أخبار عاجلة

موريتانيا تتابع بقلق بالغ تطورات الوضع الأمني المتأزم في جمهورية مالي

تتابع موريتانيا بقلق بالغ تطورات الوضع الأمني المتأزم في جارتها جمهورية مالي المجاورة، وسط مخاوف من تداعيات إنسانية وأمنية متصاعدة على المناطق الحدودية المشتركة بين البلدين، في وقت دعا فيه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني المواطنين القاطنين في المناطق الحدودية إلى التحلي باليقظة والحذر.
وقال الرئيس الغزواني خلال اجتماع مع أطر مقاطعة عدل بكرو الحدودية، إن الأشقاء في مالي «يعيشون حالة حرب حقيقية»، داعياً المنمين والتجار والمواطنين إلى إدراك حساسية المرحلة واتخاذ ما يلزم من الحيطة، موضحاً أن مالي «دولة شقيقة لم تبخل يوماً على الموريتانيين بالتسهيلات والمساعدة»، لكنها تواجه اليوم ظرفاً استثنائياً يستدعي تفهماً ودعماً من الجميع.
وأوضح الرئيس الغزواني «أن الحكومة المالية تخوض حرباً ضد جماعات مسلحة متعددة في الشمال والوسط، وأن هذا الوضع يفرض أولويات أمنية قد تؤدي أحياناً إلى تجاوزات «لا علم للسلطات المالية بها»، مشدداً على «أن موريتانيا ستظلّ إلى جانب مالي حتى تتجاوز هذه الأزمة».
وأشار الغزواني إلى إرسال بعثات حكومية إلى المناطق الحدودية لشرح طبيعة الوضع للسكان وتنبيههم على ضرورة توخّي الحذر.
وأبرز الغزواني «أن المتضررين من الأزمة الحالية ثلاثة أصناف: المنمون الذين ينتجعون موسمياً داخل الأراضي المالية، وقد طُلب منهم البقاء داخل موريتانيا حيث ستوفر الدولة لهم المياه والمراعي، والتجار الذين تعطلت أعمالهم خاصة في باماكو، مؤكداً أن الحكومة لن تتخلى عنهم وستتابع قضاياهم في إطار احترام سيادة مالي، إضافة إلى بعض الماليين المقيمين داخل موريتانيا بلا وثائق رسمية، موضحاً أن الدولة ستساعدهم قدر المستطاع، لكن مع ضرورة احترام الهوية الوطنية لكل طرف».
وفي السياق ذاته، أدى الرئيس الموريتاني زيارة ميدانية إلى تجمع المشاة العسكري المحمول رقم 51 الواقع بمنطقة باسكنو الحدودية حيث اطلع على أوضاع القوات الموريتانية المرابطة على الحدود، مقدماً التهاني للعسكريين على جهودهم في حماية الحوزة الترابية.
وأكد خلال الزيارة أن المناطق الحدودية تحظى بتركيز خاص في هذه المرحلة، نظراً للظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها الجارة مالي، مشدداً على أهمية اليقظة الدائمة والتأهب لمواجهة أي تهديد محتمل.
ويأتي هذا التحرك الموريتاني في وقت تشهد فيه مالي توتراً متصاعداً بفعل حصار عدد من المدن من طرف جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة، وأزمة وقود خانقة شلّت العاصمة باماكو ودَفعت عدداً من السفارات الغربية إلى دعوة رعاياها لمغادرة البلاد.
كما اضطر آلاف المدنيين إلى النزوح نحو الحدود الموريتانية، خصوصاً من مدينة لِري المالية التي تخضع لحصار خانق منذ أسابيع. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن ما بين ألفي وثلاثة آلاف شخص عبروا الحدود إلى موريتانيا بحثاً عن الأمان، في موجة نزوح هي الأكبر منذ نهاية عام 2023.
وفي ظل هذا الوضع، تواصل نواكشوط مراقبة التطورات عن كثب، محاولةً الموازنة بين واجب التضامن الإنساني مع الجارة الجنوبية ومتطلبات أمنها القومي في منطقة شديدة الاضطراب.
وأكد وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، الإثنين، «عزم الحكومة على الحفاظ على أمن ووحدة أراضي الدولة وحماية الأشخاص والممتلكات». وندد ديوب خلال محادثة هاتفية مع البارونة جيني تشابمان وزيرة التنمية الدولية البريطانية والمسؤولة عن الشؤون الإفريقية، بما قال إنها «حملة إعلامية معادية تستهدف مالي».
وأفادت وزارة خارجية مالي على حسابها في منصة (إكس) أن ديوب قدم للوزيرة البريطانية «عرضا عن الوضع الحقيقي في باماكو وفي البلاد، والذي يتسم باضطرابات في إمدادات المحروقات»، وأنه تحدث عن «الإجراءات المتخذة لضمان انتظام الإمدادات» فيما يخص الوقود.
وأعلنت «كتيبة ماسينا» الجهادية الإسلامية، أوائل سبتمبر الماضي، عن قيامها بفرض حصار على واردات المحروقات إلى دولة مالي، ما أدى إلى شل العاصمة تقريبا، لكنها بدأت تستعيد نشاطها بعد دخول مئات الشاحنات المحملة بالوقود القادمة من ساحل العاج، وتم الإثنين استئناف الدراسة بعد تعليقها أسبوعين.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الأزمة المالية بلغت مستوى من التعقيد يجعل انعكاساتها على موريتانيا أمراً لا مفرّ منه، سواء في بعدها الأمني أو الإنساني أو الاقتصادي.
فبينما تحاول نواكشوط الإبقاء على علاقات حسن الجوار ودعم استقرار باماكو، تجد نفسها مضطرة لتعزيز وجودها العسكري والاستخباري على الحدود الطويلة والمتداخلة مع الأراضي المالية، تحسّباً لأي تسلل أو تهديد محتمل.
في المقابل، يفرض البعد الإنساني نفسه بقوة مع تزايد تدفقات اللاجئين على الأراضي الموريتانية، الأمر الذي قد يختبر قدرة موريتانيا على التوفيق بين واجب الحماية الإنسانية وضمان الأمن الوطني.
وفي المحصلة النهائية، تبدو نواكشوط أمام معادلة دقيقة: دعم الجار الشقيق دون التورط في صراعاته الداخلية، وتأمين حدودها دون المساس بروح التضامن الإقليمي التي طالما شكلت ركيزة لسياستها الخارجية في منطقة الساحل.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات