أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، من قصر المرادية في الجزائر، عن عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بعد فترة توتر حادة امتدت نحو ثمانية أشهر، معبّرا عن ذلك بجملة نسبها للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “لقد رفع الستار”.
وقال بارو في تصريحاته الكاملة التي نشرتها السفارة الفرنسية، مساء الأحد قبل مغادرته إلى القاهرة، إنه سعيد بوجوده في الجزائر، مؤكدا أنه حرص على تلبية الدعوة في أقصر الآجال، بعد أقل من أسبوع من المكالمة الهاتفية بين الرئيسين ماكرون وتبون وصدور بيانهما المشترك.
وأوضح أن الأشهر الماضية شهدت توترات غير مسبوقة لا تخدم مصالح الجزائريين ولا الفرنسيين، مشيرا إلى أنه رغم الخلافات التي لا يمكن إنكارها، إلا أن الروابط الإنسانية والتاريخية والثقافية بين البلدين، وخاصة تلك التي تجمع العائلات الفرنسية- الجزائرية، تفرض استئناف الحوار وإعادة التعاون.
وأكد بارو أنه جاء إلى الجزائر حاملا رسالة من الرئيس ماكرون مفادها أن فرنسا ترغب في طي صفحة التوترات وبناء شراكة متكافئة وهادئة مع الجزائر، واستعادة كافة مسارات التعاون بما يخدم المصالح المتبادلة.
وأوضح أنه طرح مع الرئيس تبون والوزير عطاف، جميع الملفات التي أثارت القلق في الأشهر الأخيرة، وذلك لتفعيل المبادئ التي تم الاتفاق عليها بين الرئيسين خلال مكالمتهما يوم 31 آذار/ مارس، وإحياء الديناميكية التي نص عليها “إعلان الجزائر” عام 2022، لافتا إلى أن ذلك سيتم بجدية وفعالية وفي كنف السرية، من خلال إعادة تفعيل جميع آليات التعاون في كافة المجالات.
وبلغة متفائلة بالمستقبل، قال بارو: “نعود إلى الوضع الطبيعي، وكما قال الرئيس تبون: الستار يُرفع”. وأشار إلى أن هذا “الستار يُرفع” أولاً في مجال التعاون الأمني، حيث ستُستأنف الاتصالات بين أجهزة الاستخبارات، وقد تقرر عقد اجتماع بين كبار مسؤولي الأمن في البلدين، إلى جانب إطلاق حوار استراتيجي حول منطقة الساحل.
وفي مجال التعاون القضائي، أكد الوزير للرئيس تبون الزيارة المرتقبة لوزير العدل الفرنسي، والتي ستتزامن مع استئناف الحوار القضائي بين البلدين. وأبرز وجود العديد من الملفات الهامة، لا سيما بشأن تنفيذ الإنابات القضائية المتعلقة بقضية “الأملاك المنهوبة”.
وأضاف أنه ناقش هذا الملف، مشيراً إلى أن وزير العدل الفرنسي سيوضح لاحقاً تفاصيل دعوة وجهتها النيابة المالية الوطنية الفرنسية إلى نظرائها الجزائريين المختصين، لزيارة باريس ودراسة كافة القضايا ذات الصلة.
وبخصوص ملف التنقل، أكد الوزير أن الرئيسين اتفقا على استئناف فوري للتعاون في مجال الهجرة، وهو ما أكده الرئيس تبون، موضحاً أن ملفات الإعادة إلى الوطن والتأشيرات ستُعالج في إطار الحوار ضمن الإجراءات القنصلية العادية والسلسة.
كما أشار إلى أن الرئيس تبون أعرب عن تأييده لتنظيم لقاء قريب بين القناصل الجزائريين في فرنسا ومحافظي المدن الفرنسية، وسيتم تنظيم هذا اللقاء بالتنسيق مع وزارة الخارجية الجزائرية. ويعالج هذا اللقاء بشكل خاص المسألة الشائكة المتعلقة بتسفير الجزائريين الخاضعين لأوامر ترحيل في فرنسا، وهو الملف الذي اتخذه وزير الداخلية الفرنسي اليميني برونو روتايو منطلقا للهجوم على الجزائر.
وأضاف بارو أنه تم الاتفاق على مراجعة محتويات الاتفاقات التي تنظم العلاقات في مجالي التنقل والهجرة، من أجل تحديد التحسينات اللازمة لجعلها أكثر فعالية. ولم يحدد هنا ما إذا كان ذلك يعني تعديل اتفاقية 1968 التي يطالب اليمين الفرنسي بإلغائها.
وفي الشق الاقتصادي، لفت إلى أنه تم التطرق إلى الصعوبات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة، خاصة في مجالات الزراعة والصناعة الغذائية، وصناعة السيارات، والنقل البحري، مؤكداً السعي لدفع مشاريع صناعية هيكلية جديدة. وأوضح أن الرئيس تبون أكد له رغبته في إعطاء هذه المشاريع دفعة جديدة، مشيراً إلى أن رئيس أرباب العمل الفرنسيين (MEDEF) سيلتقي نظيره الجزائري (CREA) في 19 أيار/مايو المقبل، وتم الاتفاق على عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة الفرنسية- الجزائرية قبل الصيف لمناقشة كافة هذه الملفات.
وفي الجانب المتعلق بالذاكرة، أوضح الوزير أن الاتصالات استُؤنفت بين المؤرخين الفرنسيين والجزائريين ضمن اللجنة المشتركة، مؤكداً أنه تابع الأمر شخصياً. كما ذكر أن الرئيس تبون أكد له توجيه دعوة للمؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا لزيارة الجزائر لمواصلة العمل على استعادة الممتلكات الثقافية، موضحاً أن المتابعة ستكون على مستواه الشخصي وكذلك من قبل نظيره الجزائري.
وفي السياق، أعلن الوزير أنه تم الاتفاق على استئناف الحوار بين دبلوماسيتي البلدين، حيث سيلتقي الأمناء العامون لوزارتي الخارجية في شهر آب/ أغسطس المقبل.
ولم يفت الوزير الفرنسي الإشارة إلى قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، داعياً كما قال الرئيس ماكرون، إلى “بادرة إنسانية” تجاهه بالنظر إلى سنه وحالته الصحية.
وتحدث بارو في ختام تصريحه قائلا: “خلاصة هذه الزيارة هي إرادة مشتركة لرفع الستار، والدخول في مرحلة جديدة من العلاقة بين فرنسا والجزائر، علاقة ندية تعود بالنفع على البلدين والشعبين. هذا هو هدف حضوري اليوم”.
وقوبلت زيارة الوزير الفرنسي بالكثير من التعليقات التي توقفت عند الشكل أكثر من المضمون. وتحدث كثيرون عن الاستقبال منخفض المستوى لجان نويل بارو عند وصوله صباح الأحد إلى العاصمة الجزائرية، من قبل مدير دائرة أوروبا بوزارة الخارجية الجزائرية، وهو تفصيل حمّال دلالات. كما تم التوقف عند الصور الكثيرة للزيارة التي تبرز برودة بين الجانبين ما يشير إلى أن الجانب الجزائري لا يزال ينتظر ما سيقدمه الفرنسيون من خطوات عملية قد تعيد بناء الثقة بينهما.
ومنذ تموز/ يوليو الماضي، كانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توترا كبيرا مصحوبا باستدعاء السفير الجزائري وتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي في باريس، عقب قرار الرئيس ماكرون الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية لإدارة الصحراء الغربية، وهو ما ترفضه الجزائر التي تدافع عن حق الصحراويين في تقرير المصير. وتسببت تطورات أخرى وتصريحات عدائية في استفحال الأزمة التي وصلت حد القطيعة.
وتراجعت حدة التصعيد مؤخرا بعد تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي وجّه رسائل تهدئة في تصريحات بثها التلفزيون الجزائري، قائلا إنه لا يكترث “بالفوضى” و”الجلبة السياسية” المثارة في باريس ضد بلاده، وأن المرجع الوحيد الذي يعمل معه هو الرئيس إيمانويل ماكرون. كما نفى أن يكون ملف العلاقات الفرنسية المغربية، بعد الاعتراف الفرنسي بخطة الحكم الذاتي، مزعجا للجانب الجزائري، بل للشرعية الدولية على حد قوله.
تعليقات الزوار
لا تعليقات