قبل أسبوع كتبنا مقالا حللنا فيه بعض دلالات زيارة الرئيس الموريتاني أحمد ولد الغزواني للمغرب، ووضعنا بلاغ الديوان الملكي جنبا إلى جنب بيان المكتب الإعلامي للرئاسة الموريتانية، وخلصنا من عملية المقابلة، ودون توافق بين الطرفين مع تباين في العبارة بين التفصيل والإجمال، ولم يصدر عن موريتانيا الرسمية ولا وسائل إعلامها أي تعبير ينتقد خطاب الرباط، مما يؤكد حصول تطور مهم في الموقف، لجهة إنهاء فترة الجمود والتردد، وسباحة الرباط ونواكشوط في محيط واحد.
هذا الحدث الذي يشكل منعطفا كبيرا في المنطقة المغاربية أولا، ثم في منطقة الساحل جنوب الصحراء ثانيا، تأكد خلال الأسبوع الجاري، بمؤشرين كبيرين:
الأول: زيارة خاصة قام بها الملك محمد السادس، قاطعا بذلك فترة نقاهته الصحية، إلى الإمارات، التقى فيها بالرئيس الموريتاني هناك، وسط حديث عن اتفاق ثلاثي، يدور محوره حول تفعيل المبادرة الأطلسية، وتسريع تنفيذ أنبوب الغاز الإفريقي. معهد الأفق الجيوسياسي، يتحدث عن مشروع إماراتي ضخم يمتد على طول السواحل بين المغرب وموريتانيا في إطار المبادرة الأطلسية.
الثاني، إقدام الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بعد أسبوع واحد من زيارة الرئيس الموريتاني للرباط، على إقالة السفير المفوض فوق العادة في موريتانيا، السيد محمد بنعتو، بعد فقط ثلاث سنوات من تعيينه، وتعيين أمين صيد سفيرا جديدا بدلا عنه، وهو ما يؤكد فشل السفير السابق في مهامه، ووجود تعقيدات خفية في العلاقة بين الجزائر ونواكشوط.
في الواقع، تنهض كل هذه المؤشرات لتؤكد بأن موريتانيا غادرت موقع الحياد السياسي في موضوع الصحراء، كما غادرت منطقة التوازن الحذر مع الجزائر، واختارت أن تنقل علاقتها مع المغرب إلى المستوى الاستراتيجي، وهو ما يعني مغاربيا نهاية الحلم الجزائري إقامة «اتحاد مغاربي بدون المغرب» ويعني استراتيجيا، نجاح المبادرة الأطلسية التي وجهها ملك المغرب لولوج دول الساحل جنوب الصحراء إلى المحيط الأطلسي، مما يفيد من الجهة الاستراتيجية، عزلة الجزائر في محيطها الإقليمي، ونجاح المغرب في استقطاب المنطقة برمتها إلى مشاريعه ورهاناته الاستراتيجية.
في المقال السابق، تحدثنا عن التحديات التي تواجهها الجزائر في تدبير محيطها الإقليمي من كل جهات حدودها، وتوقفنا على الخلاف الاستراتيجي بينها وبين موسكو على مستويين مترابطين: علاقة موسكو بالجنرال حفتر الذي يشكل تهديدا للأمن القومي الجزائري، واستثمار موسكو للشرق الليبي لتسليح مالي للقضاء على قبائل الأزواد التي تدعمها الجزائر، وتتركها جدارا مهما في أمنها القومي.
في قراءة فنجان العلاقة بين المغرب والجزائر لسنة 2025، من المتوقع، أن يحصل ثلاثة تطورات كبيرة:
الأول: هو تعزز المشاريع الاستراتيجية العابرة من الصحراء إلى القارة الإفريقية، بشراكة مغربية موريتانية إماراتية أمريكية، إذ من المرجح جدا، بعد صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أن يستكمل تعهداته بالاستثمار في منطقة الصحراء، وتحويل ميناء الداخلة إلى أكبر ميناء لاستقبال المنتجات الأمريكية المتوجهة إلى القارة الإفريقية.
الثاني، التحاق الموقف البريطاني، بنظيره الفرنسي، إذ يسير تطور العلاقة بين الرباط ولندن في وتيرة استراتيجية جد متصاعدة، منذ سنة 2019، دمجت عدة أبعاد تجارية وأمنية واستراتيجية، وكان من ثمارها توقيع اتفاقية سنة 2021 لبناء أطول كابل كهربائي في العالم، تحت سطح البحر، يحول الطاقة الشمسية والريحية من الصحراء إلى بريطانيا ليؤمن الكهرباء لحوالي 7 ملايين منزل.
في شهر مايو من سنة 2023، حكمت محكمة الاستئناف بلندن برفض طلب الاستئناف المقدم من المنظمة غير الحكومية الموالية لجبهة البوليساريو ضد قرار سابق للمحكمة الإدارية ورفض طلبها الذي حاول التشكيك في اتفاقية الشراكة التي تربط المغرب بالمملكة المتحدة.
هذه المؤشرات، إضافة إلى ما يجري من تحولات سياسية واستراتيجية في المنطقة، تتعلق بتغير الموقف الفرنسي، والتحولات التي ترتبط بمستقبل المبادرة الأطلسية، فضلا عن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ووضوح رؤيته بخصوص قضية الصحراء، وموقعها في الشراكة الأمريكية الإفريقية، وكذا بتصور الولايات المتحدة لقضية الأمن في منطقة الساحل جنوب الصحراء، كل ذلك، يدفع دفعا للاعتقاد بأن براغماتية لندن، ستدفعها بشكل سريع إلى تغيير موقفها ودعم قضية الصحراء على غرار الموقف الفرنسي والأمريكي.
الثالث: وهو أن تتمكن ليبيا من إنهاء مرحلة التوتر والخلاف بين فرقائها، وأن ينجح مجلس الدولة ومجلس النواب، في ترتيب خارطة الطريق لبناء المؤسسات السياسية التي تؤمن هدف دولة ليبية موحدة، وهو الرهان، الذي شاركت فيه الرباط مبكرا، بل صيغت قواعد وأسسه في الصخيرات وبوزنيقة، بينما، فشلت الجزائر أن تقوم بأي دور مؤثر في ليبيا.
الكثيرون كانوا يتوقعون أن تمضي العلاقة بين الجزائر والمغرب إلى التصعيد، وتوقع البعض منهم أن تذهب الجزائر إلى الحرب، لكن في ظل التحولات المتسارعة التي جرت هذه السنة تحديدا، وأحكمت العزلة على الجزائر، أصبح خيار الحرب انتحاريا بالنسبة إلى الجزائر.
في الواقع، يمكن أن نلمس في خطاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه، بعض العناصر التي تشي بالشعور بتعاظم التحديات الخارجية، وبعدم قدرة النظام على مواجهتها وحده، ففي العادة، ما يتم مواجهة التحديات الداخلية بخطاب قوي فيه ربط أي رغبة بالاحتجاج على السياسات العمومية بالأجندة الخارجية، ويتم فيها التهديد بوجود جيش قوي، قادر على استتباب الأمن، لكن من الواضح أن اللجوء إلى طلب دعم الجبهة الداخلية، والتعهد بإطلاق حوار سياسي وطني، لا يتوجه إلى الاستجابة للرهانات الداخلية، ومحاربة الفساد، ومحاولة فتح النسق السياسي قليلا، وإنما قصده الأول، مواجهة ما يراه النظام الجزائري تحديات خارجية عجزا بالآلية الدبلوماسية أن يوقف تقدمها، سواء تلك التي تتعلق بالانقلابات التي جرت على جنوب حدوده، أو بالدينامية الدبلوماسية النشطة للرباط.
ثمة عدد من التوصيات التي يقدمها بعض السياسيين الجزائريين للدولة الجزائرية، وينصحونها بالكف عن الاستثمار في ملف الصحراء، وأن يتم التوجه للحوار بشكل مباشر مع المغرب، وثمة انتقادات كثيرة يوجهها سياسيون ومثقفون جزائريون إلى انتكاسة الدبلوماسية الجزائرية في مواجهة الدبلوماسية المغربية، لكن، المشكلة، في الجوهر، لا تتعلق بضعف النزعة البراغماتية للنظام الجزائري، بل تكمن أساسا في الشرعية، أي شرعية النظام السياسي، فهناك تحليلات جزائرية معتبرة، ترى أنه في اليوم الذي تنتهي مشكلة الصحراء، بسحبها من الأمم المتحدة، وهو ما يبدو متوقعا في هذه السنة على الأرجح سيجد النظام نفسه في مواجهة سياقه الداخلي، وحتى الغاز والبترول، الذي كان يستعمل كسلاح دبلوماسي، فمن المحتمل أن يصير أكبر سلاح يستعمل داخليا لمساءلة النظام عن الثروة، وعن ثمار النمو، وإلى أين تتوجه؟
بلال التليدي
تعليقات الزوار
Polyzario est fini
Il y a autre chose que vous avez oublié La guerre entre La Russie et la L'Ukreine va s’arrêter Donc le gaz Russe coule à flot en Europe comme avant Le pb de la Libye va être résolu donc la Libye commencera à vendre son pétrole et son gaz comme d’habitude La mauritanienne et le Signale vont vendre leur gaz aussi et plus tard ce lui du Négiria Après le pb du Sahar occidental le Maroc demandera ses terre oriental qui sont aux de l'agérie Le Maroc a intégré son sahara mais l'Algérie a intégré le polyzario
منيش راضي
تحليل رزين ومتوازن.
حول العلاقة بين المغرب والجزائر
مادام العصابة العجزة في الحكم في الجزائر فلن يكون هناك أي تغير يخدم مصلحة الشعبين دايما القمع والايادي الخارجية