أخبار عاجلة

باريس تضع لائحة سوداء لعدد من كبار المسؤولين الجزائريين ضمن المعنيين بتجميد أموالهم بفرنسا

في تصعيد غير مسبوق للعلاقات الفرنسية الجزائرية التي تمر منذ شهور بتوتر مكتوم ومتصاعد، كشفت مصادر فرنسية عن اتجاه جدي داخل الحكومة الفرنسية نحو استخدام ورقة تجميد الأصول المالية والعقارية لعدد من كبار المسؤولين الجزائريين على الأراضي الفرنسية، كوسيلة ضغط دبلوماسي، في ظل استمرار الخلافات بين البلدين حول قضايا حساسة أبرزها ملف ترحيل الجزائريين الذين صدرت في حقهم أوامر مغادرة التراب الفرنسي.

وبحسب تحقيق موسع نشرته مجلة "لكسبريس"، فإن الحديث عن هذا الإجراء بدأ منذ يناير الماضي، خلال ذروة الأزمة بين باريس والجزائر، حينما طرح الوزير برونو ريتايو، في تصريح للمجلة، إمكانية اللجوء إلى تجميد ممتلكات شخصيات جزائرية رسمية كرد فعل على رفض السلطات الجزائرية التعاون في ملف الترحيل، قائلا: "قد تكون هناك إجراءات فردية تستهدف شخصيات جزائرية، لا سيما من يسعون للإضرار بعلاقاتنا الثنائية.. إجراءات قد تكون مثلا ذات طابع مالي أو تتعلق بالممتلكات".

    

ما كان مجرد اقتراح سياسي، بات اليوم خطة قيد الدراسة الجدية داخل دهاليز وزارتي الداخلية والمالية الفرنسية، وقد تم بالفعل إعداد قائمة مكونة من حوالي عشرين مسؤولا جزائريا نافذا، تشمل شخصيات تشغل مناصب عليا في الإدارة، والأجهزة الأمنية، والمجال السياسي، وجميعهم – حسب المصدر الحكومي الذي نقلت عنه المجلة – يمتلكون ممتلكات أو مصالح مالية مباشرة في فرنسا.

وتشير التقديرات الرسمية الفرنسية إلى أن نحو 801 من أفراد النخبة الجزائرية، المنتمين لما تُعرف بـ"النومنكولاتورا"، لهم مصالح مالية أو يملكون أصولا داخل فرنسا، ويترددون عليها بانتظام، دون احتساب العناصر العسكرية التي لا تشملها هذه الإحصائيات.

الفكرة في الأوساط الحكومية الفرنسية هي استخدام هذه القائمة كسلاح دبلوماسي من الدرجة الأخيرة، يتم إخراجه فقط إذا استمرت الجزائر في اتخاذ مواقف تصعيدية، ومن المؤشرات على ذلك، ما جرى يوم 16 ماي 2024، حين نفّذت باريس أولى تهديداتها الملموسة من خلال وزارة الخارجية (قصر كاي دورسيه)، وذلك بتعليق اتفاقية 2007، التي كانت تتيح لحاملي الجوازات الدبلوماسية التنقل بحرية بين فرنسا والجزائر من دون تأشيرة.

هذه الخطوة جاءت في أعقاب سلسلة من الإجراءات والقرارات التصعيدية المتبادلة بين الطرفين، كانت قد بدأت منذ اعتقال موظف قنصلي جزائري في فرنسا بتاريخ 11 أبريل 2024، بتهمة المشاركة في اختطاف المعارض الجزائري أمير بوحورص (المعروف بـ"أمير دي زاد") من على الأراضي الفرنسية، في الفترة ما بين 29 أبريل و1 ماي من العام نفسه.

وردّت الجزائر بسرعة عبر طرد 12 دبلوماسيا فرنسيا يوم 14 أبريل، تبعتها باريس بطرد مماثل في اليوم التالي، قبل أن تعلن الجزائر لاحقا، يوم 11 ماي، عددا جديدا من الموظفين الفرنسيين "غير مرغوب فيهم".

وتُضاف هذه التوترات إلى سلسلة من الصدمات التي تلقاها المسار الدبلوماسي بين البلدين، وعلى رأسها قرار فرنسا الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه نهاية يوليوز 2024، ثم اعتقال الروائي الجزائري الشهير بوعلام صنصال في 16 نونبر 2024، وهو ما اعتبرته باريس انتهاكا لحرية التعبير، وأحد دوافع التدهور الحاد في العلاقات.

في حال استمرت الجزائر في خطواتها العدائية – وفق منظور باريس – فإن فرنسا تنوي نشر قائمة "العشرين مسؤولا" في الإعلام أو في بلاغ رسمي، كخطوة علنية شبيهة بتلك التي اعتمدتها ضد الأوليغارشيين الروس عقب غزو أوكرانيا، لكن يوضح المصدر الفرنسي أن الفرق هنا يكمن في الإطار القانوني: فبينما عقوبات الروس مؤطَّرة بنصوص الاتحاد الأوروبي، لا يوجد في الحالة الجزائرية أي غطاء قانوني دولي جاهز.

ومع ذلك، فإن القانون الفرنسي منذ 2006 يمنح صلاحيات لوزيري الداخلية والاقتصاد بإصدار مرسوم مشترك لتجميد أصول الأشخاص المتورطين في تمويل الإرهاب، غير أن الخبير القانوني والمحامي المتخصص في قضايا تجميد الأصول، رونو دولايغل، يقول إنه "من المشكوك فيه جدا أن يتم استخدام تهمة الإرهاب في هذه الحالة".

وأضاف المتحدث:" لكن يمكن اللجوء إلى مبدأ المساس بالمصالح الأساسية للأمة، وهو ما بات ممكنا بفضل التعديلات القانونية الأخيرة".

ويرتكز هذا التوجه إلى مقتضى جديد أُدرج في قانون النقد والمالية الفرنسي (المادة L562-1)، والذي دخل حيّز التنفيذ في 25 يوليوز 2024، بموجب قانون مكافحة التدخلات الأجنبية، ويُتيح هذا النص للوزيرين الفرنسيين تجميد أصول أي شخص يُشتبه في ارتكابه "أعمال تدخل أجنبي"، والتي يُعرّفها القانون بأنها: "كل تصرف يتم بشكل مباشر أو غير مباشر لصالح أو بطلب من قوة أجنبية، ويهدف أو يؤدي إلى المساس بالمصالح الأساسية للأمة الفرنسية".

ويُحتمل أن تستند الحكومة الفرنسية إلى هذا الإطار من أجل تجميد ممتلكات ومصالح مالية تابعة لمسؤولين جزائريين على أراضيها، في حال ثبت أنهم متورطون في أعمال تدخل ممنهجة، أو في إعطاء تعليمات تتعارض مع القانون الفرنسي أو تهدد مصالحه العليا.

وبموجب هذا الإجراء، تُجمَّد الأصول لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد، ويُمنع المستهدفون من استخدام ممتلكاتهم أو الدخول إليها، أو التصرف في حساباتهم البنكية.

لكن، وكما هو معتاد في عالم الدبلوماسية، فإن نشر هذه القائمة قد يكون آخر ما تريده باريس فعليا، إذ يرى المسؤولون الفرنسيون أن الغاية من هذا التهديد هي الردع وليس الفعل، ذلك أن الكشف الرسمي عن قائمة تضم عشرين من كبار رجال الدولة في الجزائر قد يُعتبر كسرا غير قابل للجبر في العلاقات الثنائية.

ومع ذلك، فإن الحكومة الفرنسية تدرك جيدا أنه إذا ما تمادت الجزائر في مواقفها، وواصلت التصعيد في ملفات مثل رفض التعاون القنصلي أو ملف أمير دي زاد أو حتى في تقديم دعم رمزي لخصوم المغرب، فإن هذا السلاح السياسي المالي قد يُصبح خيارًا لا مفر منه.

وفي الوقت الذي ما زالت فيه الجزائر تُفاخر بعلاقتها "الثورية" التاريخية بفرنسا، تدخل العلاقات الثنائية اليوم مرحلة دقيقة وغير مسبوقة، قوامها التهديد المتبادل والطرد الدبلوماسي والعقوبات الرمزية، ويبدو أن ما كان يُحل في الماضي بمنطق "الاستثناء الجزائري" في السياسة الفرنسية، صار اليوم يُدار بقواعد لعبة جديدة، أكثر صرامة وبراغماتية.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

Kabyli9

وقت الكابرانات إنتهى

تحية خالصة للدولة الفرنسية واتمنى ان يقطعوا العلاقات الدبلوماسية مع نظام الكابرانات الارهابي.

مروكي

الخطاب القاتل

جملة واحدة اذا نطق بها ماكرون في خطاب و هي ( لقد قامت فرنسا أثناء استعمارها لشمال افريقيا بالاستيلاء على عدة اراضي الجوار و إضافتها إلى الجزائر الفرنسية و حان الوقت لاسترجاع كل تلك الأراضي إلى أهلها مع الاعتذار تلك الدول المجاورة للجزائر و سنطلب هذا من الأمم المتحدة للقيام باللازم مع تزويدها بالخريطة الحقيقية للجزائر أثناء استعمارها أو بجملة اخرئ أثناء شرائها من تركيا) و بمجرد الانتهاء من هذا التصريح سترى كل المسؤولين الجزائريين يركعون للرئيس الفرنسي طالبين الإعتذار و واضعين التراب الجزائري كاملا رهن إشارة فرنسا قصد التراجع عن هذا القرار.