أخبار عاجلة

الجزائر تقترب من اعتماد قانون التعبئة العامة لإفشال كل المخططات المناوئة لنظامها العسكري الديكتاتوري

أصبح مشروع قانون التعبئة العامة في الجزائر، قاب قوسين من الاعتماد رسميا، بعد مصادقة المجلس الشعبي الوطني وهو الغرفة الأولى للبرلمان عليه، بإجماع الغالبية الساحقة من النواب الذين أبدى معظمهم حماسا كبيرا للمشروع، خاصة في هذا الظرف الإقليمي المتوتر.

وبعد المصادقة عليه في المجلس الشعبي الوطني، سيمر المشروع قريبا على مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليصبح بذلك ساري المفعول بعد توقيع رئيس الجمهورية عليه ونشره في الجريدة الرسمية. وسيكون هذا المشروع، بالنظر للوقت المختصر الذي استغرقه الإعلان عنه ومناقشته والمصادقة عليه، من أسرع القوانين التي يتم اعتمادها.

واللافت أن التصويت لم يشهد لا معارضة أو امتناعا من قبل كل الكتل البرلمانية، بما في ذلك ذات الخط الذي يتبنى بعض المقاربات المعارضة لسياسات الحكومة، مثل حركة مجتمع السلم التي أعلنت عن مباركتها لمشروع القانون، وقالت إنه سيسهم في تعزيز جاهزية البلاد لمواجهة الأخطار المحدقة.

وفي كلمته عقب المصادقة على المشروع، أكد وزير العدل لطفي بوجمعة، أن النص المتعلق بالتعبئة العامة سيساهم في تعزيز الترسانة القانونية المتعلقة بـ”الاستعداد الاستباقي” لمواجهة الأزمات والأخطار وتوفير عوامل الدفاع عن المصالح العليا للوطن.

وينسجم القانون وفق الوزير، مع “المجهودات المبذولة من أجل توفير عوامل الدفاع عن المصالح العليا للأمة”، ومن شأنه أيضا أن “يكرس عمليا الرابطة المقدسة (جيش- أمة) التي بها تكسب بلادنا المزيد من القوة والمناعة والصرامة الاستراتيجية التي تمكنها من تجسيد الغايات الكبرى للجزائر الصاعدة”.

وبهذا الخصوص، أعرب بوجمعة عن يقينه أنه “بفضل كافة جهود الوطنيين وفي ظل تجانس المجتمع الجزائري وتضامنه، سوف تتمكن جزائر الشهداء من دحر كل المكائد والمؤامرات وإفشال كل المخططات المناوئة للجزائر ولنظامها الجمهوري”.

ونوّه بالمناسبة إلى الاقتراحات التي تقدم بها نواب المجلس خلال جلسات المناقشة لمشروع القانون، داعيا إياهم إلى “مواصلة الجهود من أجل تأطير وتوعية المواطنين وحثهم على العمل للتصدي لكل التأويلات العدائية المقيتة مهما كان مصدرها، والتي تسعى إلى تغليط وتضليل الرأي العام والتشكيك في كل مبادرة وطنية جامعة وخادمة لأمن الوطن”.

كما أشاد بتقدير نواب البرلمان لجهود الجيش الذي “تعمل قيادته العليا على بلوغ أعلى درجات الجاهزية حتى يواصل، بنفس العزيمة والإصرار والوعي بالواجب الوطني، أداء مهامه الدستورية بكل احترافية وفعالية وفق رؤية استراتيجية عقلانية، واقعية ومتبصرة”.

ولفت إلى أن هذه الجهود “تؤكد المهنية واليقظة التي تتمتع بها قواتنا المسلحة التي تبقى دوما عاقدة العزم على العمل بحزم لردع وإحباط أي محاولة تهديد أمن الوطن والدفاع عن مصالحه العليا، فداء للجزائر وإخلاصا لشعبها ووفاء لقيم نوفمبر ودفاعا عن الجمهورية”.

وأكد في ذات السياق أن “الجزائر بمقدراتها ومقومات نهضتها، ستعرف مزيدا من الارتقاء الشامل وإسماعا لصوتها وتثبيتا لمكانتها حتى تواصل الاضطلاع الكامل بدورها المحوري إقليميا، قاريا ودوليا”.

وكان المشروع الذي كشفت “القدس العربي” عن تفاصيله في بداية ظهوره، قد أثار جدلا واسعا، في ظل سياق إقليمي متوتر يحيط بالجزائر من كل جانب. وتضاربت التكهنات حول الغايات من طرحه وما إذا كان يتحسب لدخول البلاد في حرب أو مواجهة عسكرية، إلا أن تصريحات ممثل الحكومة أكدت أن الهدف استباقي يجعل الجزائر جاهزة من الناحية القانونية في حال واجهت أي طارئ.

ويحدد المشروع الذي يتضمن 69 مادة موزعة على سبعة فصول، بدقة كيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة المنصوص عليها في المادة 90 من الدستور، وذلك في إطار “تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة لمواجهة أي خطر محتمل يهدد استقرار البلاد واستقلالها وسلامتها الترابية”، وهو يأتي وفق ما ورد في عرض الأسباب “لاستكمال المنظومة التشريعية بعد إصدار القانون رقم 22-20 المتعلق بالاحتياط العسكري”.

وينص المشروع، على أن رئيس الجمهورية يقرر التعبئة العامة بموجب مداولات مجلس الوزراء، وينهيها بنفس الأشكال. ويؤكد أن التعبئة العامة ترتكز على منظومة شاملة ومتكاملة تشرف عليها الدولة، مع تعبئة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني والمواطنين، لضمان الانتقال الفعّال من حالة السلم إلى حالة الحرب، سواء بالنسبة للقوات المسلحة أو أجهزة الدولة والاقتصاد الوطني.

وبخصوص ضبط المفاهيم، يعرّف المشروع “التعبئة العامة” بأنها مجموع التدابير اللازمة لضمان انتقال القوات المسلحة وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات الوطنية، إضافة إلى الاقتصاد الوطني، من حالة السلم إلى حالة الحرب، مع وضع القدرات الوطنية تحت تصرف المجهود الحربي (المادة 2). ويقصد بالمجهود الحربي تركيز كافة أو جزء من القدرات والموارد البشرية والوسائل المادية والمالية للدولة، وتكييف الإنتاج الصناعي لتلبية احتياجات القوات المسلحة.

وتهدف التعبئة العامة، حسب المادة 3، إلى تعزيز الطاقة الدفاعية للأمة، ورفع جاهزية القوات المسلحة عبر توفير الموارد البشرية والوسائل المادية الضرورية، بما يسمح لها بأداء مهامها في الدفاع عن وحدة البلاد وسلامتها الترابية، وحماية المجال البري والجوي والبحري بأفضل الظروف. ويستند تنفيذ التعبئة العامة إلى منظومة شاملة ومتكاملة تتحمل الدولة مسؤولية تنظيمها وتحضيرها وتنفيذها، بمشاركة كافة الأجهزة والهيئات والمؤسسات الوطنية، إضافة إلى القطاعين العمومي والخاص والمجتمع المدني والمواطنين (المادة 4).

وحسب نص المشروع، تقرر التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، في حال تعرض البلاد لتهديد وشيك لمؤسساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها، أو في حالة وقوع عدوان فعلي أو وشيك (المادة 5). كما يتم إنهاء حالة التعبئة بنفس الآلية. ويخول لرئيس الجمهورية، بموجب مرسوم رئاسي، تحديد المحاور الأساسية للاستراتيجية الوطنية للتعبئة العامة، والتوجيهات الخاصة بها (المادة 6).

وفي مرحلة التحضير للتعبئة، ينص المشروع على إعداد مخططات خاصة من طرف الوزارات المعنية، بناءً عليها تعد وزارة الدفاع الوطني المخطط العام للتعبئة العامة وتعرضه على مصادقة رئيس الجمهورية. كما يتم تشكيل احتياطات بشرية ومادية، وتحسيس المجتمع المدني بواجب المشاركة، وتعليق الإحالة على التقاعد للمناصب الحيوية، مع تنفيذ تدابير الدفاع الشعبي، وتسخير الأشخاص والممتلكات، وفرض قيود على تصدير المواد المرتبطة بالاحتياجات الدفاعية.

وفي الجانب الخارجي، تسهر الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية على تحسيس الجالية الوطنية بالخارج بأهمية دورهم في التعبئة العامة، مع العمل على تحسيس الرأي العام والمنظمات الدولية والإقليمية بشرعية اللجوء إلى التعبئة في حالة وقوع عدوان أو تهديد وشيك (المادة 21). أما داخليًا، فتضمن الوزارة المكلفة بالداخلية تنسيق مسؤولي الجماعات المحلية مع السلطات العسكرية المختصة، عبر إنشاء قاعدة بيانات محينة للمواطنين والموارد المادية المعبأة، وتحسيس المجتمع المدني والمواطنين بمسؤولياتهم وواجباتهم في حالات التعبئة العامة (المادة 22). كما أوكل للوزارة المكلفة بالصناعة، بالتعاون مع وزارة الدفاع الوطني والوزارات الأخرى، تكييف الإنتاج الصناعي المدني مع احتياجات القوات المسلحة والمجهود الحربي (المادة 23).

أما في مرحلة تنفيذ التعبئة العامة، فينظم المشروع بدقة عملية انتقال القوات المسلحة من حالة السلم إلى حالة الحرب، حيث يتم تعليق إنهاء الخدمة للضباط والعسكريين، وإعادة استدعاء عسكريي الاحتياط، وتطبيق تدابير الدفاع الشعبي والتسخير. ويمنح المشروع (المادة 33) الأولوية لاحتياجات القوات المسلحة، مع مواصلة الأجهزة والمؤسسات الوطنية والقطاعات العامة والخاصة أداء مهامها بشكل عادي.

وفي الشق الجزائي، نص مشروع القانون على عقوبات مشددة لحماية فعالية التعبئة العامة، إذ يعاقب بالحبس من 3 إلى 10 سنوات وغرامة تصل إلى مليون دينار، كل من استغل الممتلكات المسخرة أو أساء استعمال سلطة التسخير (المادة 51). كما يعاقب بالسجن من شهرين إلى ثلاث سنوات وغرامة تصل إلى 300 ألف دينار، كل من يمتنع عن تقديم معلومات صحيحة أو يحاول إخفاء تجهيزات معدة للتعبئة (المادة 52).

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات