أجرى وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، محادثات عبر الهاتف مع وزير الخارجية الأمريكي الجديد مارك روبيو الذي يبدو أنه انضبط بضرورات المنصب، حيث انتقل من الدعوة لمعاقبة الجزائر حينما كان سيناتورا إلى إبداء رغبة قوية في التعاون مع البلاد، في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.
وبحسب ما ذكر بيان وزارة الخارجية الجزائرية، فقد جدد عطاف تهانيه لنظيره الأمريكي على إثر تعيينه على رأس كتابة الدولة الأمريكية. كما أثنى الطرفان على “الحركية الإيجابية التي تشهدها العلاقات الجزائرية الأمريكية”، واتفقا على “ضم جهودهما من أجل توطيد التعاون الثنائي في المجالات ذات الطابع الأولوي على غرار الدفاع، والطاقة، والفلاحة وكذا العلوم والتكنولوجيا”.
وعلى صعيد العمل الدولي متعدد الأطراف، بحث الوزيران، وفق البيان، تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وأعربا عن “التزامهما بمواصلة التنسيق البيني داخل مجلس الأمن الأممي بغية تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وضمان استدامته، وكذا مرافقة الأشقاء في كل من سوريا ولبنان نحو تحقيق الأمن والاستقرار وصون سيادتهما ووحدتهما الوطنية”.
ومن الجانب الأمريكي، ورد بيان صادر عن مكتب المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس، ورد فيه أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أجرى اتصالاً مع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف. وخلال الاتصال، أكد الطرفان على الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والجزائر في تعزيز السلام والأمن الإقليميين والعالميين، وذلك تحت قيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
كما ناقش الجانبان سبل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الرهائن، والدور القيادي الذي تضطلع به الجزائر في تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة. وتناول النقاش بحث تعزيز التعاون الاقتصادي والطاقة بين البلدين، بما يحقق فوائد ملموسة للشعبين الأميركي والجزائري. كما ناقش الطرفان الجهود المشتركة للتصدي لحالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي.
ويأتي هذا الاتصال، في وقت تظهر الجزائر والولايات المتحدة رغبة أكبر في تعميق العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بينهما، منذ عودة دونالد ترمب لسدة الحكم. ومن مظاهر ذلك، زيارة قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، الفريق أول مايكل لانغلي، الأربعاء الماضي للجزائر، واستقباله من قبل الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة.
وفي هذه الزيارة، وقّع الجانبان “على مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين وزارة الدفاع الوطني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ووزارة الدفاع للولايات المتحدة الأمريكية”. وتحدث الفريق أول السعيد شنقريحة عن ديناميكية إيجابية يشهدها البلدان في شتى المجالات، بما فيها مجالي الدفاع والأمن، حيث تعكس هذه الديناميكية حسبه”إرادتنا على الارتقاء بهذه الشراكة إلى أعلى المستويات بما يخدم مصالح البلدين”.
وفي نفس سياق توطيد العلاقات، أعلن مؤخرا عن توقيع اتفاق بين الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “النفط” وشركة “شيفرون” الامريكية، لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية.
وتهدف هذه الاتفاقية، التي تمتد لمدة 24 شهرا، وفق بيان لوزارة الطاقة، إلى إنجاز دراسة معمقة لتقييم إمكانيات الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية، كما تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون بين الجزائر وشركة “شيفرون” في مجال الدراسات التقنية والجيولوجية، مما يمهد الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الوطنية.
وتستهدف الجزائر، وفق ما سبق لوزير الخارجية أحمد عطاف الاصريح، استقطاب الشركات الأمريكية العملاقة الثلاث أكسيدنتال وشفرون واكسن موبيل. وفي بداية العام الماضي، دخلت وزارة الطاقة الجزائرية في محادثات مع شركة إكسون موبيل في مجال تطوير المحروقات، لاسيما في مجال المنبع البترولي والغازي.
ومنذ الحديث عن تعيين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب، لمارك روبيو وزيرا للخارجية، أثير جدل في الجزائر، حول شكل العلاقات التي سيؤول إليها البلدان، بسبب مواقف الأخير المطالبة بفرض عقوبات على البلاد، خلال بداية الحرب الروسية الأوكرانية، بناء على معلومات وصفت في الجزائر بـ”غير الدقيقة.”.
وخلال شغله لمنصب نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، سمع الجزائريون بمارك روبيو من خلال رسالة شهيرة وجهها لوزير خارجية بلاده أنطوني بلينكن في 16 أيلول/سبتمبر 2022، يدعوه فيها لفرض عقوبات على الجزائر، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، مشتريات الجزائر من السلاح الروسي.
وقال هذا السيناتور عن ولاية فلوريدا في رسالته، إنه يشعر “بقلق بالغ فيما يتعلق بالمشتريات الدفاعية الجارية بين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية والاتحاد الروسي”، زاعما أن شراء السلاح الروسي يدعم موسكو في زعزعة الاستقرار، لأنه سيؤدي حسبه إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا.
واعتبر روبيو الذي يوصف بأنه مقرب من اللوبي الصهيوني، أن “الجزائر من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في جميع أنحاء العالم، وبلغت ذروتها بصفقة أسلحة بقيمة 7 مليارات دولار في عام 2021”.
وفتحت هذه المطالبة غير المسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، الباب لأعضاء آخرين متطرفين من الحزب الجمهوري لاتهام الجزائر. وبعدها بنحو 3 أسابيع قادت السيناتورة الأمريكية ليزا ماكلين، حملة داخل الكونغرس الأمريكي بدعم 27 نائبا في الكونغرس،، لدفع وزير الخارجية الأمريكية، من أجل فرض عقوبات على الجزائر، بزعم أنها تدعم نظام موسكو عبر مواصلة شرائها للسلاح من روسيا.
واستندت المطالبات بمعاقبة الجزائر على القانون الذي أقره الكونغرس في عام 2017 المعروف بـ(CAATSA)، والذي يوجه رئيس الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الأفراد الذين ينخرطون عن علم في صفقة مهمة مع شخص يمثل جزءًا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعي الدفاع أو الاستخبارات في حكومة الاتحاد الروسي”. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد فوض وزير خارجيته لتطبيق القانون بالتشاور مع وزير الخزانة.
واللافت أن المعلومات التي استند عليها روبيو وباقي السيناتورات في الدعوة لمعاقبة الجزائر كانت غير صحيحة. إذ تم البناء على عقد الجزائر صفقة ب 7 مليار دولار سنة 2021 مع روسيا، رغم أن الجزائر لم يسبق لها التوقيع مع روسيا على طلبية أسلحة بهذا الحجم. وتعاملت السلطات الجزائرية مع هذا الموضوع بتجاهل، حيث لم يصدر عنها أي تعليق، خاصة أن الجزائر ظلت منذ الاستقلال تعتمد في تسليحها على السلاح الروسي حتى في فترة الحرب الباردة، ولم يمنعها ذلك من إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.
وخلال الفترة الأولى التي تولى فيها ترامب الرئاسة، ظلت العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة طبيعية، باستثناء أواخر أيام الرئيس الأمريكي التي أعلن فيها في إطار صفقة أبراهام الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما عارضته الجزائر بشدة باعتبارها تدعم حق تقرير مصير الصحراويين.
وبعد انتخاب ترامب لولاية ثانية، وجه له الرئيس تبون رسالة ذكّر فيها بعمق علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، مشيدا بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية في شتى المجالات، مُعربًا في نفس الوقت عزمه على العمل معه من أجل ترقيتها إلى آفاق أرحب، بما يخدم مصالح البلدين المشتركة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات