أخبار عاجلة

زيارة ممثل بوتين ونائب وزير الدفاع الروسي للجزائر تُثير كثير من الشكوك

كثّفت الجزائر وروسيا من اتصالاتهما في الفترة الأخيرة، عبر سلسلة من اللقاءات على أعلى مستوى، أعقبت التطورات المتسارعة لسقوط نظام بشار الأسد في سوريا. والظاهر من تصريحات الطرفين، أن البلدين استعادا التوافق في القضايا المتعلقة بمنطقة الساحل بعد القلق الجزائري من تحركات ميليشيا فاغنر الروسية، في وقت يبقى التباين حول ليبيا التي تدعم فيها روسيا المشير حفتر، خاصة مع الحديث عن نقل قواعد عسكرية روسية من سوريا إلى ليبيا.

أبرز الأحداث الأخيرة، كانت زيارة نائب وزير الشؤون الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، ونائب وزير الدفاع الروسي، إيونوس بيك إيفيكوروف، إلى الجزائر، واللذين تم استقبالهما من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، بحضور كبار الوزراء والقادة العسكريين في البلاد. وجاءت هذه الزيارة في سياق سياسي وأمني خاص، جعلها محور اهتمام الملاحظين الذين يرقبون تورات العلاقة بين البلدين الحليفين، واللذين لا تخلو علاقاتها من خلافات.

وفي تصريحه عقب الاستقبال، أكد نائب وزير الشؤون الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن العلاقات بين الجزائر وروسيا “جيدة وذات مستوى استراتيجي”، مبرزا أن البلدين “سيواصلان اللقاءات بينهما والجهود التي تجمعهما”. وأشار بوغدانوف إلى أنه تم خلال هذا اللقاء التطرّق إلى “الأوضاع في منطقة الساحل وتبادل الرؤى والآراء”، متوجها بالشكر كما قال للرئيس تبون على إتاحة هذه الفرصة لمناقشة “مختلف المواضيع”، مبرزا سعي بلاده لمواصلة التعاون مع الجزائر.

وقبل ذلك، كان وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، قد استقبل بوغدانوف، حيث أعرب الطرفان خلال اللقاء عن ارتياحهما للنتائج الإيجابية التي تم إحرازها في إطار تجسيد القرارات التي تم اتخاذها خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون، إلى روسيا شهر حزيران/جوان 2023″. كما اغتنما الفرصة “لتبادل الرؤى والتحاليل حول تطوّرات الأوضاع في منطقة الساحل الصحراوي وكذا بخصوص المستجدات في الشرق الأوسط، لاسيما في سوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة”، وفق بيان الخارجية.

وفي سياق الزيارة، تم عقد الدورة الرابعة للمشاورات السياسية الجزائرية-الروسية والتي تندرج في إطار التشاور والحوار السياسي الثنائي. وشكلت الدورة حسب بيان للخارجية الجزائرية فرصة لتدارس واقع العلاقات الثنائية التي تربط البلدين وسبل تعزيزها في مختلف مجالات التعاون، في إطار مواصلة تنفيذ إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة، الموقّع عليه بمناسبة زيارة الرئيس تبون لروسيا. كما سمحت المشاورات السياسية بإجراء مباحثات معمّقة حول عديد القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وتطرق بيان الخارجية الروسية لتفاصيل أكثر دقة حول زيارة بوغداونوف، حيث أشار إلى أنه “في إطار التنسيق المشترك بشأن قضايا السياسة الخارجية الراهنة، تم إيلاء اهتمام خاص للوضع في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية والوضع في شمال إفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل”. وأضاف البيان أنه خلال اللقاءات تم التطرق والتوافق في التوجهات الأساسية لموسكو والجزائر، القائمة على عدم وجود بدائل للحل السلمي للصراعات والأزمات القائمة في الشرق الأوسط وإفريقيا. كما أشار الجانبان إلى الدور التنسيقي المهم في تعزيز العلاقات الثنائية للجنة الحكومية الروسية الجزائرية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، والتي سيعقد اجتماعها الثاني عشر في الجزائر في نهاية كانون الثاني/يناير 2025.

وفي تعليقه على ذلك، كتب عبد السلام بشاغا رئيس لجنة الصداقة البرلمانية الجزائرية الروسية أن “الديناميكية الحاصلة مؤخرا في العلاقات الجزائرية الروسية من خلال تبادل الزيارات على أعلى مستوى، أثمرت لأول مرة بالحديث علنا على الملفات المشتركة المتعلقة بالأمن والأوضاع في منطقة الساحل، وهذا ما صرح به نائب وزير الخارجية الروسي الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط و شمال افريقيا عقب استقباله من طرف رئيس الجمهورية”. وأكد البرلماني أن “الأمر ذاته كان من بين محاور نقاشاتنا خلال الاجتماع الذي عقد بتقنية التحاور عن بعد من نظرائنا في مجلس الدوما الروسي، وكذا التأكيد على التعاون في مجالات أخرى تعكس الثقل التاريخيّ والاستراتيجي للعلاقات بين البلدين”.

وترافع الجزائر في حديثها مع الجانب الروسي على أولوية تفعيل حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية، مع التأكيد على رفض لتدخل الأجنبي في إنهاء الصراعات والنزاعات في الدول الإفريقية، حتى ولو كان مصدره روسيا.

وكان وزير الخارجية احمد عطاف في كلمته التي ألقاها الأحد خلال أشغال المؤتمر الوزاري الأخير لمنتدى الشراكة “الإفريقية-الروسية”، بمدينة سوتشي الروسية، قد أكد في كلمته أن “الحلول المفروضة من الخارج لم تُثبت يوما دورها في إطفاء فتائل الصراعات وحلِّ مختلف الأزمات والنزاعات التي تُكابدها دول وشعوب القارة”.

وفي هذا السياق، يتسم موقف الجزائر بالرفض الشديد لوجود قوات فاغنر في مالي، وقد برز ذلك بشكل خاص في الاحتجاج الجزائري على الهجوم الذي نفذته فاغنر مع القوات المالية قرب الحدود الجزائرية في تموز/يوليو الماضي، والذي أدى إلى توترات بالغة في منطقة أزواد شمال مالي.  وكانت الجزائر قد رفعت انشغالها إلى مجلس الأمن الدولي، بداية شهر أيلول/سبتمبر الماضي، حين دعا ممثل الجزائر السفير عمار بن جامع، إلى محاسبة “الجهات التي تسببت في قصف أكثر من 20 مدنيا في منطقة تينزاواتين، جراء ما تقترفه بحق القانون الدولي الإنساني”، مؤكدا ضرورة “وقف انتهاكات الجيوش الخاصة التي تستعين بها بعض الدول”، ومحذرا من مغبة “عدم مساءلة تلك الأطراف بشأن انتهاكاتها وما تتسبب فيه من تهديدات وأخطار على المنطقة”.

ونشطت إثر ذلك الدبلوماسية الجزائرية التي نجحت وفق ما نشرته جريدة لوموند، في إقناع موسكو بوضع حد لهجوم واسع جديد كانت ستشنه قوات فاغنر بالتعاون مع الجيش المالي على منطقة قريبة جدا من الحدود الجزائرية، في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، ردا على هزيمة كبيرة تعرضت لها القوات المالية و”فاغنر” في تموز/يوليو الماضي أمام المتمردين في إقليم أزواد، وهم ما اعتبر بمثابة تحييد لخطر فاغنر في الساحل.

وعدا الساحل، يرى مراقبون أن من النقاط التي تكون قد أثيرت في زيارة بوغدانوف للجزائر، احتمالية إقامة روسيا لقواعد عسكرية في ليبيا بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يضمن وصول موسكو لمياه المتوسط. وعلى الرغم من موقف الجزائر المبدئي من وجود قواعد عسكرية أجنبية في المنطقة، يُعتقد في هذا الإطار، أن الحوار بين الطرفين يسعى إلى تجنب أي تصعيد أو سوء فهم قد ينجم عن إنشاء قواعد عسكرية روسية في ليبيا وما قد ينشأ عن ذلك من تعزيز النفوذ العسكري للمشير خليفة حفتر الذي تنظر الجزائر لتحركاته بعين الحذر، خاصة أن الأخير تربطه علاقة قوية بموسكو.

والمعروف أن الجزائر التي تتعامل بانسجام كبير مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا ومع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، تبدي قلقا كبيرا من نشاط اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ سنوات، وازداد التوتر في الفترة الأخيرة بعد وصول قواته إلى حدودها الشرقية، حيث توجد منشآت نفطية وغازية هامة، وهو ما تنظر إليه الجزائر على أنه تهديد لأمنها القومي.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات