسبة المقاطعة التي شهدتها الانتخابات الرئاسية، وهو تصريح عرّضه لنقد من قبل الموالاة.

تعليقات الزوار
لا تعليقات