أخبار عاجلة

الجزائر: مصالحة في ذكرى وفاة مصالي

أعود بمناسبة الاحتفال بذكرى وفاة مصالي الحاج في 3 يونيو 1974 للكلام عن المصالحة مع تاريخنا الوطني، التي تأخرت كثيرا، رغم بعض الاختراقات التي قام بها الرئيس الشاذلي بن جديد، في بداية عهدته، عندما تمت إعادة الاعتبار بشكل غير مكتمل لبعض الشخصيات السياسية والعسكرية، بإعادة دفن رفاتها في المربع الرسمي بمقبرة العالية، كما حصل مع اكثر من وجه كان من بينهم عبان رمضان، الذي اغتاله رفاقه من رجل الثورة بالمغرب، أو العقيد محمد شعباني الذي تم الحكم عليه بالإعدام في محاكمة لم تتوفر على شروط المصداقية، كانت أقرب للتصفية خارج القانون، كما أكد ذلك الرئيس الشاذلي نفسه في مذكراته.
لتبقى ما يمكن تسميتها «قضية مصالي الحاج» خارج منطق المصالحة هذه حتى الآن، رغم قبول بومدين بدفنه ليلا بمقبرة سيدي سنوسي – تلمسان ـ تحولت منذ ذلك التاريخ إلى مزار سنوي يحج إليها من تبقى من أعداد قليلة من شيوخ المصالية في الجزائر، بداية كل صيف.
لم يمنع الحضور العددي الضعيف والمتأكل للفكرة المصالية عند الجزائريين، من استمرارها كفصيل سياسي، ما زال يجد من يدافع عنه بسلبياته وإيجابياته، من خلال قراءة غير تاريخية لتطور مسار الرجل وأفكاره، خلال مرحلة ثورة التحرير والسنوات الأخيرة من الحركة الوطنية، عند بداية انحرافه السياسي، الذي تم تصنيفه من قبل التيارات الغالبة داخل التيار الوطني على هذا الأساس، ليحصل ما حصل من انقلاب جيلي أنجزه أقرب الناس لمصالي، من أمثال مصطفى بن بولعيد وكريم بلقاسم، اللذين أعلنا انفصالهما عن المسار الذي اختاره الأب المؤسس، استمر فيها الغموض لفترة قصيرة بين القواعد النضالية للحركة الوطنية في البدايات الأولى لحرب التحرير، لدور مصالي المفترض في تفجير الثورة، بل والمشاركة فيها حولتها قراءة تاريخية أقرب للتحريفية انتشرت بعد الاستقلال إلى حقائق دامغة اعتمادا على حالات فردية معزولة، تحاول نسب تفجير الثورة إلى مصالي الحاج وتياره السياسي.

لتجد الفكرة السياسية المصالية من يدافع عنها بين الجزائريين في السنوات الأخيرة، في قراءة أقرب للتحريفية التاريخية، تستغل فيها بعض المعطيات والأحداث التاريخية المتعلقة بحالات فردية معزولة عن سياقها التاريخي العام. في تمرين منهجي برعت فيه هذه المدرسة التحريفية النيو – مصالية، لا تفرق فيه بين مصالي القائد الوطني، وزعيم الحركة الوطنية قبل عام 1954 ومصالي زعيم الحزب – ما سمي بالحركة الوطنية الجزائرية MNA – الذي أخذ اتجاها منحرفا ومعاديا للمسار التاريخي الذي آمنت به الحركة الوطنية الاستقلالية التي سار وراءها الشعب الجزائري بأغلبية قواه الحية منذ ظهورها في منصف عشرينيات القرن الماضي، تحت وطأة ما فسر في حينه كحب زعامة مفرط انتاب الشخص في مرحلة من مساره السياسي ولًد تلك الثقافة السياسية المعادية لدور الأفراد، عند النخب السياسية الجزائرية، توسع ليشمل معاداة دور النخب في الجزائر. قراءة تحريفية وصلت عند البعض إلى حد التغاضي عن الممارسات الإجرامية لمحمد بلونيس ضد جيش التحرير وقاعدته الشعبية في مناطق عديدة من الولاية السادسة التاريخية التي ابتليت أكثر من غيرها بهذا الداء لغاية الاستقلال. قراءة لا تاريخية تحريفية برز فيها منذ الخمسينيات تيار يساري تروتسكي كان قريبا على الدوام من مصالي وزوجته الفرنسية، التي تقول بعض الروايات إنها كانت قريبة فكريا من هذا التيار. ليأخذ مشعل الدفاع عن المصالية بشكلها اللاتاريخي هذا والتبريري، تيار آخر على النقيض من التيار الأول في السنوات الأخيرة، حاضر بين بعض العروبيين من الجزائريين، من أنصار التيارات البعثية، وهي تعيش فاجعة فقدانها لقواعد تجاربها السياسية في المشرق العربي. عناصر موجودة على قلتها أكثر داخل الوسائط الاجتماعية والجامعات بشكل أقل، متوزعة على مختلف مناطق البلاد، من دون تمركز جهوي محدد، يمكن عده تعبيرا عن ذلك العمق الجيو -سياسي للحركة الوطنية الجزائرية، التي كان على رأسها ذات يوم الحاج مصالي ابن تلمسان. تيار عروبي بصيغته البعثية، يحاول من خلال تبنيه للميصالية تصفية حسابات قديمة مع تيارات بعينها داخل الحركة الوطنية وثورة التحرير، على رأسها تلك التيارات الوطنية العصرية، التي يمثلها عبان رمضان ومحمد بوضياف، تكون حسب هذه القراءة التي وجدت من يدافع عنها من أبناء الثورة قد سرقت الفكرة الوطنية الجزائرية ببعدها العربي ـ الإسلامي في مؤتمر الصومام، على غرار أحمد بن بلة وأحمد محساس. سنجدها لاحقا على رأس التيارات المنادية بالباديسية -النوفمبرية للتشويش على الحراك الشعبي.
قراءة لا تاريخية تحريفية كذّبها الحراك الشعبي وهو يحتفل في مسيراته الأسبوعية بأبناء الحركة الوطنية وثورة التحرير من مختلف المدارس الفكرية والجهات، لم ينس فيها عبان رمضان ولا العقيد الحواس ولا مصطفى بن بولعيد ولا عبد الحميد بن باديس ولا محمد الشعباني. مدرسة الحراك الشعبي المتنوع بسلميته الطاغية التي يمكن أن تكون القدوة للجزائر وهي تتصالح مع تاريخها ومع نفسها. للخروج من هذه القراءة المتشظية للتاريخ الوطني الذي تريد المدرسة التحريفية إعادة إنتاجه لدى أجيال لا تعرف عنه الكثير ولم تعشه. مستغلة في ذلك غياب الحوار بين الجزائريين، وغلق وسائل الإعلام أمامهم. كان يمكن أن تكون الجامعة وسيلة مثلى للنقاش الرصين حوله بكل مراحله ورجاله للخروج من هذا الاستعمال الذي تريد هذه المدارس التحريفية والانتقائية حبسه فيه.
لنكون أمام مشروع مصالحة تاريخية أوسع هذه المرة ـ المواطن الجزائري أكثر تقبلا له من النخب الفكرية والسياسية التي تم تلغيم ذاكرتها خلال محطة الأحادية والغلق السياسي – يشمل كل المراحل التاريخية انطلق فيها جزئيا الرئيس الشاذلي، يمكن ان يكون أرضية لقاء بين الجزائريين، لا يشمل فقط النخب بل كذلك الأطراف الشعبية التي تضررت من التجاوزات التي عرفتها مرحلة ثورة التحرير كما حصل في منطقتي – ملوزة على سبيل المثال والصومام بالقبائل الصغرى وفي منطقة الجلفة ُبعيد الاستقلال، أثناء صراع قيادة الولاية السادسة، مع بقايا جيش بلونيس الذي تمكن من الحصول على حضور شعبي، مهما كان متواضعا لغاية الاستقلال في هذه المنطقة، من دون نسيان «المحاكمات «- التي تمت على التراب التونسي لبعض القيادات الأوراسية، وتلك التجاوزات التي تمت بعد الاستقلال، كما حصل مع الشعباني وغيره من الوجوه التي صفيت خارج العدالة، في فترة حكم الرئيس بومدين، على غرار كريم بلقاسم ومحمد خيضر. مصالحة تقدم كهدية للأجيال الجديدة من الجزائريين تسمح لها بالتوجه نحو المستقبل وبناء البلد بدل الاستمرار في هذه الصراعات المدمرة، التي تعود كل مرة لجر الجزائريين إلى الجانب المظلم من ماضيهم، الذي آن الأوان لفهمه والتصالح معه لبناء مستقبلهم.

ناصر جابي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات