نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تحليلا لريتشارد سبنسر قال فيه إن اتفاق وقف إطلاق النار يحمل بذور نزاع في المستقبل. وقال إن إسرائيل وحماس فشلتا بشكل ظاهر في أهدافهما، مشيرا إلى أن الحروب تثير دائما السؤال: “ما الغرض من كل هذا؟”، ولكن في حالة القتال الذي استمر 15 شهرا في غزة فإن الإجابة ستلقي بظلالها أيضا على أي سلام يمكن للجانبين الحفاظ عليه، أي إسرائيل وحماس.
وبحسب الكاتب فقد سعت إسرائيل في حربها على غزة لتدمير حماس، وقد فشلت في تحقيق هذه الأهداف بوضوح: ذلك أن جيشها، على الرغم من كل ما يتمتع به من قوة، لم يتمكن من إطلاق سراح أكثر من حفنة من أسرى حماس، والآن أصبح بنيامين نتنياهو مضطرا إلى التفاوض على صفقة لاستعادة أولئك الذين بقوا على قيد الحياة.
وبموجب اتفاق السلام، تعين على الجانبين أن يقدما تنازلات. وسوف تزداد الرقابة الإسرائيلية على كل جانب من جوانب الحياة في غزة، ولن تتقلص. كما أن الضفة الغربية ليست جزءا من الاتفاق، وهو ما يؤكد في الواقع التعدي على السيادة الفلسطينية هناك، والذي أشرفت عليه حركة المستوطنين وزعماؤها من أقصى اليمين تحت غطاء القتال في غزة.
وفي الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تقبل استمرار حماس ليس فقط كقوة إدارية بل وأيضاً كقوة مقاتلة، على الأقل إلى أن يتم وضع خطة “إعادة الإعمار” غير الواضحة حتى الآن في غزة.
وتساءل إن كان التنازل ضمانة للسلام؟ وربما كان، كما يأمل البعض من الجانبين، وهذا هو بالتأكيد مزاج الوسطاء مثل الولايات المتحدة وقطر ومصر.
إلا أنه، وفق الكاتب، ف من الواضح أيضا أن هذه التنازلات تحمل بذور المزيد من القتال. وبموجب البنود التفصيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، فإن النزاع قد يأتي عاجلا وليس آجلا. فمن جهة تصر حماس على وقف حقيقي للنار، يقود إلى نهاية دائمة للأعمال العدائية وليس اتفاقا صيغ كي سيسمح لإسرائيل استئناف ضرب غزة بعد تبادل الأسرى. وبحسب المسودات السابقة للصفقة، فالنتيجة هي عبارة عن خدعة تتضمن وقف إطلاق النار أثناء تبادل الأسرى، مما يؤدي إلى وقف كامل للأعمال العدائية إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها. مع أن أجزاء من هذه الخطط ، وبخاصة الحاجة إلى برنامج إعادة إعمار غزة بدعم دولي متفق عليه من جميع الأطراف، غامضة.
وفي الوقت نفسه، هناك “فخاخ” واضحة بين المراحل الثلاث للصفقة والتي قد تخفي أيضا ذرائع لاستئناف القتال. وإذا ظهرت أي علامات مرئية تشير إلى وجود عسكري خطير لحماس في غضون ذلك، وخاصة في شمال غزة وبالقرب من البلدات الإسرائيلية والكيبوتسات الأكثر تضررا من هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فسيميل نتنياهو للعودة وبقوة إلى الحرب.
وكان التنازل الأكثر أهمية الذي قدمه على الأرض هو التخلي عن مقترحات إخلاء شمال غزة من السكان كجزء من رؤيته “الأمن أولا” لجنوب إسرائيل. وفي اللحظة التي شعر فيها بأن هذا يعبر عن ضعف، فمن المرجح أن يتخذ إجراء.
“الغارديان”: أمل هش
من جهتها رأت صحيفة “الغارديان” البريطانية في افتتاحيتها أن تحقيق وقف إطلاق النار الهش والذي جاء متأخرا، أمر يجب الترحيب به. ذلك أنه يحمل في طياته الأمل، مع أن الأمل نادرا ما يكون هشا.
وقالت إنه بعد أكثر من 15 شهرا من الحرب، التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى ونحو مليوني شخص يكافحون من أجل البقاء، أعلنت الولايات المتحدة وقطر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى. ورغم زعم رئيس نتنياهو من وجود “بنود لم يتم حلها” إلا أن الخطوط العريضة لهذا الاتفاق واضحة منذ فترة طويلة، وتكلفة التأخير أصبحت لا تحتمل. فمنذ طرحه لأول مرة، قتل آلاف الفلسطينيين وعدد غير معروف من الأسرى الإسرائيليين. وفي الأسبوع الماضي، أشارت دراسة نشرتها مجلة “لانسيت” الطبية إلى أن حصيلة القتلى التي سجلها مسؤولو الصحة في غزة كانت أقل بنسبة 40%، حيث تشير التقديرات إلى مقتل 64,260 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية بحلول حزيران/يونيو الماضي.
وتمضي الصحيفة لتقول: إلا أن هذا هو السبب الأكثر أهمية للترحيب بالاتفاق وتنفيذه ودعمه والبناء عليه. لقد خلق انتقال الرئاسة الأمريكية من جو بايدن إلى دونالد ترامب يوم الاثنين المقبل الزخم اللازم. وتوقع نتنياهو، الذي سعى إلى تأجيل الحساب السياسي عن 7 تشرين الأول/أكتوبر وكذلك اتهامات الفساد التي يواجهها، بفارغ الصبر عودة ترامب.
وذكرت أنه بحسب ما ورد لعب الرئيس المنتخب لعبة قاسية مع الزعيم الإسرائيلي: فهو لا يريد أن يبدأ ولايته الثانية بحرب مستمرة، ولم ترغب حماس في انتظار نتيجة أسوأ. وفي حين ادعى ترامب الفضل كما كان متوقعا، فإن التقدم ليس تكريما له بقدر ما هو اتهام لفشل بايدن، وتذكير بأن نتنياهو واليمين الإسرائيلي يتوقعان مكافآت من ترامب في المستقبل. وفي أيار/ مايو الماضي، قدرت الأمم المتحدة أن كلفة إعادة إعمار غزة تصل إلى 40 مليار دولار وستستغرق 16 عاما. ومنذ ذلك الحين، دمر الكثير، وأي شعور مؤقت بالارتياح يخيم عليه معاناة الماضي والمخاوف بشأن المستقبل. ولكن، عندما تكون الأمور يائسة إلى هذا الحد، فالتوصل إلى اتفاق هو خطوة إلى الأمام يجب تبنيها والبناء عليها.
واشنطن بوست: اعتراف بلينكن
ويظل السؤال المطروح عن “اليوم التالي” وهو ما حاول وزير الخارجية أنتوني بلينكن الإجابة عليه وإن متأخرا في خطابه، يوم الثلاثاء أمام المجلس الأطلنطي.
وفي هذا السياق علق ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” على الخطاب بقوله إن الإتفاق الذي أعلن عنه هو أخبار سارة ستنهي على يؤمل النزاع الرهيب. وأشار إلى أن بلينكن كان واضحا وصريحا في خطابه، لكونه سيغادر منصبه. وكشف فيه عن مدى صعوبة تحقيق بداية جديدة نحو السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. وتحدث بلينكن عن العقبات بدلا من الاختراقات.
وفي الوقت الذي تحدث فيه عن قيادات المنطقة الذين يضعون مصالحهم الخاص فوق مصالح مواطنيهم، في إشارة إلى نتنياهو، إلا أن بلينكن ناقش غزة التي ظلت تطارده هو ووزارته منذ هجمات حماس، وقال كلاما يعتقد الكاتب إنه لا يعبر عنها عادة في العلن، فحرب غزة جلبت: “معاناة لا توصف للمدنيين الفلسطينيين” و”خسر ما يقرب من السكان بالكامل واحدا من أحبائهم. ويعاني ما يقرب من السكان بالكامل من الجوع. وقد نزح ما يقرب من كل السكان”.
وأكد الكاتب أن بلينكن هو صديق مخلص جدا إلى إسرائيل، كما هو حال رئيسه، جو بايدن. لكن كلامه يحمل نبرة غاضبة تجاه نتنياهو، الذي عرقل لأكثر من عام الجهود الأمريكية للتخطيط لـ “اليوم التالي” في غزة. وقال: “لقد عملت حكومة إسرائيل بشكل منهجي على تقويض قدرة وشرعية البديل الوحيد القابل للتطبيق لحماس: السلطة الفلسطينية”. أما بالنسبة للمساعدات الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين، فإن “جهود إسرائيل كانت بعيدة كل البعد عن تلبية النطاق الهائل للاحتياجات في غزة”.
وتحول الإحباط إلى غضب عارم في وصف بلينكن للإجراءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهي الإجراءات التي عمقت التوتر هناك. ففي عهد نتنياهو “تعمل إسرائيل على توسيع المستوطنات الرسمية وتأميم الأراضي بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في العقد الماضي، في حين تغض الطرف عن النمو غير المسبوق في البؤر الاستيطانية غير القانونية” كما قال. وفي الوقت نفسه، وصلت هجمات المستوطنين المتطرفين على الفلسطينيين إلى “مستويات قياسية”. ولكن بلينكن وضع الأمر بصراحة وقال: “يتعين على إسرائيل أن تقرر العلاقة التي تريدها مع الفلسطينيين. ولا يمكن أن يكون هذا وهما بأن الفلسطينيين سيقبلون أن يكونوا شعبا غير معترف به بدون حقوق وطنية” و”يتعين على الإسرائيليين التخلي عن الأسطورة القائلة بأنهم قادرين على تنفيذ الضم بحكم الأمر الواقع دون تكلفة أو عواقب على ديمقراطية إسرائيل، ومكانتها، وأمنها”.
ورأى الكاتب أن خطة بلينكن التي قدمها لليوم التالي في خطابه معقولة، وهي الخطة الوحيدة التي تمنح طريقا منطقيا للخروج من الموت والدمار في غزة. ومن المؤكد أن نتنياهو يفهم ذلك، لكنه عرقل جهود بلينكن طوال الأشهر الماضية. ويعلق إغناطيوس أن البعض قد يتحدث عن تأخر بلينكن في اعترافه، وكان عليه أن يلقي هذا الخطاب قبل أشهر، وكان على بايدن أن يستخدم النفوذ الهائل للولايات المتحدة لإجبار إسرائيل على تحقيق نتيجة مستقرة في غزة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات