يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، إلى الجزائر، في زيارة تدوم ثلاثة أيام، سيكون مرفوقا فيها بوفد وزاري هام. ويدور برنامج الزيارة، وفق ما كشفه قصر الإيليزيه، حول إعادة بعث العلاقات الاقتصادية ودعم الحوار مع الشباب واستذكار الجوانب التاريخية في العلاقات بين البلدين.
تأتي الزيارة الأولى للرئيس الفرنسي خلال ولايته الثانية، في سياق هادئ بعد فترة عاصفة شهدتها العلاقات بين البلدين خلال الربع الأخير من العام الماضي. ومن المقرر وفق ما كشفته وسائل إعلام، نقلا عن الرئاسة الفرنسية، أن تحط طائرة ماكرون بعد ظهر يوم الخميس، على أن يتوجه بعدها مباشرة إلى مقام الشهيد في الجزائر العاصمة حيث سيضع إكليلا من الزهور على أرواح شهداء الثورة الجزائرية، وهو تقليد يحرص عليه كل المسؤولين الأجانب الكبار الذين يزورون البلاد.
وسيتوجه ماكرون بعد ذلك إلى قصر المرادية حيث ستجمعه محادثات مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وفي نهاية اليوم، ستقام مأدبة عشاء على شرف الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له. أما اليوم الثاني من الزيارة، فستتخلله محادثات على انفراد مع الرئيس تبون، ولقاء مطول مع رواد الأعمال الشباب في الجزائر العاصمة، كما سيزور ماكرون بعض معالم العاصمة خلال الحقبة الاستعمارية، مثل كنيسة السيدة الأفريقية ومقبرة بولوغين للمسيحيين واليهود. وسيرافقه في هذه الزيارة الحاخام الأكبر في فرنسا حاييم كورسيا.
وبعد إتمام نشاطه بالعاصمة، سيطير ماكرون إلى وهران عاصمة الغرب الجزائري حيث سيزور هناك كنيسة سانتا كروز، وبيت مصمم الأزياء الشهير إيف سان لوران المرمم حديثا، كما ستكون له جولة في المدينة وبعض معالمها مثل متجر أغاني الراي “ديسكو مغرب” الذي تحول بفضل فيديو كليب الموسيقي العالمي الفرانكو جزائري دي جي سنايك إلى مزار للسواح بوهران.
ووفق الرئاسة الفرنسية، فإن الزيارة تهدف إلى وضع أساس لإعادة بناء وتطوير العلاقة بين باريس والجزائر، ومواصلة العمل حول ملف الذاكرة، دون جعلها محور الزيارة.
ويظهر من خلال نوعية الوفد الفرنسي الأهمية البالغة التي تكتسيها الزيارة، إذ سيرافق ماكرون أبرز الشخصيات في حكوماته، وفي مقدمتهم برونو لومير وزير الاقتصاد والمالية والذي سيفتح مع نظرائه الجزائريين ملف الشراكات الصناعية والاقتصادية المعطلة. كما سيكون حاضرا أيضا جيرالد دارمالان وزير الداخلية الذي لديه أصول جزائرية، والذي يمسك بالملف الشائك المتعلق بتنقل الأشخاص. وسبق لهذا الوزير أن أثار أزمة مع الجزائر بعد قراره تخفيض نسبة منح التأشيرات للجزائريين، احتجاجا على رفض الجزائر استقبال رعاياها الذين صدر في حقهم قرارات بالطرد من فرنسا. كما يوجد ضمن الوفد وزيرة الخارجية كاترين كولونا، لبحث قضايا الساحل وليبيا وتدفق المهاجرين وغيرها من المواضيع التي لا يتوافق فيها الجانبان الجزائري والفرنسي كثيرا.
وفي السياق الإقليمي الحالي، سيقفز موضوع الطاقة ليكون من أولويات المباحثات بين البلدين، في ظل صعود الجزائر كأحد أبرز الممونين للسوق الأوروبية بعد الأزمة مع روسيا. وتحوز شركة توتال الفرنسية على استثمارات مهمة في الغاز والبترول، وقد دخلت هذه الشركة مؤخرا في شراكة مع سوناطراك وإيني الإيطالية لتطوير حقل غاز ضخم باستثمار يصل إلى 4 مليار دولار. كما ترغب باريس في الاحتفاظ بتأثيرها الاقتصادي في ظل الاكتساح الصيني للسوق الجزائرية.
ومن الجوانب التي تثير الريبة لدى البعض والفضول لدى آخرين، مرافقة الحاخام الأكبر حاييم كورسيا للرئيس الفرنسي، والذي تعود أصول والديه للغرب الجزائري. وفي حوار له مع “فرانس 24″، قال هذا الحاخام إنه “يتشوق إلى رؤية هذه الأرض” التي لطالما قرأ عنها الكثير “عبر الكتب والمقالات”، متمنيا أن تكون هذه الزيارة بداية لعودة جميع اليهود الذين ولدوا في الجزائر للوقوف على مقابر أقاربهم الذين دفنوا في الضفة الأخرى من المتوسط.
وذهب كورسيا لحد تشبيه زيارته للجزائر برحلة النبي إبراهيم، قائلا “في الواقع، كل إنسان يرغب في العودة إلى أيام طفولته وإلى النعومة والحلاوة التي كانت تتسم بها هذه الطفولة. أشعر عبر سفري هذا إلى الجزائر كأنني أعيش ما عاشه النبي إبراهيم الذي تلقى الأمر من ربه بمغادرة وطنه ومكان ولادته ومنزل والده”.
وأبرز كورسيا أن “الرهان بالنسبة لليهود اليوم هو إعادة ترميم مقابر اليهود والحفاظ عليها من أجل السماح لأفراد طائفتنا بزيارتها”. وأضاف “نحن نسعى إلى الانفتاح على الآخرين وإلى التبادل شريطة أن يجد الرئيس إيمانويل ماكرون مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون أرضية للتفاهم فيما بينهما. فإذا اتفق الرئيسان، كل شيء سيصبح ممكنا. من الممكن مثلا أن ننظم عدة سفريات وزيارات إلى المدن الجزائرية”.
وأشار الحاخام إلى أن هناك العديد من الجهات التي بدأت فعلا تعمل وتنشط من أجل التقارب بين الجالية اليهودية التي كانت تعيش في الجزائر ووطنها الأصلي. وتابع قائلا “شخصيا لدي قناعة كبيرة بأن السلطات الجزائرية تعمل هي الأخرى في هذا الاتجاه ومن أجل تصالح الذاكرة والسماح ليهود الجزائر بالعودة إلى وطنهم الأصلي لرؤية الأنوار التي عرفوها خلال طفولتهم ولكي يشموا من جديد الروائح التي دفنوها داخل قلوبهم وذاكرتهم خلال سنوات عديدة”.
تعليقات الزوار
مرحبا بحاخامنا
هل تستطيعون رفض زيارة هذا الحاخام؟ وهي بداية التطبيع الذي طالما طبلتم فيه شماتة في المملكة المغربية ومع ذلك اقول لكم : انتم الان في الطريق الصحيح