أبدت الخارجية الفرنسية تخوّفها من عدم التزام الجزائر بإحياء العلاقات الثنائية بين البلدين، في ظل التطورات الأخيرة في قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال وما رافقها من تصعيد في الخطاب الرسمي الذي ينذر بتوسع الفجوة بين الطرفين، وهو ما قد يجمد جهود حل مجمل الملفات الخلافية بين الجانبين.
وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو الأحد أن بلاده تساورها "شكوك" حيال رغبة الجزائر في التزام إحياء العلاقات الثنائية، قائلا في مقابلة مع إذاعة "أر تي إل" الخاصة "لقد وضعنا في 2022 خريطة طريق ونود أن يتم الالتزام بها لكننا نلاحظ مواقف وقرارات من جانب السلطات الجزائرية أثارت لدينا شكوكا حيال نية الجزائريين الالتزام بها. لأن الوفاء بالخريطة يقتضي وجود اثنين".
وأضاف بارو "مثل رئيس الجمهورية، أعرب عن القلق البالغ إزاء رفض طلب الإفراج الذي تقدم به بوعلام صنصال ومحاموه"، مشيرا الى أن فرنسا متمسكة جدا بحرية الرأي والتعبير، وتعتبر أن الأسباب التي قد دفعت السلطات الجزائرية إلى احتجازه باطلة".
ولا يزال اعتقال صنصال يثير ضجة في الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية، إذ تعتبر منظمات حقوقية ظروف توقيفه بـ"المخالفة" للقوانين، متهمة النظام الجزائري بتجاهل كافة الانتقادات و"فبركة" التهم من أجل إسكات الأصوات المعارضة.
وتلقّى الكاتب منذ إعلان اعتقاله في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني لدى وصوله إلى وطنه آتيا من فرنسا، دعما كبيرا من جهات سياسيّة وأدبيّة عدّة في العالم، فيما أكدت الحكومة الفرنسية على لسان وزيري الداخلية والخارجية أن ما أقدمت عليه الجزائر "غير مقبول"، مؤكدة في الوقت ذاته أن فرنسا تدين بحمايته باعتباره مواطنا فرنسيا.
ويخضع صنصال منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي للعلاج في وحدة علاج طبي، ووُجهت اليه تهم بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات والتي تعدّ "فعلا إرهابيا أو تخريبيا كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي".
وكان الكاتب قد سلط الضوء خلال تصريحات إعلامية على معلومات تاريخية أثبتت مغربية الصحراء الشرقية ومسؤولية فرنسا المستعمر السابق عن اقتطاع جزء من أرض المملكة لصالح الجارة الشرقية.
وتناول الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون للمرة الأولى الأحد الماضي قضية توقيف الكاتب بالجزائر، واصفا إياه بـ"المحتال المبعوث من فرنسا"، مضيفا "أرسلتم لنا خائنا لا يعرف أباه ليقول لنا إن نصف الجزائر ملك لدولة أخرى".
ويرى مراقبون أن الجزائر فشلت في ترميم علاقاتها المتصدعة مع فرنسا بعد أن بات واضحا تخوف تبون من تدشين الرباط وباريس صفحة جديدة في العلاقات بعد الزيارة التي أداها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ومباحثاته مع العاهل المغربي الملك محمد السادس التي توجت بإبرام حزمة من الاتفاقيات في مختلف القطاعات، بينما تعهدت باريس بدعم سيادة المغرب على صحرائه في المؤسسات الدولية، ولا سيما مجلس الأمن.
وشهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا متصاعدا عقب اعتراف ماكرون بمغربية الصحراء وألغى الرئيس الجزائري زيارة كانت مقررة إلى باريس في الخريف الماضي، واستدعت الجزائر على الفور سفيرها من باريس وقلصت تمثيلها الدبلوماسي، واحتفظت بقائم بالأعمال فقط، بينما لم تخلو الأشهر الأخيرة من حوادث وإجراءات تزيد من تشنج العلاقات بين البلدين.
وانتقل الاحتقان بين فرنسا والجزائر إلى مرحلة جديدة من التصعيد إلى التهديد بإجراءات جزائرية "عقابية قاسية"، واستدعت الخارجية الجزائرية في منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول، السفير الفرنسي لدى الجزائر ستيفان روماتي وأبلغته أنه لم يعد مقبولا من الآن فصاعد ما أسمتها "الممارسات وأعمال الابتزاز التي تصدر عن السلطات الفرنسية ودوائرها المتعاونة معها من لوبيات وفلول اليمين المتطرف".
تعليقات الزوار
لا تعليقات