سلطت وسائل اعلام فرنسية الضوء على تطورات الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، مرجحة أن تدخل العلاقات بين البلدين "سنة بيضاء" بما يعني حالة جمود مستمر في ظل ولاية الرئيس الحالي امانويل ماكرون، مشيرة أيضا إلى أن التيار المتشدد في حكومة رئيس الوزراء فرنسوا بايرو يقود جهود فرض واقع جديد في العلاقات.
وتشير كل التوقعات بناء على مسار الأزمة المتصاعدة إلى أن تهدئة التوترات بات أمرا مستبعدا مع تمسك كل طرف بمواقفه، بينما تعيش فرنسا داخليا حالة من الانقسام وتباين في الآراء بين من يدعو للحوار ومعالجة الخلافات وبين من يطالب بمراجعة شاملة للعلاقات مع الجانب الجزائري ووضع حدّ لما يعتبرونه تماديا جزائريا في التصعيد واهانة فرنسا.
وفي الوقت الذي اختارت فيه الجزائر نهجا أكثر تطرفا في التصعيد، قالت التقارير الإعلامية الفرنسية، إن تصعيد حكومة بايرو يبدو مدفوعا بمواقف داخلية متشددة بقيادة وزير الداخلية برونو روتايو ووزير العدل جيرالد دارمانان. وكانا من أوائل المطالبين بإلغاء اتفاق الهجرة لعام 2013 والذي يسمح لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية بالسفر إلى فرنسا دون تأشيرة.
وكان دارمانان قد قدم مقترحا جديدا لمحاولة الضغط على الجزائر باعلان نيته إلغاء الاتفاق الحكومي المبرم عام 2013 بين بلاده والجزائر، بينما كان اقترح رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق غابرييل اتال خرق اتفاقية 1968 التي تمنح الجزائريين وضعا خاصا في ما يتعلق بالهجرة والإقامة في فرنسا وهو موقف تبناه كذلك رئيس الوزراء الحالي الذي أمهل الجانب الجزائري من شهر إلى 6 أسابيع لمراجعة الاتفاقيات الثنائية.
ولا تخلو مواقف بعض الوزراء الذين يتبنون هذا النهج من مغازلة لليمين المتطرف الذي وجد في الأزمة فرصة لتصعيد مواقفه في ما يتعلق بملف الهجرة والمهاجرين الأجانب ومن ضمنهم المهاجرين الجزائريين المقيمين بشكل قانوني أو غير الشرعيين المخالفين لشروط الإقامة.
وأشار تقرير لموقع 'فرانس آنفو' إلى أن وزير الداخلية والعدل يسعيان لفرض تصورهما لإدارة الأزمة مع الجزائر وهو موقف يتبناه على ما يبدو رئيس الوزراء الذي صعد لهجته في الفترة الأخيرة في إطار الضغط على الجانب الجزائري لمراجعة مواقفه.
لكن هذا التيار المتشدد داخل الحكومة الفرنسية تقابله أصوات تبدو أكثر اعتدالا تنادي بالتهدئة ومعالجة الأزمة بواقعية وبالحوار. ويقود هذا التيار جماعة اليسار ممن هم في موقع المسؤولية ومسؤولون سابقون كبار على غرار تحالف اليسار الذي يضم مانويل فالس وإليزابيت بورن وإيريك لومبارد ورئيس الوزراء الأسبق دومينيك دوفيلبان الذي شغل في السابق أيضا منصب وزير للخارجية.
وكان دوفيلبان من أكثر الشخصيات الفرنسية التي وجهت انتقادات لحكومة بايرو لطريقة ادارتها للأزمة وتسييرها للقضايا الدبلوماسية الكبرى، منددا بما وصفها بـ"استفزازات" وزير الداخلية برونو روتايو. كما اتهمه بـ"اهانة التاريخ والروابط العميقة بين الجزائر وفرنسا".
ويرى تقرير موقع 'فرانس آنفو' أن بايرو يعمل من خلال الأزمة الراهنة مع الجزائر على تعزيز موقفه وموقعه بمغازلة اليمين المتطرف لضمان بقاء حكومته لأنه يدرك مدى تأثير اليمين المتطرف على استمرارية حكومته.
ورأت صحيفة 'لوفيغارو' المقربة من اليمين أن الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر "عميقة" بالفعل، متوقعة استمرار الجمود في العلاقات بين البلدين خلال ولاية الرئيس الحالي ماكرون. كما نقلت عن مصدر دبلوماسي قوله في تشخيصه للتوتر الناشئ والقائم مع المستعمرة الفرنسية السابقة، إن العلاقات تعتبر بحكم المعلقة وأن العام الحالي قد يكون "سنة بيضاء في تاريخ العلاقات الفرنسية الجزائرية".
ودشن رئيس الوزراء الفرنسي من موقعه التصعيد مع الجزائر بمطالبته بمراجعة اتفاقية الهجرة للعام 1968 التي تحكم شروط هجرة الجزائريين إلى فرنسا وهو نص قانوني يشكل جوهر النقاش السياسي ويجسد التوترات الدبلوماسية غير المسبوقة بين باريس والجزائر.
تعليقات الزوار
لا تعليقات