أخبار عاجلة

ماذا يعني سقوط بشار الأسد للجزائر الحليف الأكبر للنظام السوري السابق

العالم كله مشغول بما حدث وما سيحدث لاحقا في سوريا. ولا شيء يجعل دول الشمال الافريقي بمنأى عن الاهتمام هي أيضا بذلك. فالحليف الأكبر للنظام السوري السابق في المنطقة هو الجزائر، التي بعد أن هالها انهياره السريع لم تجد بدا، وفي أول ردة فعل لها على ما وصفتها « بالتطورات والتغيرات المتسارعة» في دمشق، سوى أن تعبر عن وقوفها مع الشعب السوري. وغير بعيد عنها، ربما تأمل جارتها الغربية، التي لطالما اتسمت علاقاتها مع ذلك النظام بالبرود والفتور، بل ظلت مقطوعة على مدى أكثر من عقد كامل، بأن تفتح صفحة جديدة مع سوريا بعد رحيل بشار الأسد.
والاعتقاد السائد هو أن الجزائر فقدت حليفا مهما وأن المغرب تخلص من عدو لئيم. لكن البلدان لم يظهرا إلى الآن لا ابتهاجا ولا انزعاجا لما حصل. فالمغاربة لم يرغبوا كعادتهم في التعليق بشكل فوري ورسمي، وأرجأوا ذلك ربما إلى حين أن تكتمل الصورة أمامهم، في حين أن الجزائريين فضلوا التصرف بشكل مغاير تماما. فساعات قليلة فقط بعد الإعلان فجر الأحد الماضي عن سقوط نظام بشار، سارعت خارجيتهم لنشر بيان قالت فيه إن «الجزائر تتابع باهتمام بالغ تطورات الأوضاع الأخيرة والتغيرات المتسارعة التي تشهدها الجمهورية العربية السورية، وتدعو الأطراف السورية كافة، إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه، وتؤكد وقوفها مع الشعب السوري الشقيق الذي تربطه بالشعب الجزائري صفحات نيرة من التاريخ المشترك القائم على التضامن والتآزر»، قبل أن تشير إلى أنها أي الجزائر «تدعو إلى الحوار بين أبناء الشعب السوري بأطيافه ومكوناته كافة، وتغليب المصالح العليا لسوريا الشقيقة، والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري، بعيدا عن التدخلات الأجنبية». وكان واضحا أن المغزى من وراء ذلك هو أن الجزائريين قد سلموا بالأمر الواقع وباتوا يتطلعون إلى التقليل قدر الإمكان من تداعيات فقدان من كانوا يعتبرونه حليفا مهما لهم في الشرق العربي. ولعل التساؤل الذي خامرهم هو، كيف سقط النظام بتلك السهولة، وهنا لم يكن من باب الصدفة أبدا أن بثت قناة الجزائر الدولية التلفزيونية الرسمية، وفي غمرة التطورات في سوريا شريطا وثائقيا حول ما وصفته بمؤامرة المخابرات الفرنسية لاستهداف استقرار البلاد. فالقاسم المشترك بينهما كان اعتقاد الجزائريين أن دمشق قد تعرضت إلى مؤامرة دولية تماما، مثلما يتعرضون ويواجهون، ومنذ فترة، مؤامرات متعددة الأطراف.

وعلى أي حال فهم ينتظرون كما ينتظر جيرانهم الليبيون والتونسيون الطريقة التي سيتصرف بها السوريون في المرحلة المقبلة، فهل إنهم سيكررون ما حدث في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي، وسيدخلون في غمار صراعات مسلحة في ما بينهم؟ أم أنهم سيختارون نموذجا يقترب إلى حد ما من النموذج الذي اختارته تونس ويقومون في تلك الحالة بثورة صورية؟ ومن الواضح هنا أن البلدين المغاربيين اللذين سبقا سوريا بأكثر من ثلاثة عشر عاما في إزاحة نظاميهما وبطريقتين مختلفتين تماما، أي تونس وليبيا، يبدوان الآن وكأنهما بعيدان عن أن يمثلا مصدر إلهام بالنسبة للسوريين. وربما تجعل التجربة التي مرّا بها كثيرا من التونسيين والليبيين يتوجسون من أن تحيد الثورة السورية عن الشعارات والأهداف العظيمة التي أعلنتها، لكن هل يمكن أن يكون مجرد التخوف من فشل المرحلة التي تعقب سقوط نظام الأسد، هو السبب الذي جعل الخارجية التونسية تصدر، في الأيام العشرة الأخيرة، التي سبقت الإعلان فجر الأحد عن دخول قوات المعارضة للعاصمة السورية دمشق وهروب بشار الأسد، بيانا قالت فيه إن «تونس تندد بشدة» بما وصفته بـ»الهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا في المدة الأخيرة»، وتعرب «عن تضامنها التام مع الجمهورية العربية السورية»، وتدعو «المجموعة الدولية لمساندة هذا البلد الشقيق حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه»؟، وهل يمكن أن يكون ذلك المبرر نفسه هو الذي جعل المكلف بتسيير وزارة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، يجري الخميس الماضي اتصالا هاتفيا مع وزير خارجية نظام الأسد بسام صباغ أعرب فيه، حسبما ذكرته وكالة الأنباء الليبية عن «تضامن ليبيا مع سوريا»، مشيرا حسب المصدر نفسه إلى «أن بلاده – أي ليبيا- مرت بتجربة مماثلة في الحرب ضد الإرهاب ما يجعلها تدرك خطورة هذه التحديات»، ومؤكدا أن «ليبيا تدعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها إلى جانب أمن واستقرار مواطنيها»؟ من الواضح أن هناك دوافع أخرى أملت على السلطات الليبية والتونسية أن تعلنا وعلى عكس الخيارات التي أخذتها الحكومات التي تلت سقوط نظامي القذافي وبن علي عن مواقف داعمة لنظام الأسد. لقد تقاطع ما أعلنته وبشكل صريح مع موقف الجزائر. فقد أجرى وزير خارجيتها أحمد عطاف الثلاثاء قبل الماضي مكالمة هاتفية مع نظيره السوري، سمحت له وحسب بيان نشرته الوزارة، «الاطلاع على آخر المستجدات بشأن الأوضاع في شمال سوريا» والتأكيد على «موقف الجزائر الثابت وتضامنها الكامل مع الجمهورية العربية السورية، دولة وشعبا، في ما يتعلق بمواجهة التهديدات الإرهابية، التي تستهدف سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، فضلا عن أمنها واستقرارها «قبل أن يعبر له الوزير السوري، وحسب البيان نفسه عن «شكره العميق للجزائر على تضامنها ودعمها للطلب الذي تقدمت به السلطات السورية لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى إدراج بند يتعلق بالتطورات الأخيرة في سوريا خلال الاجتماع الطارئ المقبل لجامعة الدول العربية على المستوى الوزاري».
ولعل ما جمع بين البيانات الرسمية في الدول المغاربية الثلاث هو توصيفها ما حدث في سوريا بأنه عمل إرهابي قامت به مجموعات إرهابية للمس بأمن واستقرار دولة عربية شقيقة، مسقطة من اعتبارها أي إشارة إلى الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري. والسؤال هنا هو، ما الذي جعل المغرب لا ينساق بدوره وراء مثل تلك الأحكام؟ ربما سيقول البعض إن السبب معروف وهو أن العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ودمشق كانت ما تزال مقطوعة، وبالتالي لم يكن من المناسب أن يعلق المغرب على أحداث تقع داخل دولة لا يقيم معها علاقات دبلوماسية. غير أن هناك دافعا آخر، فالمغاربة كانوا يرون أن وقوف نظام بشار مع حركة انفصالية هي البوليساريو يمس بأمن واستقرار دولتهم، وبالتالي فإنهم كانوا يرون أنه كان من الأجدر بمن يريد الحفاظ على أمنه واستقراره أن لا يتعدى على أمن واستقرار غيره.
والسؤال الآن هو، إن كان النظام الجديد في سوريا سيراجع على الأرجح موقفه من البوليساريو فهل تكون الرباط هي الحليف الجديد لدمشق في الشمال الافريقي بدلا من الجزائر؟ الأحداث التي كرر بيان متأخر نسبيا أصدرته الخارجية التونسية الاثنين الماضي وصفها بالمتسارعة في سوريا ستجيب حتما عن ذلك.

نزار بولحية

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات