أحسنت قطر حينما نصبت مُجسّمًا يرمز لإعلاميي شبكة «الجزيرة» الذين امتدت إليهم يد الغدر الصهيونية، وهم يقومون بواجبهم المهني؛ ففي ذلك نوع من التكريم لهم والعرفان بما أسدوه لفلسطين وللإنسانية جمعاء من أجل نقل الحقيقة كما هي للمشاهدين.
يرحل الشهداء، وتستمر التغطية الفاضحة لجريمة العصر التي يزيد من فظاعتها الخذلان الرسمي العربي.
تغطية الحرب الظالمة مستمرة أيضا في «التلفزيون العربي»، حيث نقل منذ أيام حكاية الطبيب المغربي البروفيسور يوسف بو عبد الله، الذي ترك عيادته في مدينة فاس، وتوجّه للتطوع في مستشفيات غزة، وللمساهمة في إنقاذ أرواح أطفال غزة تحت الحصار والدمار، من خلال إجراء عمليات جراحية دقيقة لهم. وتحظى صفحاته على شبكات التواصل الاجتماعي بتفاعل كبير من لدن المعجبين الذين يحيّون فيه إصراره على البقاء بين أهالي غزة، رغم الظروف الصعبة، فخطر الموت يهدد الجميع هناك في كل وقت وحين.
لقّبه البعض بـ»البطل»، وردد آخرون على المنصات الافتراضية: «هذا هو المؤثّر الذي ينبغي الافتخار به»، في إشارة ضمنية معاكسة لمَن يُطلَق عليهم «المؤثرون» الذين أدى عصر التفاهة إلى بروز أسمائهم وتصاعد شهرتهم، لدرجة إقحامهم في برامج ومسلسلات تلفزيونية، وكذا لدرجة استعانة مؤسسات حكومية بهم في الدعاية لمنجزاتها وخططها.
في فيديو انتشر له خلال الآونة الأخيرة، قال البروفيسور المغربي يوسف بو عبد الله: «أوجد في مستشفى كمال عدوان، شمال غزة، وأزاول بجانب الأطباء والممرضين جراحة الأطفال. وتشرفت بأن أكون في هذه البلدة الطيبة مع أهلي وفي بلدي الثاني بعد المغرب، وأتشرف أيضا بأن أكون يدَ عون لأبنائي وإخواني في جباليا… حين أتيت إلى هنا لم أجد جرّاح أطفال يزاول المهنة، لذلك أحسست بالواجب وبالانتماء إلى هذه المنطقة».
المدير العام لوزارة الصحة في غزة لم يتردد في الثناء على الطبيب المغربي بو عبد الله، مشيرًا إلى أنه يعمل ليل نهار بهدف إنقاذ الفلسطينيين، ويجري ثماني عمليات كبرى يوميا، وذلك منذ الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء. وبعد الخامسة، يعمل في العيادات ذات التخصص، لدرجة أنه أجرى حوالي 250 عملية جراحية.
إنه أنموذج ساطع للتضامن الفعلي مع أهل فلسطين في محنتهم التي تجاوزت كل الحدود… ويأتي هذا الأنموذج بموازاة مع المسيرات التضامنية الحاشدة التي تشهدها المدن المغربية بشكل يومي تقريبا، بينما تمنع أنظمة عربية أخرى ـ تتشدّق بدعم فلسطين ـ شعوبها من الخروج للتظاهر السلمي المماثل لما هو في المغرب.
صحيح أن ثمة أصواتًا نشازًا في المغرب تُبارك «التطبيع الصهيوني» المشؤوم، وهي قليلة جدا، من بينها أشخاص يعتبرون أنفسهم نشطاء أمازيغ… لكنّ الرد عليهم هذه المرة لم يأت من تيار «قومجي» أو «إسلاموي» كما يقولون، بل جاء من فنانة أمازيغية هي المطربة الشعبية فاطمة تحيحيت التي كشفت في برنامج تلفزيوني أنها تلقّت عرضا مغريا للغناء في «إسرائيل»، فرفضته رفضا مطلقا، قائلة: «لو أعطوني مال الدنيا كله ما ذهبت إلى هناك.» وأوضحت أنه طرق بابها شخص «إسرائيلي» يتحدث الأمازيغية بطلاقة، وطلب منها أن تحدد المبلغ الذي تريده حتى تغني في «إسرائيل». لكن «خاطرها» ـ كما قالت ـ رفض أولئك الأشخاص الصهاينة، لكونهم يمارسون القتل في حق الفلسطينيين.
وراح مدوّنون يقارنون بين موقفها المشرّف وبين ما سبق لداعية دين أن صرّح به في حوار مصور لأحد المواقع الإلكترونية. إنه الشيخ محمد الفزازي الذي سأله صحافي: «هل سنراك يوما في إسرائيل وتأخذ صورا هناك كما تفعل في مناطق أخرى من العالم؟» فأجابه متمنيا الحصول على تذكرة سفر إليها، إذ قال للصحافي: «الله يجيب شي تذكرة على يديك!»… فهل كان جادا في كلامه، أم هي مجرد محاولة لخلق الإثارة الإعلامية، كما يفعل عادة في أكثر من مناسبة؟
أغلى مذيع عربي!
على هامش الضجة الدائرة حول فيلم «حياة الماعز»، عادت إلى الواجهة لقطات للإعلامي المصري عمرو أديب، اعتبرها مدونون ساخرين «المشهد المحذوف من الفيلم»، وهو التعليق نفسه الذي ردده الملياردير نجيب ساويرس (فهل ثمة ثأر بين الرجلين؟)، إذ بدا عمرو أديب يوقّع على عقد «أغلى مذيع عربي في الشرق الأوسط» مع قناة «إم بي سي». المهم ليس في التوقيع بحد ذاته ولا في المبلغ المالي لقيمة العقد، وإنما في اللقطة الأخيرة للجلسة، حيث تلقّى الإعلامي المصري المعروف بقربه من نظام عبد الفتاح السيسي، ما يشبه ضربة كف على ظهره، على شكل تهنئة ومباركة من طرف مَن بدا وكأنه «كفيله»، حسب قاموس «حياة الماعز»!
بالمناسبة، صرّح عمرو أديب أنه شاهد الفيلم المذكور، لكنه لم يعجبه، وقال إنه لن يسكت عن أيّ إساءة إلى المملكة العربية السعودية. طبعًا، لا يمكن لأي عربي أو مسلم أن يسمح بالإساءة إليها؛ لكنه لا يقبل أن يستغل إعلامي شهرته من أجل تحويل الصحافة إلى سخافة وتهريج وطمس للحقائق. فلا يهم أن تكون «أغلى مذيع»، بقدر ما يهم ماذا تقدّم للناس من عمل نافع!
أسطوانة مشروخة!
ما السر في ولع جل الساسة والإعلاميين الجزائريين بإقحام المغرب في أي قضية تهم شأن بلادهم الداخلي؟ أما آن للتنابز الكلامي أن ينتهي بين البلدين الجارين؟ إذ لا يتوقف مسلسل الفعل ورد الفعل، ويُحمّل كل طرف مسؤولية البدء بالإساءة، على غرار لغز «أيهما أسبق: الدجاجة أم البيضة؟».
وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الدائرة رحاها حاليا في الجزائر، توارت القضايا اليومية للمواطن الجزائري، وأُخرِجتْ ورقة المغرب، من أجل اتخاذها ذريعة لتجاهل تلك القضايا، بافتعال «عدو» خارجي، وترديد أسطوانة المؤامرة المشروخة، لدرجة أن إعلاميين وساسةً جزائريين قالوا عن المغرب ما لم يقله مالك في الخمر، واكتشفوا متأخرين عبارة لإلصاقها بالدولة المغربية من باب الذم ـ كحال العاجزين الذين لا يتقنون غير السباب ـ هي «المخزن»، فأمسوا يرددونها في خطبهم وكتاباتهم! والحال أن عبارة «المخزن» الحمّالة لأكثر من وجه ودلالة، لم يعد لها ذلك التأثير والمفعول السحري كما كانت عليه في السابق، فقد استُهلكت بكثرة منذ زمن بعيد في المغرب، حيث كان يستعملها يساريون في صراعهم مع السلطة، على سبيل النقد، قبل أن يحدث التوافق السياسي، وقبل أن يصير فضاء حرية الرأي والتعبير أوسع وأشمل وأكثر تقدّمًا مما هو موجود إقليميا.
وإذا كان أحد المعلّقين الجزائريين «الفرنكوفونيين» سعى إلى التكفير عن إساءته للمغرب، وتراجع عن قاموس الشتيمة الذي لطّخ به قناة تلفزيونية محلية، واعتذر علانية للمغاربة، بعدما طردته قناة فرنسية من برامجها، فإنه حري بباقي الإعلاميين «الهجّائين» الذين تحرّكهم أصابع السياسيين والعسكر أن يكفّوا عن تغذية الأحقاد، وأن يُعيدوا سهامهم الكلامية إلى أغمادها، ما دام الشعبان في المغرب والجزائر «على قلب رجل واحد»، باستثناء حالات شاذّة لا يُعتدّ بها.
الطاهر الطويل
تعليقات الزوار
لا تعليقات