أثارت الاتفاقية الموقعة بين تونس والجزائر المتعلقة بتسليم المطلوبين مخاوف جديدة بشأن الوضع الحقوقي في تونس، مع احتمال أن تتوسع سلسلة الملاحقات القانونية للمعارضين السياسيين لتمتد إلى الخارج، فيما حذرت منظمات حقوقية مما وصفته بتراجع الحريات في البلاد.
وتعد هذه الاتفاقية صيغة متطورة لاتفاقية التعاون القضائي بين البلدين لعام 1963، إذ تتضمن جملة من التدابير على مستوى التشريع، خاصة ما يتعلق ببعض الجرائم التي لم تكن موجودة في السابق، منها الجرائم الإرهابية واسترداد الأموال المنهوبة والمجمدة بالخارج.
وعلى إثر مصادقة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الاتفاق، بدأت المنظمات الحقوقية في تونس تدق ناقوس الخطر خاصة في ما يتعلق بالمادة الثانية والتي تتعلق بالجرائم التي توجب التسليم، إذ طغى عليها الغموض ولم تحدد الجهة المسؤولة عن تعريف الجرم السياسي، فيما جاء فيها أن "الجرائم المعنية هي تلك المعاقب عليها بمقتضى قوانين كل من الطرفين بعقوبة سالبة للحرية لا تقل عن سنة أو بعقوبة أشد، وإذا تم تقديم طلب التسليم بغرض تنفيذ عقوبة سالبة للحرية فيجب ألا تقل المدة المتبقية من العقوبة عن سنة 6 أشهر، وتطبق هذه الأحكام حتى لو كانت تشريعات الطرفين لا تصنف الجرائم في نفس الفئة أو لا تمنحها وصفا مماثلا".
وفي السياق ذاته، أثارت المادة الرابعة هواجس الحقوقيين، وتنول هذا البند محالات رفض التسليم الذي يكون وجوبا في حالات الجرائم السياسية لكنه يطرح حالات استثنائية، ويترك تعريف هذا الجرم للطرف الذي سيقوم بتسليم المطلوبين، بينما يجوز رفض التسليم إذا كانت هناك أسباب جوهرية تدعو إلى الاعتقاد بأن محاكمة أو إدانة الشخص المطلوب تسليمه هي على أساس عرقه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية"، أو في حالة أن "موقف ذلك الشخص قد يتضرر لهذه الأسباب، أو إذا اعتبر الطرف المطلوب منه التسليم في حالات استثنائية مع مراعاة خطورة الجريمة ومصالح الطرف الطالب". كما يمكن رفض التسليم أيضا إذا "تأسس طلب التسليم على حكم غيابي وكان تشريع الطرف الطالب لا يسمح بالطعن فيه، بالإضافة إلى حالة ارتكاب الجريمة خارج إقليم الطرف الطالب وكان تشريع الطرف المطلوب منه التسليم لا يسمح بمتابعة نفس الجريمة".
وفيما يتوجّس حقوقيون من أن تتحوّل مثل هذه الاتفاقيات إلى أداة بيد السلطات في تونس من أجل التضييق على الحريات وعلى الخصوم السياسيين وغلق المنافذ أمامهم، يرى متابعون للشأن السياسي أن المضي في ابرام الاتفاقية هو تخوّف الرئيس التونسي قيس سعيد من الفساد المالي وخاصة منها المتعلقة بالأموال المهربة خارج البلاد، بالإضافة الى مكافحة الإرهاب والتهريب والذي يقتضي تعاونا هاما مع دول الجوار وعدد من الدول الأجنبية.
وكان البرلمان التونسي قد صادق في يناير/كانون الثاني 2024 بالإجماع على اتفاقية لتبادل تسليم المطلوبين مع الجزائر، وقالت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال آنذاك إن إبرام هذه الاتفاقية يأتي لتجاوز بعض الإشكاليات في ما يتعلق بالتواصل بين البلدين وإدراج مفاهيم مثل جرائم الإرهاب، واسترداد الأموال والتجميد والمصادرة.
وكشفت جفال في تصريحات سابقة أن عدد الجزائريين المسجونين في تونس يبلغ 199 سجينا، مشيرة إلى أن عدد مطالب التسليم الصادرة من تونس إلى الجزائر يبلغ ثمانية، بينما يبلغ عدد مطالب التسليم الواردة من الجزائر إلى تونس ستة مطالب.
وأوضحت أن الجزائريين القابعين في السجون التونسية، بينهم 6 إناث، متورطون في تهم مختلفة، من بينها التورط في قضايا مخدرات والهجرة غير النظامية والإرهاب.
تعليقات الزوار
لا تعليقات