يواجه برلمانيان إسبانيان سابقان ومسؤولون آخرون تهماً ثقيلة أمام القضاء الإسباني بعد أن قرر المدعي العام سانتياغو بيدراز متابعة ملف الفساد المرتبط بمشاريع كبرى في الجزائر خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة. وتأتي هذه الخطوة بعد أكثر من عشر سنوات من التحقيقات التي كادت أن تسقط بالتقادم.
وتتمثل التهم الأساسية في منح شركات إسبانية عقوداً بمئات الملايين من اليوروهات مقابل دفع رشاوى وعمولات لمسؤولين وجنرالات جزائريين. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بمشروع الترامواي في مدينة ورقلة الذي أُسند في 2013 بقيمة 230 مليون يورو، وبمشروع محطة لتحلية مياه البحر في سوق الثلاثاء بتلمسان (غرب الجزائر) سنة 2009 بعقد بلغت قيمته 250 مليون يورو.
وتؤكد التحقيقات أن تلك العقود لم تمر من دون مقابل، إذ جرى تحويل مبالغ مالية عبر شركات وسيطة مسجلة في دبي، إضافة إلى شراء عقارات فاخرة في الخارج لفائدة إطارات جزائرية نافذة آنذاك.
وبحسب التقارير الإعلامية الإسبانية، فقد كشفت التحقيقات أن شركتي إليكنور وروفر ألكيسا أسستا مع شركة أخرى كونسورتيوم مؤقتاً باسم ETM، حصل سنة 2013 على مشروع ترام ورقلة، بعد دفع رشاوى بلغت 850 ألف يورو للجهة المانحة. كما أضافت المصادر ذاتها أن الأموال مرّت عبر شركات وسيطة مسجلة في دبي.
ويطالب الادعاء الإسباني بعقوبة تصل إلى 18 سنة سجناً في حق النائبين السابقين بيدرو غوميز دي لا سيرنا وغوستافو دي أريستيغي، علما أن الأخير الذي شغل منصب سفير لإسبانيا في الهند. كما طالب بفرض غرامات مالية قدرها 720 ألف يورو، إلى جانب مصادرة 2,64 مليون يورو من أموال شركتين أنشأهما المتهمان واُستخدمتا، حسب لائحة الاتهام، كواجهة لتحصيل عمولات غير قانونية من المؤسسات الزبونة لمكتب المحاماة فولتر لاسن الذي أسساه.
وتشمل التهم الموجهة للمتابعين قضايا تتعلق بالفساد في الصفقات العمومية، الرشوة السلبية، تزوير الوثائق، تبييض الأموال، الانتماء إلى تنظيم إجرامي وتأسيس جمعية غير مشروعة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يواجه بعض مسؤولي الشركات المتورطين عقوبات أشد تصل إلى 21 سنة سجناً، خاصة المديرين التنفيذيين لمجموعة إليكنور الباسكية.
ويمتد الملف أيضاً ليشمل خمس شركات كبرى متهمة بالضلوع في الفساد، وهي: مجموعة إليكنور، شركتها الفرعية إنترناسيونال دي ديسارّولو إنيرخيتكو إس.آ، شركة روفر ألكيسا، شركة أسيينيا إنفراستركتوراس، وشركة آس أوديتوريا آند كونسولتينغ نافارا إس.أل. وتواجه هذه المؤسسات غرامات باهظة تصل إلى 36,7 مليون يورو بالنسبة لمجموعة إليكنور وحدها. وكشفت وسائل الإعلام الإسبانية أن هذه الشركات أسست كونسورتيوم مؤقتاً باسم “إي تي إم” حصل على عقد ترام ورقلة بعد دفع رشاوى قُدرت بـ850 ألف يورو.
وتؤكد الوثائق التي استندت إليها النيابة أن التحقيقات استندت إلى شبكة واسعة من الإنابات القضائية الدولية التي أرسلت إلى دول عدة، بينها الجزائر، فرنسا، المغرب، الإمارات، هولندا، سويسرا، بريطانيا، الصين، هونغ كونغ، بلجيكا وإيرلندا. ويعكس هذا البعد الدولي مدى تعقيد القضية وتشابك مسارات الأموال التي جرى تهريبها وتبييضها عبر منافذ مالية مختلفة.
وتعود بداية الكشف عن هذه الفضيحة إلى سنة 2015 حين تفجرت تقارير صحافية حول شبهات فساد في صفقات حصلت عليها شركات إسبانية بالجزائر. ومنذ ذلك الحين، واصل القضاء الإسباني تحقيقاته التي طالت سياسيين، دبلوماسيين، رجال أعمال ومسؤولين في شركات متعددة الجنسيات. وبعد مرور عقد كامل، يصل الملف إلى مرحلة الحسم القضائي وسط مطالبات بإنزال أقصى العقوبات على المتورطين.
وتثير هذه القضية جدلاً واسعاً في إسبانيا والجزائر على حد سواء، إذ يراها كثيرون دليلاً إضافيا على حجم الاختلالات التي كانت تطبع تسيير الصفقات الكبرى في عهد بوتفليقة. وفي الوقت ذاته، تضع هذه المحاكمة الشركات المتورطة أمام تهديد مباشر بخسارة سمعتها الدولية وبفرض عقوبات مالية ثقيلة قد تؤثر على مستقبلها الاقتصادي.
وشكّلت إسبانيا في تلك الفترة ملاذا لتهريب الأموال خاصة من قبل رجال أعمال اشتروا عقارات هناك بمبالغ كبيرة. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل مدة، قد كشف عن استرجاع الجزائر لفندق كان يمتلكه رجل الأعمال علي حداد شديد النفوذ في فترة بوتفليقة، في مدينة برشلونة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات