أخبار عاجلة

ثروة الرئيس السابق لموريتانيا محمد ولد عبد العزيز داخل قفص الاتهام في ثاني أيام محاكمته

لعل أهم عقبة قد تواجهها المحكمة الجنائية الموريتانية المختصة في جرائم الفساد في دورتها التي تدخل اليوم يومها الثاني والخاصة بملف الفساد خلال مأموريتي الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، هي حسب توقعات متابعي هذا الملف، العقبة القانونية الكأداء التي وعد محاموه بطرحها وهي عدم اختصاص محكمة جرائم الفساد نفسها في محاكمته كرئيس سابق وأن المختص في ذلك هو محكمة العدل السامية وفي القضايا الخاصة بالخيانة العظمى تحديدا، أما القضايا الأخرى فالرئيس السابق، حسب تأويل محاميه، محصن ضد المساءلة فيها بموجب المادة 93 من الدستور.

فهل سيطرح محامو الرئيس السابق هذه الإشكالية القانونية التي سبق أن أثير حولها الجدل والتي يعتبر المجلس الدستوري هو وحده المختص في حسمها بقرارات نهائية؟

اتجاهات ثلاثة

لقد انقسم فقهاء القانون الموريتانيون في نقاشهم لجهة الاختصاص في اتجاهات ثلاثة: أولها يرى أن محاكمة الرئيس لا مختص فيها سوى محكمة العدل السامية، ويرى الاتجاه الثاني أن محاكمة الرئيس السابق في “جرائم فساد” ممكنة أمام القضاء العادي.

دفاعه قد يؤكد أن المختص في محاكمته هو محكمة العدل السامية وحدها

وذهب اتجاه ثالث إلى إمكانية الجمع بين المسارين، حيث “إن المادة 93 من الدستور الموريتاني تنص على أن رئيس الجمهورية لا يكون مسؤولاً عن أفعاله أثناء ممارسته لمهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، وفي حالة ارتكابه لأفعال موصوفة بأنها خيانة عظمى تحاكمه محكمة العدل السامية المنشأة بموجب المادة 92 من الدستور، لكن، يضيف الاتجاه الثالث، أنه عندما يرتكب الرئيس السابق أفعالاً توصف بأنها جرائم بموجب القانون 14/2016 المتعلق بمحاربة الفساد، وخصوصاً تلك المحددة في المواد 3،4،5،6،7،8،9،10،11،12،13،14،15 على سبيل المثال فإن الوكلاء المكلفين بالرقابة والتفتيش يقومون بإبلاغ النيابة العامة، وتتولى شرطة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية مهمة الضبطية القضائية، ويباشر قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية والمالية مهمة التحقيق، وتتولى المحكمة المختصة في جرائم الفساد محاكمة المتهمين”.

ويبدو أن ملف الرئيس السابق قد سلك الطريق الثالث حسبما أكدته تطوراته التي تمت كلها بعيدا عن مسار محكمة العدل السامية.

الثروة في قفص الاتهام

مع أن الذي ظهر داخل قفص الاتهام في جلسة المحكمة الجنائية لجرائم الفساد يوم الأربعاء والذي سيظهر أمامها في جلسة اليوم الخميس هو أحد عشر رجلا يتقدمهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فإن الموجود داخل القفص في الحقيقة، هو الثروة الهائلة التي جمعها الرئيس السابق ما بين 2009 عند وصوله للحكم في انقلاب عسكري و2019 تاريخ مغادرته للحكم.

وشمل الجرد المالي الذي تضمنته خلاصات قطب التحقيق المرفق بأمر الإحالة إلى المحكمة المختصة في الفساد، ممتلكات الرئيس السابق الشخصية، إضافة لممتلكات زوجته تكيبر بنت أحمد، وممتلكات أبنائه وبناته بدر، وأحمد، وأسماء، وليلى، وممتلكات حفيده عبد الله أحمدُ محمد عبد العزيز.

وبلغت ممتلكات ولد عبد العزيز التي تم كشفها خلال البحث الابتدائي قرابة 30 مليار أوقية قديمة (حوالي 87 مليون دولار)، فيما أكدت الخلاصات أن التحقيق القضائي اللاحق على البحث الابتدائي كشف المزيد من الأموال.

وأضاف قطب التحقيق أن عدد المنازل المملوكة للرئيس وأفراد أسرته المباشرة المكتشفة في إطار التحقيق القضائي بلغ 17 منزلاً، فيما بلغ عدد القطع الأرضية 468 قطعة أرضية، و9 شاحنات، وثلاث سيارات، وجرار، إضافة لأكثر من خمسة مليارات أوقية قديمة، لتضاف للمبلغ الذي تم كشفه خلال مرحلة البحث الابتدائي.

وتحدثت خلاصات قطب التحقيق عن امتلاك الرئيس السابق لمليونين ونصف من الدولار قيما لهدايا من الأغراض الثمينة، وستة ملايين ونصف من اليورو هدية من رئيس دولة صديقة.

ثروة ومقارنات

ذكر قطب التحقيق في خلاصاته بأن البحث الابتدائي، والتحقيق المالي الموازي الذي جرى في إطاره كشف عن امتلاك المتهم وأفراد عائلته المباشرة لثروة هائلة تتمثل في عشرات السيارات والآليات من مختلف الأنواع والأحجام بلغ عددها 84 آلية، في حين لم يصرح في تصريحه الأخير بممتلكاته إلا بأربع سيارات فقط.

كما كشف عن امتلاكه لعشرات العقارات من قطع أرضية وأسواق وحدائق ومزارع وفندق، فضلا عن شركات ومصانع وأرصدة وودائع بمليارات الأوقية.

وأكد قطب التحقيق في خلاصاته أن التحقيقات وما تضمنته وثائق الملف ومستنداته كشفت “عن توفر جملة وافرة من الأدلة القطعية، والقرائن القضائية التي تثبت قيام المتهم بكافة الوقائع المنسوبة إليه في لائحة الاتهام”.

الدليل المربك

ولعل أهم دليل قد يورط الرئيس السابق أمام المحكمة والذي يتمسك به دفاع الطرف المدني أي الدولة، هو تسجيلان بصوته يؤكد في أحدهما أنه لا يملك سوى محطة لحفر الآبار ويقول في الثاني أنه يملك ثروة كبيرة وأنه لم يصرف أي مبلغ من مرتباته التي تقاضاها منذ أن تولى الرئاسة.

ويتمسك دفاع الرئيس السابق بأن محاكمته سياسية لأن خصومه داخل البرلمان هم الذين أطلقوا التحقيق في ثروته عبر لجنة التدقيق في تسيير عشرية حكمه، التي شكلها البرلمان يوم 31 يناير 2020 وأجاز تقريرها يوم 29 يوليو 2020 وأحاله للقضاء.

وكان الرئيس السابق الرافض الوحيد بين الأشخاص الذين استدعتهم لجنة التحقيق البرلمانية، للتعاطي مع اللجنة التي استدعته للاستجواب يوم السادس يونيو2020.

مسار طويل لملف معقد

هذا وقد مر ملف الرئيس الموريتاني السابق بمراحل عديدة منذ إطلاق التحقيقات البرلمانية حول تسييره وحول ثروته، ففي الثاني من ديسمبر 2019 قدم أكثر من عشرين نائبا مقترحا بتشكيل لجنة للتحقيق في العشرية، حيث صادق البرلمان الموريتاني يوم 31 يناير 2020 على إنشاء لجنة تحقيق في الفساد، كما صادق في الثامن عشر من إبريل 2020 على توسيع عمل اللجنة، لتقوم يوم الثالث والعشرين من مارس 2020 بالتحقيق مع عدة وزراء، وليرفض الرئيس السابق المثول أمامها بموجب استدعاء أصدرته يوم السادس يونيو 2020.

وفي يوم 29 يوليو 2020 أجاز البرلمان الموريتاني بالإجماع تقرير اللجنة وأحاله للقضاء، ليصل يوم الخامس أغسطس 2020 لوكيل الجمهورية، حيث بدأت شرطة الجرائم الاقتصادية يوم 29 سبتمبر من نفس السنة بالتحقيق مع وزراء سابقين في حكومات الرئيس السابق.

وفي يوم السابع عشر اغسطس 2020 أوقفت شرطة الجرائم الاقتصادية الرئيس السابق لمدة أسبوع، لتوجه النيابة العامة يوم الحادي عشر مارس 2021 تهم الفساد للرئيس السابق و12 آخرين وتطلب بفرض الرقابة القضائية عليهم.

وفي يوم الحادي عشر مارس 2021، قرر قطب التحقيق وضع المجموعة تحت المراقبة القضائية مع تجميد ممتلكاتهم.

ووضع قاضي التحقيق يوم الثالث والعشرين يونيو 2021 الرئيس السابق في السجن بمدرسة الشرطة، لينقل بعد ذلك لأسباب صحية إلى منزله قبل أن يتم يوم الثاني من سبتمبر 2022 رفع الرقابة القضائية عنه.

وتواصلت التحضيرات لمحاكمة الرئيس السابق ومجموعته، إلى أن استدعتهم المحكمة المختصة في جرائم الفساد للمثول أمامها يوم 12 يناير الجاري تحضيرا للمحاكمة المتواصلة حاليا.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات