أخبار عاجلة

محنة الشياتين في الجزائر بعد أن زادت وتيرته في المجالين السياسي والإعلامي

الشياتون بالدارجة الجزائرية هم المتملقون أو المتزلفون، الذين يبدو إنهم يعيشون أوقاتا صعبة هذه الأيام في البلد، بعد أن تعمم منطق التزلف، وزادت وتيرته في المجالين السياسي والإعلامي، لم يعد يعرف الواحد منهم الحد الذي يتوقف عنده، خوفا من منافسة زميله الأكثر تملقا منه، ما يجعله يزيد في حدة تزلفه، من دون أن ينتبه إلى أنه تجاوز مسار السباق الأصلي المسموح به، بحدوده الباهتة التي تعلم الجميع التعامل معها ومعايشتها يوميا داخل فضاء مهني، لا يخضع فيه التنافس إلى قيم مهنية واضحة المعالم.
وضع جعل الكثير منهم يفقد بوصلته ليسقط في المبالغة والشطط، كما حصل الأسبوع الماضي مع جريدة جزائرية ادعت، من دون دليل بالطبع، أن الرئيس تبون قد يكون معرضا للاغتيال من قبل الصهاينة، وما سمته بمحور الشر، في الأيام الأولى لعهدته الثانية. وهي تظن أنها بهذا تتقرب من النظام وتتملق له بكشفها لهذه المؤامرة المفترضة، في جو زاد فيه التخويف من المؤامرات الخارجية، التي تحاك ضد الجزائر، يعمل على الترويج لها الخطاب الإعلامي والسياسي الرسمي. وضع فرض على وزارة الإعلام التدخل لتوقيف الجريدة، بشكل نهائي، كما جاء في بيان رسمي من وزارة الاتصال.
تملق أصبح السمة البارزة لدى الكثير من محترفي الإعلام، من الجنسين، يساعدهم في ذلك الكثير من أساتذة الجامعات من مختلف الأجيال والتخصصات، علوم اجتماعية وإنسانية في الغالب – كخبراء ومحللين لا يملكون من الزاد العلمي إلا الاسترسال لساعات في الكلام، لمدح السياسة الرسمية المعلنة مهما كانت. تملق له علاقة مباشرة بالتسيير الريعي السائد للشأن الإعلامي في الجزائر، بقطاعيه العام والخاص، الذي تحتكر بموجبه الدولة المجال السياسي والإعلامي، كما يظهر على مستوى المطابع والإشهار الذي تتوقف حياة أي مؤسسة إعلامية، من دون استمرار تدفقه، ليتحول إلى أحد مسارات تحويل المال العام إلى مال خاص، استفاد منه الكثير من المؤسسات الإعلامية، منذ انطلاق تجربة الصحافة الخاصة في بداية التسعينيات. في وقت زادت فيه السيولة المالية للدولة الريعية. وضع تحول بموجبه رضا مراكز القرار المختلفة وليس القارئ -المواطن إلى الهدف الأساسي، بل الأوحد لهذا النوع من الإعلام، الذي ابتُلي به البلد. زاد في تعميق القطيعة بين الحاكم والمحكوم، كما أظهرته بجلاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي تدعم اتجاهات ثقيلة عكستها بوضوح مجمل الانتخابات والاستفتاءات في السنوات الأخيرة، بشكل جلي لا غبار عليه. حالة تزامنت في المدة الأخيرة مع غلق وتضييق واضحين على حريات الجزائريين والجزائريات، سيطر فيها أبناء جيل جديد على الساحة الإعلامية من «مهنيين» لم يتمكنوا في الغالب من الحصول على الحد الأدنى من التكوين العلمي والمهني الجدي، رغم شهاداتهم الجامعية، يقيهم شرور هذه النزعة القوية إلى التملق التي تفرضها الساحة الإعلامية والسياسية في الجزائر. جيل انطلق في حياته المهنية في وقت زاد فيه اضطراب النظام السياسي، بكم تأثيره الكبير، الذي مس المجالين السياسي والإعلامي، من دون أن يستفيد داخل المؤسسة الإعلامية من أي تكوين جدي، في وقت غاب فيه التجسير الجيلي على المستوى المهني، لم تساعد الانقسامية اللغوية التي يعانيها الوسط الإعلامي من تلافيه، كان يمكن ان يقيه جزئيا على الأقل من سلبيات تواضع تجربته المهنية وهو في بداية مشواره، وهو يؤسس مؤسساته الإعلامية التي احتل فيها مواقع مهنية متميزة، من دون زاد علمي ولا تجربة مهنية تبررها، تحول داخلها الصحافي المبتدئ فجأة الى رئيس تحرير في غفلة من الزمن.

بالطبع الأمر لا يقتصر على تداعيات عيوب مرحلة التعليم، بكل ما تعرفه من ضعف قيم التنافس وضبابية مقاييس النجاح داخلها. لأننا يمكن أن نوسع النظرة للحديث عن سلبيات التنشئة الاجتماعية، التي عاشها الفرد الجزائري داخل وسطه العائلي، الذي لم يعد يتحرج من القبول بكل سلوكيات أبنائه وبناته، في تقديسهم للجانب المالي، كمقياس أوحد تقريبا للنجاح، من دون النظر إلى الاعتبارات الأخلاقية، التي تغيب تماما عند تقييم مسارات الأفراد. كما تظهره يوميات الحياة اليومية داخل المجتمع الجزائري، الذي يسود التركيز فيه على الوسط العائلي المباشر والقريب، في إهمال واضح للبعد المجتمعي والوطني الأعم. أفراد عائلة قريبة عادة ما تكون قابلة لتصديق كل كلام أبنائها الناجحين، مهما كانت غرابتها وتعارضها مع ما تبقى من قيم سليمة، يحتاجها كل مجتمع في تسييره اليومي المتوازن، لتكون مسؤوليات الطرف الرسمي أكثر من مهمة لفهم هذه الحالة اللاأخلاقية العامة. فعادة ما يظهر نوع من الرفض -على وزن يتمنعن وهن راغبات ـ في القبول بهذا التزلف، قد يجعله في بعض الأحيان يقوم بتصريحات علنية ضده، ليبقى يحث عليه تحت الطاولة كسلوك وممارسة يومية، لا يوليه رجال الإعلام ونساؤه الكثير من الاهتمام، لأنهم يعرفون بالممارسة أنهم أمام نوع من الازدواجية التي يمارسونها يوميا، تميز السلوك السياسي، ولا تقتصر على المجال الإعلامي، بل تمس كل مجالات الحياة العامة كمظهر خارجي لأزمة أخلاقية عميقة تعانيها الجزائر على غرار الكثير من الأنظمة السياسية في المنطقة العربية، إذا اكتفينا كمجال المقارنة بهذا القضاء السياسي- الثقافي، الذي يشاهد فيه المواطن يوميا كيف يكون النجاح ـ المؤقت لكن القابل للاستمرارية على المديين القصير والطويل – حليف الشيات والمتزلف، عكس الذي تورطه قيمه الأخلاقية التي لا يزال يتشبث بها في مواقف نقدية ومعارضة، تعود عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور، كما يقول المثل المشهور، لتكون الكلفة الجماعية لهذا النوع من التسيير للشأن الإعلامي الذي يقوم به الشيات والمتزلف، أكثر فداحة، كما يظهر في المصداقية الضعيفة جدا لهذا النوع من الإعلام وطنيا ودوليا، جعلته يترك المجال مشرعا للإعلام الدولي للسيطرة على عقول المواطنين، وأصحاب القرار أنفسهم، الذين لم يعودوا قادرين على التحكم في انتشاره نتيجة التطور التكنولوجي. ليبقى البلد من دون سند إعلامي دولي يحميه، ويدافع عن مواقفه، كما هو حاصل في المدة الأخيرة، في وقت زادت فيه التحرشات التي تتعرض لها الجزائر على حدودها القريبة من كل الجهات تقريبا.

ناصر جابي

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات