نشر الصحافي الفرنسي جان بيار سيريني، مقالا بموقع أوريان 21 الفرنسي، قال فيه إن الجدل يتواصل في الجزائر بشكل خافت، بين رئاسة الجمهورية والجيش، لا سميا حول مسألة تجديد الفترة الثانية للرئيس عبد المجيد تبون في عام 2024. فحتى الآن، لم يحسم الأمر، غير أن الصحافي إحسان القاضي كان الضحية غير المباشرة لهذه المواجهة.
ويشير الكاتب، وهو المدير السابق لمجلة “لو نوفيل إيكونوميست” ورئيس تحرير مجلة “ليكسبرس”، وصدرت له العديد من الكتب، بما في ذلك حول منطقتي المغرب العربي والخليج، إلى المقال “الملفت” الذي نشره إحسان القاضي في يوم 17 ديسمبر الماضي، وأعاد موقع “أوريان 21” نشره باللغة الفرنسية. يَعكس هذا المقال شكوك بعض الجنرالات في الجزائر حول مسألة ملاءمة الحسم لصالح فترة رئاسية ثانية لعبد المجيد تبون، في وقت باشر الأخير حملة انتخابية خفية بشكل غير رسمي، وذلك قبل نحو عامين من الاستحقاق الرئاسي المزمع إجراؤه مبدئيا في ديسمبر عام 2024. فيبدو الوقت غير مناسب، إذ يرى الجيش أنه ليس من الحكمة التصريح مبكّرا بدعمه لفترة رئاسية ثانية لتبون، خشية أن يجد نفسه في فخ.
بعد أقل من أسبوع من نشره للمقال، اعتُقل إحسان القاضي، الذي يعد رئيس آخر مجموعة صحافية مستقلة في الجزائر، وتم تفتيش مقر هذه المجموعة وطرد موظفيها الخمسة والعشرين من مكان عملهم. لينضم بذلك القاضي إلى نحو 300 معتقل سياسي في الجزائر، بحسب منظمات حقوق الإنسان. وحكم عليه لاحقا بالسجن خمس سنوات، بما فيها عامان مع وقف التنفيذ، بتهمة القيام بأفعال “من شأنها المساس بالأمن والسير العادي للمؤسسات”. وتعكس سرعة “الحكم” وقساوة العقوبة، توتر وإحراج الرئيس تبون، كما يقول الكاتب.
وتساءل جان بيار سيريني عن كيف يمكن أن يهدد مقال صحافي “الأمن الوطني” ويُعطّل “السير العادي لمؤسسات” الدولة الجزائرية. من المفروض ألا يهددهم بشيء، إلا إذا كان قد نُشر في مرحلة من التوتر بين مؤسستين كبيرتين، وهما الرئاسة والجيش.
ومضى الكاتب موضحا أن النظام الجزائري يقوم منذ الاستقلال على ثلاث ركائز: تتولى رئاسة الجمهورية التعبير العلني عن النظام وفقا لقاعدة السرية الموروثة من الحرب ضد الفرنسيين منذ أكثر من 60 عاما، ويضمن الجيش الأمن في شوارع الجزائر العاصمة، وكذلك على حدود البلاد، فيما تتكفل أجهزة الأمن والاستخبارات، من بين أمور أخرى، بمراقبة الشعب. وتمثّل الأخيرة عين النظام، ويتراوح مدى تأثيرها وفق ما إذا كانت موحدة تحت قبضة واحدة أو مبعثرة بين إقطاعيات مستقلة ومتنافسة.
على مدى السنوات العشر الماضية، أعيد توزيع الأوراق على نطاق واسع بينها، مع فقدان ركيزتين: إحالة رئيس مصالح الاستخبارات الجنرال محمد مدين المعروف بـ“الجنرال توفيق” على التقاعد في 2015، وتفكيك إمبراطوريته وإبعاد مساعديه، وسُجن هو نفسه قبل أن يُعاد له الاعتبار. كما هُمّشت رئاسة الجمهورية بدورها في أبريل 2019، نتيجة الاستقالة القسرية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فلم يبق من الثلاثي الأصلي سوى القائد العسكري، أحمد قايد صالح، والذي أتى في خريف 2019 إلى رئاسة الجمهورية. لكن بعد أربعة أيام من تنصيب تبون، مات الجنرال والحامي فجأة في ظروف غامضة، وخلفه جنرال آخر، سعيد شنقريحة، والذي كان على الرئيس الجديد التوافق معه مع مرور الأيام.
واعتبر جان بيار سيريني أنه سيتم تطبيق قواعد لعبة عام 2019 في عام 2024، ويختار صنّاع القرار مرشحا توافق عليه مجموعات هزيلة من الناخبين دون تردّد. وبالتالي فإن الخطوة الحاسمة ليست الانتخاب من طرف الشعب، بل اختيار المرشّح الذي سيتم انتخابه دون صعوبة بالاقتراع العام الذي تديره الأجهزة الأمنية. عدد صُنّاع القرار هم على الأكثر نصف دزينة، وعلى رأسهم قائد الأركان، الجنرال سعيد شنقريحة، وقادة أهم المناطق العسكرية في الغرب، وقائد القوات البرية وهي الأكثر عددا، وقائد الدرك الوطني الذي يؤطّر كل البلاد.
وكان مقال إحسان القاضي غير مرحًّب به، لا سميا في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ إن سجل رئاسة تبون لا يثير أي حماس لدى “كبار الناخبين” العسكريين. فعلى الجبهة الدبلوماسية، خسر تبون دعم إسبانيا في نزاع الصحراء الغربية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وساهم جموده في وصول الإسرائيليين إلى حدود الجزائر الغربية. كما أنه يقيم علاقات مضطربة مع باريس يغلب عليها الطابع الشخصي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكثر مما هي علاقة ثنائية بين الجزائر وفرنسا.
وخلال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة التي انعقدت في الجزائر، فرضت السعودية فيتو على إعادة إدماج سوريا في المنظمة من خلال غياب ولي عهدها محمد بن سلمان، الذي صار يتجاهل علنيا الجزائر منذ ذلك الحين. بالإضافة إلى ذلك، ضيع تبون فرصتين للتقارب مع نظرائه، من خلال مقاطعته للقمة بين الاتحادين الإفريقي و الأوروبي في فبراير عام 2022، و القمة الإفريقية- الأمريكية في ديسمبر من العام نفسه. ومع مدير الديوان الجديد، الدبلوماسي محمد نذير العرباوي، الذي مثّل بلاده في الأمم المتحدة، يتعيّن على الفريق الرئاسي الشاب أن يدير زيارتين للرئيس تبون محفوفتين بالمخاطر في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2023 إلى روسيا وفرنسا.
وتابع جان بيار سيريني التوضيح أنه على المستوى الداخلي، أنقذت الحرب في أوكرانيا الاقتصاد الجزائري من الركود نتيجة مضاعفة أسعار النفط. ويُمكن للرئيس تبون أن يأمل في الوفاء بوعوده بزيادة دخل نحو ثلاثة ملايين موظف في القطاع العام، وثلاثة ملايين متقاعد بـ40 في المئة. لكن بحلول ذلك الوقت، سيلتهم التضخم حتما ثلثي هذه الزيادات. فإنتاج النفط يشهد ركودا، وقد نزل إلى أسوأ أرقامه منذ عقد. من وجهة نظر “التاغارين”، مقرّ وزارة الدفاع بالجزائر العاصمة، أصبح الانتظار أكثر إلحاحا من أي وقت مضى قبل أخذ قرار بتجديد عهدة تبون، كما يخبرنا المقال “الشجاع” لإحسان القاضي، يقول الكاتب.
وعاد الجدل من جديد في بداية شهر أبريل. ففي مقابلة مع قناة الجزيرة، صرّح الرئيس تبون بأن أمن البلاد يقوم على اقتصاد قوي. لم ينتظر ردّ العسكر طويلا. ففي عدد الشهر نفسه من مجلّة “الجيش” الشهرية التابعة للجيش الوطني الشعبي، ردّ محرّر مجهول أنه في هذا العالم المُرِيب، يعتمد أمن الجزائر أكثر من أي وقت مضى على الجيش.
هل يعني هذا أنه لن تكون هناك عهدة ثانية لتبّون؟ من السابق لأوانه الجزم بذلك، وهذا يفترض أن صانعي القرار -وقد بات عددهم قليلا- متفّقون على اسم الخليفة. في الماضي، فاز عبد العزيز بوتفليقة بثلاث فترات رئاسية لمجرّد أن مختلف العصب والفصائل لم تتمكن من الاتفاق على اسم آخر. لكن لم يُصب حينها أي صحافي برصاصة طائشة، يختم الصحافي الفرنسي المخضرم جان بيار سيريني مقاله بموقع “أوريان 21”.
تعليقات الزوار
مجرد تساؤل
من يحكم الجزاءر؟ لاتبون ولا شنقريحة ولا اي مواطن جزاءري يعلم! هدا هو السؤال الذي يتعين على المسمى غزاوي أن طرحه، الكثير كانوا يضنون أن بوتفليقة كان يحكم الجزاءر، إلا أن تمت إقالته، ثم ضن الكثير بأن القايد صالح هو من يحكم إلى أن تمت تصفيته والآن العديد من يضنون أن شنقريحة هو من يحكم، ولكن باريس وحدها تعلم من يحكم الجزاءر ومن يتخد القرار بالجزائر