أخبار عاجلة

حكومة أخنوش تتخلى عن حماية المستهلك المغربي المقهور

في كل مرة تنذر فيها الحرارة بالارتفاع أو العواصف بالهبوب، تكون هناك نشرات إنذارية من مؤسسة رسمية تتخصص في الأرصاد الجوية، وتنبه المواطنين من أجل اتخاذ الحيطة والحذر وسبل الوقاية والحماية، وهو الأمر الغائب بتاتاً فيما يتعلق بموجات الأسعار، ليس هناك أي مؤسسة تصدر نشرة إنذارية تخبر على الأقل المغاربة بارتفاع سعر هذا المنتج أو ذاك، هكذا يستيقظون صباحاً ويقصدون دكان الحي ليصطدموا بأن سعر أمس صار في خبر كان، وعليهم تدبّر أمر الزيادة التي قد تكون مجرد بداية لزيادات أخرى.
آخر حدث كبير تجرّع فيه المغاربة مرارة ارتفاع الأسعار هو عيد الأضحى، حتى تلك الأغنام المستوردة المدعمة من المال العام، مرّت مثل نسمة باردة خفيفة وعابرة في صيف الأسعار المشتعل، مرّت سريعاً، ولم يتمكن الكثير من دافعي الضرائب الاستفادة منها ومن ثمنها “المعتدل” وفق مزاج حرارة الأسعار بشكل عام، أما الخرفان المحلية فقد رفع أصحابها سقف الممكن إلى علو المستحيل بالنسبة للعديد من الأسر محدودة الدخل.
كدمات الخروف بعد “النطحة الكبرى” التي نفّذها خلال العيد، ما زالت تؤلم جيب المواطن وهو يحاول إعادة التوازن إلى ميزانيته، وقد كانت مقاطع الفيديو التي عملت على تعميمها عدد من المواقع الإلكترونية المغربية خير معبر عن صدمة المواطنين، رغم أنها كانت بصيغة المبالغة وبعضها نشر من أجل الإثارة وحصد المزيد من المشاهدات لموقعه.
مسألة الأسعار ليست وليدة اللحظة، فالعاصفة بدأت مند مدة، وشملت حتى هبوب رياح البصل والطماطم وباقي الخضر، أما الفواكه فقد صارت ترفاً للبعض، رغم أن “البطيخ الأحمر” عوّض الناس عما فقدوه من لذة في البداية.

موجات أسعار مرتفعة

السؤال الذي يطرحه المغاربة ببساطة، من يحميهم من موجات الأسعار المرتفعة؟ وكيف السبيل إلى وقفها؟ الجواب جاء من الحكومة التي أعلنت على لسان رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، أن القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية حقوق المستهلك جرت مراجعته في إطار إعداد مشروع قانون جديد تمت إحالته على الأمانة العامة للحكومة.
كلام الوزير جاء خلال جلسة عامة لمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، وأكد خلاله أن مشروع قانون حماية المستهلك الجديد سيوضع رهن إشارة جميع الفاعلين من أجل إبداء رأيهم حوله بهدف تعزيز حقوق المستهلك، وأضاف موضحاً أنه سيتعزز ببنود تهم عدداً من المستجدات، مثل التجارة الإلكترونية والتنافسية من أجل توسيع نطاق الاختيار أمام المستهلك.
حديث الحكومة عن قانون حماية المستهلك يجد صداه في آراء تقنية قانونية تتحدث عن وجود ثغرات أو فراغات فيه، كما يقابله أيضاً حديث سياسي عن التأخر في التنفيذ وتعميم هذه الحماية على جميع مناطق المغرب في إشارة إلى الأرياف التي تعيش ـ وفق آراء العديد من المتتبعين ـ خارج الزمن الحكومي.
وللتعليق على كلام الوزير رياض مزور، قال شمس الدين عبداتي، الرئيس الشرفي للمنتدى المغربي للمستهلك وباحث في مجال حماية المستهلك، من خلال تصريح لـ “القدس العربي”، إن “مشروع القانون القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك يهدف، حسب تصريح وزير التجارة والصناعة، إلى تعزيز حقوق المستهلك وحمايته وضمان فعالية تطبيق القانون، وذلك بإدراج مقتضيات جديدة ومبادئ حديثة في مجال حماية المستهلك، تهم أساساً الممارسات التجارية المضللة ومنح الباحثين إمكانية توجيه أمر إداري للموردين بضرورة الامتثال لالتزاماته أو بإيقاف جميع التصرفات غير المشروعة وكذا اعتماد جامعات جمعيات حماية المستهلك”.
ويستطرد المتحدث بالقول: “إلى هنا فإن الأمر جيد، لكن جمعيات حماية المستهلك ستظل مشلولة بالقوانين التي قد تصدر أو لا تصدر، في غياب الدعم المادي لهذه الجمعيات بدون الشروط المجحفة في حقها، إذ لا بد للمشرّع من مراجعة وضعية جمعيات حماية المستهلك لتكون قادرة على القيام بدورها المطلوب”.
سياسياً، نجد صدى هذا القانون وقد تفاعل معه الفريق النيابي لحزب “الاتحاد الاشتراكي” المعارض، الذي وجّه سؤالاً لوزير الصناعة والتجارة حول موضوع حماية المستهلك، مؤكداً أن حق الاختيار والإعلان المنصوص عليه في قانون حماية المستهلك المعمول به حالياً، غير مطبق، كما أشار إلى أن المغاربة في بعض المناطق لم يكن لهم حتى حق اختيار الأغنام المستوردة المخصصة للعيد رغم أنها مدعمة من جيوب المواطنين.
وركّز برلماني الحزب المعارض، محمد حوجر، في سؤاله على الأغنام المستوردة المدعمة كنموذج، والتي “لم تطبق فيها العدالة المجالية، ولم نرَ لها أثراً في الأسواق الأسبوعية ولا العصرية ولا نعرف كيف وُزّعت”، ولم يتردد في اتهام الحكومة بالتخلي عن المستهلك، مشدداً على أن “المشكل في حماية المستهلك لا يكمن في الترسانة القانونية، بل في عدم وجود إرادة جريئة لدى الحكومة في تفعيل هذه القوانين”.
الحديث عن الترسانة القانونية أكده شمس الدين عبداتي في تصريحه لـ “القدس العربي”، مؤكداً أن “القضية لا تتعلق بالنصوص بقدر ما تتعلق بالتطبيق والصرامة في هذا التطبيق، وبشمولية النص التطبيقي على كل الفاعلين الاقتصاديين والماليين ومقدمي الخدمات، وبالتالي ضرورة إشراكهم واشراك الفاعلين القضائيين والمحاسبيين والخبراء في مناقشة النص التشريعي والتعديلات المدخلة عليه والإجراءات العملية التي تمكن من الرقابة والتطبيق السليم لهذا النص، وبالتالي حصول المستهلك على الحماية المطلوبة مهما كان الفاعل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والتعليمي والهندسي… إلخ، وفي الوقت ذاته إن إشراك هؤلاء الفاعلين هو توعية لهم بحقوق المستهلك وكيفية مساهمتهم في حماية حقوق المستهلك والحصول عليه في الوقت نفسه كغاية مثلى”. بالنسبة للباحث في مجال حماية المستهلك، “فالأمر لا يتعلق بالتركيز على التجار الصغار والمتوسطين كمجال وحيد لتطبيق حماية المستهلك، خاصة في مجال ارتفاع الأسعار، بل يجب أن يشمل الأمر الفاعلين الكبار”، وعدّد بعضهم مثل “محطات الوقود، البنوك والمؤسسات المالية، مؤسسات القروض، شركات التأمين والبناء، شركات النقل، مقدّمي الخدمات القانونية”، لأن “المستهلك دائماً يكون عرضة لهضم حقوقه وعدم شمولية الرقابة على مثل هذه المؤسسات، وهو الأمر الذي يجعل من قانون حماية المستهلك يطبق جزئياً رغم شموليته في الظاهر والقصور في تطبيقه على فئات اقتصادية واجتماعية دون أخرى بالصرامة نفسها”.

قصور في التطبيق

ويتوقف شمس الدين عبداتي ليوضح أن هذا القصور في التطبيق “ناتج أولاً عن عدم مساهمة هذه المؤسسات في توعية المستهلك بحقوقه وعدم التزامها بنشر أسعار الخدمات التي تقدمها، كما أن نشرتها فهي بلغة أجنبية وهذه مخالفة دستورية، وعامل يضيّع على المستهلك معرفة شروط الخدمة المقدمة وبالتالي حرمانه من حقوقه كمستهلك لهذه الخدمة”.
ويقترح المتحدث: “لتدارك هذا القصور التشريعي، واغتنام الفرصة الجديدة للتعديلات المدخلة على القانون 13- 23 يجب على المشرّع أن يأخذ بعين الاعتبار أن حماية المستهلك حق من حقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية، بما في ذلك حق التعويض عن الضرر للمستهلك وجعل المسؤولية تكافلية تضامنية في سلسلة المزودين للسوق بالسلع والخدمات من جهة، ومن جهة أخرى يجب على المشرّع أيضاً الأخذ بعين الاعتبار الإدماج القانوني للتوصيات التي أسفر عنها مؤتمر المستهلكين لمجموعة العشرين مؤخراً، حيث تمت إثارة قضية العمر والمستهلكين الضعفاء في ظل الاقتصاد الرقمي حيث برز العمر كقضية مهمة في الرقمنة (يتحمل صناع السياسات مسؤولية التأكد من عدم استبعاد السكان المسنّين من الخدمات وحماية السكان الأصغر سناً من الضرر عبر الإنترنت)، كما كان تثقيف المستهلكين الشباب حول حقوقهم وأهمية الاستهلاك الأخلاقي أولوية رئيسية للعديد من المشاركين”.
وفي ختام حديثه  أوصى الرئيس الشرفي لـ “المنتدى المغربي للمستهلك”، “المشرّع بالكف عن الاقتباس من القانون الفرنسي، والاتجاه نحو الاقتباس من القوانين البرتغالية في بعض المجالات والتي تؤمن حماية أكبر للمستهلك مقارنة مع التوجيهات الأوروبية على أهميتها، كذلك القانون الفنلندي والدنماركي والإسباني”.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات