انحدر النظام الجزائري إلى حفرة عميقة من التاريخ للبحث عن هوية مفقودة، يبني بها شرعيته كنظام قتل 250 ألف جزائري في العشرية السوداء (2002-1991). وهو ذات النظام الذي يبحث، أيضا، عن شرعية دولة جزائرية وصفها السياسي الجزائري نور الدين بوكروح بأنها قد تأسست من خلال "هجرة غير شرعية في التاريخ"، وأن الحفاظ على الذاكرة، هو أكبر عدو لوجودها.
النظام العسكري الممتدة منذ سنة 1965 حينما انقلب محمد إبراهيم بوخروبة، والمعروف ببومدين، على أحمد بن بلة الذي كان أول رئيس مدني بعد استقلال البلاد عن فرنسا سنة 1962، مازال عالقا في عقلية ما قبل سقوط جدار برلين، ويعيش حالة من التيه الهوياتي، جعلته في صراع قاسٍ مع التاريخ، وفي رحلة دونكيشوتية للبحث تحت أي قشّة عن هوية "الأمّة الجزائرية" المفقودة.
يقول عالم النفس جيمس مارسيا إن الهوية هي عبارة عن "بناء داخلي يمثل مجموع المعتقدات والقدرات والدوافع وتاريخ الفرد، وكلما كان هذا البناء متينا كلما كان الفرد أكثر وعيا بأوجه التفرّد والتشابه مع الآخرين، في حين كلما كان هذا البناء ضعيف التشييد كلما كان الفرد مشوشا حول ما يميزه عن الآخرين، وكلما صار أكثر اعتمادا على مصادر خارجية لتقييم ذاته واكتشافها".
هو اختصار ما تعيشه الجزائر. أزمة هوية سحيقة، ولتعويض هذا الخلل الفضيع في البنية التاريخية للفرد وللجماعة في الجزائر لجأ النظام العسكري لثقافة الريع الهوياتي لصنع "هوية أمّة"، بعد أن أدرك أنّ الشعب الجزائري "جائع" لتاريخ يستند إليه في التعبير عن ذاته. أو ببساطة هو شعب يعيش أزمة هوية التي تعد "حدثا متطورا يتلخص في أن لا يعلم الشخص يقينًا من هو"، وفق تعبير مؤسسة مفهوم الهوية عالم النفس إريك إريكسون، الذي كان يؤمن بأن "تَكَوّن الهوية وتحديد ملامحها من أكثر الأزمات التي يمر بها الفرد أهمية". أو كما قال السياسي الجزائري نور الدين بوكروح الذي ترشح للانتخابات الرئاسية عام 1995 إن "الجزائر أسَسَت لثقافة الأفكار الريعية".
وهو ذات المفهوم الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر 2021 حينما اتّهم النظام السياسي العسكري الجزائري بإنشاء "ريع للذاكرة"، مذكرا إياه بأنه "لا توجد أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي"، والحديث عن وجود أمة قبل هذا الاستعمار هو مجرد "وهم". تعبير ماكرون هو امتداد لحقائق تاريخية سبق أن أكدها سنة 1959 الرئيس الفرنسي الأسبق، الجنرال شارل ديغول حينما قال إنه "ومنذ بداية التاريخ، لم تكن هناك بتاتا وجود دولة جزائرية ذات سيادة". وأن البلاد دخلتها الامبراطوريات تلوى الأخرى طيلة تاريخها قائلا في هذا السياق: "القرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون وعرب الشام وعرب قرطبة والأتراك والفرنسيون، كلهم دخلوا هذا البلد الواحد تلو الآخر، ولم تكن هناك دولة جزائرية في أي وقت ولا بأي طريقة".
ولأن الدولة الجزائرية لم تؤسس إلاّ سنة 1962، وهي عبارة عن خليط من الأجناس والأعراق مثل "الكراغلة" وهو مصطلح يعني النسل المختلط بين الرجال الأتراك والنساء ممن سكنوا الجزائر من الأمازيغ والعرب وقبائل المزابيين والأوروبيين ممن جاءَ بهم الاستعمار المتوالي على تلك الأرض، عمل النظام على صنع "هوية تاريخية مزورة" عوض بناء الإنسان وفق التنوع البشري والعرقي للبلاد بعد الاستقلال، فدخل في نوع من الخرف التاريخي، حيث الحديث عن "مليون ونصف شهيد" خلال الثورة الجزائرية، وهي مقولة نطق بها جمال عبد الناصر فَحَوّلها الجزائريون إلى "مُستند تاريخي"، وزاد عليها الرئيس الحالي عبد المجيد تبون 3.5 مليون شهيد ليصبح المجموع خمسة ملايين شهيد!
وهكذا، أصبح تضخم الأنا والخواء الفكري والتاريخي ثقافة راسخة عند النظام العسكري الجزائري، وتبناها الشعب مع توالي السنوات بعد حشو وعيه بأوهام تاريخية أصبحت مقدسة، فصَدّق أن القفطان والزليج وأحيدوس والفن الغرناطي.. إرث ثقافي جزائري، وأن بلاده هي "دولة الخمسة ملايين شهيد" و"مكّة الثوار".
ومع هذه الفونتازيا، حَوّل النظام العسكري الحاكم كل هموم الشعب الجزائري للبحث إن كانت "قطعة زليح، وقفطان، وبنادير راقصي أحيدوس"، هي "إرث جزائري مسروق"، حتى بات الجزائري يقضي يومه في بحثٍ دائم وأسطوري عن مَن هُو، ومَا يملك، وما لا يملك، وما هي جدوره التاريخية، وأين هي هويته.
وهذه هي الأسطوانة التي يكررها الإعلام الجزائري، في اليوم آلاف المرات، ويتحدث بها ساسة البلاد بإيمان بليد حدّ السخرية، ما جعل الكاتبة الفرنسية celine pina تصف الإعلام الجزائري بأنه "يغوص في الكراهية"، مضيفة "إن كانت النخبة الجزائرية بهذا المستوى المنخفض، لنتخيل بقية الشعب كيف هو حاله!".
تعليقات الزوار
" أنا القوة الإقليمية الجزائرية الشعبية ربكم الاعلى عليكم أن تخضعوا لي بالطاعة العمياء "....
أصبح مفهوما لذى الرأي العام أن الجزائر ابتداء من العشرية السوداء فرخت جماعات مسلحة إرهابية البوليزاريوا بالحدود المغربية الموريتانية و داعش و القاعدة جنوب ليبيا و تونس و شمال مالي لتجر هذه الدول من انفها...مالي التي كانت ضعيفة وضعتها مثال لكل الدول لتزعزع أمنها و مصيرها، ليبقى المغرب عدوا عنيدا لها رافعا التحدي حتى اصبح النظام الجزائري يتهم أي دولة عاكستها أنها اتبعت مخطط المخزن المتآمر عليها...مالي حاصرتها باتفاقية الجزائر لتعبث بها و بموريتانيا و بتونس و قسم من ليبيا...ولما تغيرت حكومة باماكوا بأخرى ألغت أي اتفاقية تمس سيادتها فطلبت من الجزائر أن تتركها و شأنها إلا أن الجزائر اصرت تدخل في شؤونها بحجة أن اتفاقية الجزائر تبقى سارية المفعول حسب مفهوم النظام الشمولي الجزائري و كأنه يشير إلى الدول المغاربية و الشمال الأفريقية " أنا القوة الإقليمية الجزائرية الشعبية ربكم الاعلى عليكم أن تخضعوا لي بالطاعة العمياء "....فهل هناك سبلا لردع هذا النازي الجرثومة بشمال أفريقيا ؟
هذا هوالوجه الحقيقي للجزائر
في اول جلسة ترأس الجزائر مجلس الامن ،رحب مندوب الجزائر عمار بن جامع بمندوب إسرائيل وأعطاه الكلمة وشكره باسرائيل الشقيقة..هههه فاقوا بكم .هههه اللهم لا تجعلنا فتنة للظالمين و نجينا برحمتك من القوم الكافرين.. المكسي بديال الناس عريان .. وجه التخبط في مستنقع الهوية ظاهر لا يمكنطمسه
النظام الجزائري يجد صعوبة في صنع "هوية تاريخية بتزوير الحقائق"
توصيف دقيق جامع مانع يجب الاستناد اليه في التعريف لمكون الكراغلة المتضخم مثل بروسطات مزعجة وجب تحجيمها قبل الكارثة
Nothing from nothing is nothing
لا يمكن صنع تاريخ من لا تاريخ..! ولا يمكن صنع تاريخ من التزوير وسرقة تاريخ الآخرين...! لا يمكن تبني تاريخ إمبراطورية ذاع لها صوت وامتداد جغرافي وصل إلى جنوب مصر الفرعونية والتي لم تكن لها لغة عربية او جنس عربي أو ديانة اسلامية...الخ! بحسن الحظ كتابة التاريخ والاحتفاظ بتاريخ البشرية وحظارات المجتمعات البشرية يوجد في جميع المكتبات والمراكز العلمية وخزانات الكتب وكل مخطوطات هدا التاريخ في كل دول العالم المتمدن بل حتى تاريخ اقدم مخطوطات الحظارات الإنسانية القديمة الغير العربية توجد محفظة ومحتفظ بها مثل المنتوج ااحظاري العراقي القديم والهندي والصيني والفرعونيوالفنيقي واليوناني....! فلذالك لا يمكن للمترددين على منصات التواصل الاجتماعي ان يصنعون تاريخ لجزاءر الان التي صنعتها فرنسا بموجب استفتاء بداية الستينات! Nothing from nothing..is nothing!
مجرد تساؤل.
مجرد تساؤل. من حارب فرنسا !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه: "وهو ذات المفهوم الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر 2021 حينما اتّهم النظام السياسي العسكري الجزائري بإنشاء "ريع للذاكرة"، مذكرا إياه بأنه "لا توجد أمّة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي" انتهى الاقتباس هراء ماكرون هذا رد عليه تبون بحقائق دامغة خلال خطابه للأمة أما البرلمان،اعترف بها الفرنسيون أنفسهم. وأذكر كاتب المقال والفرنسيين والقراء الكرام بحقيقتين. 1- الأمير عبد القادر خاض 118 معركة ضد 116 جنرال فرنسي، وخمسة من أبناء فيليب العاشر، مدة 16 سنة متتالية، ولم يخسر ولا معركة إلا بعد خيانة ملك المغرب له. 2- الثورة التحريرية التي خاضها الشعب الجزائري ضد فرنسا التي كانت تعتبر رابع قوة في العالم، كانت الوحيدة التي أخرجت الحرب من ترابها وعملت على زعزعة الدولة المستعمرة في عقر دارها من خلال تنظيم أكثر من 100 هجوم في فرنسا وعملت على إسقاط 7 حكومات فرنسية، وأطاحت في الأخير بالجمهورية الربعة. قال ديغول في مذكراته "الأمل" ما نصه: "أن الجزائر جعلت فرنسا رجل أوربا المريض" انتهى الاقتباس. ولا أظن أن من كان يحارب فرنسا طيلة 132 سنة في تيزي وزر وتمنراست وتبسة وتلمسان رجال من الفضاء. ولا أظن أن 5630000 الذين استشهدوا كانوا من المرتزقة.