أخبار عاجلة

تحديات وإرث ثقيل ينتظر تطوير الصناعات التحويلية وتوطين التكنولوجيا في الجزائر

تسلّم سيفي غريب، مهامه رسميا كوزير للصناعة في الجزائر، خلفا لسابقه علي عون، في خضم العديد من التحديات، وانتظارات كبرى في غلق عدة ملفات مازالت عالقة.  

يُواجه الوافد الجديد على وزارة الصناعة، امتحانا حقيقيا لإعادة الثقة في القطاع، والانسجام مع رؤية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون بخصوص أولوياته التي أعلنها قبل ثلاث سنوات في ندوة الصناعة الوطنية، أهمها: رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق قفزة نوعية في الصناعات الإستراتيجية، بدءًا من بعث صناعة سيارات حقيقية خالية من شبهات المحسوبية، مرورا بإنتاج أجهزة كهرومنزلية جزائرية بنسبة 100 بالمائة وصولا إلى تعزيز المناولة الصناعية كأرضية لنجاح المشاريع الكبرى، واستئناف صناعة الهواتف النقالة التي تعد من بين أولويات الدولة.

ورغم أنّ الوزراء السابقين لم يحققوا النجاح المطلوب في بلوغ هذه الطموحات، إلا أنّ كافة هذه المعطيات تضع الوزير غريب تحت ضغط كبير، في مقابل أنّه تحدث بثقة عند استلامه للمهام، عن "إمكانية تحقيق تغيير حقيقي يُعيد للقطاع بريقه ويجعله رافعة أساسية للاقتصاد الوطني.. فهل يتحقق ذلك؟

مزايا فصل الصناعة عن الإنتاج الصيدلاني

أكد الخبير الاقتصادي الهواري تيغريسي، أن قطاع الصناعة في الجزائر يواجه مرحلة حاسمة تتطلب إعادة ترتيب الأولويات لتحقيق طفرة نوعية في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، خصوصا بعد التعديل الحكومي الأخير الذي أجرى في 18 نوفمبر، والذي تضمن فصل وزارة الصناعة عن الإنتاج الصيدلاني وتحويل الأخيرة إلى وزارة منتدبة.

وفي السياق؛ أوضح النّائب السابق تيغريسي أن هذا القرار يعكس رؤية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون نحو تعزيز التخصص والتركيز في إدارة القطاعات الحيوية، بما يساهم في تحقيق كفاءة أعلى وتنمية مستدامة.

وأضاف: "فصل قطاع الإنتاج الصيدلاني عن وزارة الصناعة خطوة مهمة لتوجيه الجهود نحو تطوير الصناعات الإنتاجية الكبرى، مع إعطاء الأولوية لقطاعات استراتيجية مثل الصناعات التحويلية، الصناعة الميكانيكية، والصناعات الغذائية التي تمتلك إمكانات هائلة لتحريك عجلة الاقتصاد".

وعن سبل رفع مساهمة الصناعة في النّاتج المحلي الإجمالي، أشار تيغريسي إلى ضرورة التّركيز على توصيات رئيس الجمهورية، لا سيما تلك المتعلقة بزيادة نسبة التصنيع المحلي، وتشجيع الاستثمار، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وقال: "تحتاج المرحلة المقبلة إلى خارطة طريق واضحة تستهدف تقليل الاعتماد على الواردات عبر تطوير الصناعات التحويلية وتوطين التكنولوجيا".

وختم تيغريسي بالإشارة إلى أهمية تطوير الصناعات المرتبطة بالموارد الطبيعية التي تمتلكها الجزائر، مثل البتروكيماويات والصناعات التعدينية، إلى جانب دعم القطاعات التي تخلق فرص عمل وتحسن الميزان التجاري، مؤكدا أن الصناعة هي العمود الفقري لأي اقتصاد قوي ومستدام.

صناعة الأدوية (صورة: أرشيف)

القطاعات الصناعية الاستراتيجية

وغير بعيد عن ذلك، أكد الخبير الاقتصادي وعضو لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الشعبي الوطني، عبد القادر بريش، أن الجزائر تمتلك إمكانات كبيرة لتطوير صناعات استراتيجية متنوعة قادرة على إنعاش الاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

وأوضح أن تعزيز هذه القطاعات سيساهم في تقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الصادرات، مشيرا إلى عدد من المجالات التي تمثل أولوية في المرحلة المقبلة.

وفي هذا الخصوص؛ تحدّث بريش عن الصناعات التحويلية، مشيرا إلى أنّها تُمثل الركيزة الأساسية لتنويع الاقتصاد الوطني، حيث يمكن للجزائر استغلال وفرة مواردها الطبيعية مثل النفط والغاز في تطوير صناعات البتروكيماويات والبلاستيك والمواد الكيماوية.

وأضاف: "هذه الصناعات تفتح المجال لتوفير منتجات ذات قيمة مضافة عالية وتوسيع الأسواق التصديرية".

وعن صناعة الحديد والصلب، أكد على أهمية تطوير صناعة الحديد والصلب لتلبية احتياجات السوق المحلية في قطاعات البناء والأشغال العمومية والصناعات الميكانيكية، وقال: "زيادة الإنتاج المحلي من الحديد والصلب سيخفض من واردات الجزائر، ويدعم مشاريع البنية التحتية الكبرى".

وبخصوص الصناعات الغذائية، اعتبر بريش الصناعات الغذائية من بين القطاعات الحيوية التي تمتلك الجزائر فيها إمكانات هائلة، مشيرا إلى أن الاستثمار في هذا المجال سيساهم في تعزيز الأمن الغذائي وخلق فرص تصدير نحو الأسواق الأفريقية والدولية.

وعن الصناعات الدوائية، اعتبر قرار تحويل وزارة الإنتاج الصيدلاني إلى وزارة منتدبة، خطوة إيجابية، لأنها تعد قطاعا استراتيجيا يمكن أن يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الأدوية ويقلّل من فاتورة الاستيراد.

 أكد بريش أن الانتقال نحو الطاقات المتجددة يمثل فرصة سانحة لتطوير صناعات جديدة مثل إنتاج الألواح الشمسية والبطاريات وتقنيات تخزين الطاقة، وقال: "هذا القطاع ليس فقط صديقا للبيئة، لكنه أيضا رافد مهم لخلق فرص عمل وتصدير التكنولوجيا".

صناعات كهربائية (صورة: أرشيف)

السيارات.. من التركيب إلى التصنيع وإنتاج قطع الغيار

تعد صناعة السيارات من أبرز القطاعات الواعدة التي يمكن أن تساهم في تحقيق رفع النمو، خاصة مع الجهود المبذولة لتوطين هذا القطاع في الجزائر.

ولأجل حلّ أزمة المركبات نهائيا في الجزائر، قال بريش بأنّه من الضروري الانتقال من مرحلة التركيب إلى التصنيع الكامل، بما يشمل تصنيع المكوّنات الأساسية محلياً مثل المحركات والهياكل، الأمر الذي سيخلق قيمة مضافة حقيقية ويساهم في تقليل فاتورة الاستيراد".

كما شدّد في تصريحه على أهمية الصناعة الكهرومنزلية، التي وصفها بأنها من بين القطاعات ذات الإمكانات الهائلة لتعزيز الإنتاج المحلي وتلبية الطلب الداخلي. وأضاف: "لدينا فرصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال وتوسيع أسواق التصدير نحو إفريقيا، خاصة إذا تم توجيه الاستثمارات نحو تطوير التقنيات المستخدمة وتعزيز الشراكات مع الشركات العالمية".

وفيما يتعلق بصناعة الهواتف النقالة، قال إنّها تمثل قطاعا استراتيجيا بالنظر إلى الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا الحديثة، وأوضح: "الجزائر قادرة على الدخول في هذا المجال من خلال الشراكة مع كبرى الشركات العالمية وتوطين إنتاج المكونات الإلكترونية، ما سيساهم في خلق فرص عمل متخصصة وتعزيز التحول الرقمي في البلاد".

ولتسيير هذا القطاع المتشعب المجالات، اقترح الخبير ضرورة تطوير سياسات دعم الاستثمار في هذه القطاعات، مع تعزيز البحث العلمي والشراكات الدولية، لتحقيق رؤية الدولة وعلى رأسها استراتيجية الرئيس تبون، من أجل تحويل الجزائر إلى مركز صناعي إقليمي قوي ومستدام.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات