أخبار عاجلة

هجوم منسق من وزراء فرنسا على كل الاتفاقيات التي تربط باريس بالجزائر

بشكل أخذ طابع الحملة، يستمر السياسيون الفرنسيون على أعلى مستوى، في التصعيد ضد السلطات الجزائرية، على مختلف الصحف والقنوات، بلغة تحمل مزيدا من التهديد والوعيد ردا على ما يعتبرونها “إهانة” بعد رفض الجزائر استقبال مؤثر كان تعرض للطرد من فرنسا، حتى أن الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي، أطلق وصفا على هؤلاء المسؤولين بأنهم يعانون من “فوبيا الجزائر”.

في الساعات الأخيرة، اعتلى الوزراء الفرنسيون كل المنابر للحديث عن الجزائر، كما لو أن البلدين في حالة حرب حقيقية. ومن أبرز هؤلاء وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، الذي قال إنه يؤيد إلغاء امتياز حاملي الجواز الدبلوماسي الجزائري من التنقل لفرنسا دون تأشيرة. وذكر هذا الوزير خلال تصريحاته لقناة “أل سي إي”، أن “هناك اتفاقا منذ عام 2013 يتيح لحاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية، والذين يُقدّر عددهم بالآلاف، التنقل بحرية داخل فرنسا دون الحاجة إلى تأشيرة”، مبرزا أن “استهداف هذه الفئة من المسؤولين الجزائريين الذين يتخذون قرارات تهدف إلى إهانتنا، كما أشار وزير الداخلية برونو ريتايو، يبدو أكثر ذكاءً وفعالية، ويمكن تطبيقه بسرعة”.

واعتبر وزير العدل أن هذه الخطوة جيدة لأنها لن تمس بالجالية الجزائرية أو الفرنسيين من أصول جزائرية، والذين يتمتعون بروابط ثقافية وتاريخية مع الجزائر، مؤكدا أن “هناك 10 بالمائة من مواطنينا لديهم روابط دم أو تاريخ أو ثقافة مع الجزائر”.

وأكد دارمانان في نفس السياق، أن اتفاقية 1968 بين البلدين، التي تنظم أوضاع الجزائريين في فرنسا، أصبحت “قديمة بعض الشيء”، لافتا إلى أنها خضعت للتعديل أربع مرات في السابق، دون أن يستبعد مراجعتها مرة أخرى أو حتى إلغاؤها بالكامل إذا استدعت الحاجة.  واعتبر الوزير الذي لديه أصول جزائرية، أن العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل، قائلاً: “الجزائر بلد ذو سيادة، ومن حقها اتخاذ قراراتها، لكن عليها أيضًا احترام فرنسا كما نحترمها”. أما عن قضية الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال، فدعا الوزير إلى الإفراج الفوري عنه، مؤكدا أنه “يتعين على الجزائر أن تكرم نفسها بإطلاق سراحه في أقرب وقت ممكن”.

من جانبه، هدّد مانويل فالس، وزير الدولة الفرنسي لأقاليم ما وراء البحار ورئيس الحكومة الفرنسية السابق، بأن الجزائر لديها الكثير لتخسره إذا استمرت في التصعيد مع فرنسا، مشيرًا إلى أن هذا النهج يضر بالعلاقات الثنائية ويؤثر سلبًا على الجزائريين في الداخل والخارج، بمن فيهم الفرنسيون من أصول جزائرية.

وقال فالس في حديث مع القناة الفرنسية “بي أف أم تي في”، إنه لا يمكن القبول بأن تسعى الحكومة الجزائرية لتأجيج هذا التصعيد. متسائلا: ما الغاية من هذا السلوك، إن لم تكن محاولة لتحقيق مكاسب داخلية؟”. مكررا تصريحات سابقا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن النظام الجزائري “يعتاش على ريع الذاكرة”، وهو ما يفاقم حسبه التوترات بين البلدين.

وأشار فالس إلى احتمالية اتخاذ إجراءات من الجانب الفرنسي، مثل تقليص المساعدات التنموية أو فرض قيود على التأشيرات، كوسيلة ضغط على الجزائر، مؤكدًا أن الحزم في المواقف أصبح ضرورة في ظل تجاوز هذه التصرفات للحدود. كما حذّر فالس مما وصفه بتصاعد الشعبوية ودور المؤثرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن بعضهم قد يكون مستغلاً أو موجهاً من أطراف معينة، في إشارة إلى القضايا الأخيرة التي عالجها القضاء الفرنسي. وشدد على أن الرد الفرنسي يجب أن يكون قويًا ومدروسًا، قائلاً: “فرنسا لن تخشى هذا النوع من الخطابات. علينا اتخاذ موقف واضح لأن الوضع لا يمكن أن يستمر بهذا الشكل”.

وبوجه متشدد غير مألوف من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، ظهر رئيس الحكومة السابق غابريال أتال، مطالبا باتخاذ إجراءات عقابية مشددة ضد الجزائر وقال أتال، وهورئيس الوزراء الفرنسي السابق والرئيس الحالي للكتلة البرلمانية لحزب “النهضة” الفرنسي، في مقال نشره بصحيفة “لوفيغارو”، إنه في مواجهة ما وصفه بالاستفزازات المتواصلة من الجزائر، يجب على فرنسا اتخاذ خطوات حازمة لضمان احترام سيادتها.

وأوضح أتال أن الخطوة الأولى تتمثل في إدانة الاتفاقية الفرنسية الجزائرية لعام 1968، التي وصفها بأنها أصبحت قناة هجرة غير مبررة تسهم في لم شمل الأسرة وتوطين الأشخاص دون الحاجة إلى تعلم اللغة الفرنسية أو الاندماج. وأضاف أن الاتفاقية تجعل من الصعب سحب تصاريح الإقامة من المواطنين الجزائريين حتى لأسباب تتعلق بالنظام العام، وهو أمر غير عادل للدول الأخرى وللمواطنين الفرنسيين، على حد قوله.

وأشار إلى أن الإجراء الثاني يتمثل في تقليل عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين، مشددًا على أن الجزائر تمنح حاليًا أقل من تصريح قنصلي واحد لكل عشرة في إطار وثائق OQTF (الملزمة بمغادرة الأراضي الفرنسية). واعتبر أن هذا التخفيض الكبير سيضع ضغطًا على المسؤولين الجزائريين للحصول على رد فعل إيجابي.

وأضاف أتال أن فرنسا يجب أن تتبنى موقفًا أكثر صرامة تجاه قادة الجزائر الذين يستفيدون من سخاء فرنسا بينما يحتقرونها، مؤكدا على ضرورة إلغاء اتفاقية عام 2007 التي تمنح كبار الشخصيات الجزائرية حرية السفر إلى فرنسا دون قيود، مشيرًا إلى أن هؤلاء القادة يستغلون هذه الامتيازات للسفر أو العلاج، تاركين وراءهم ديونًا مستحقة على المستشفيات الفرنسية.

ودعا أتال أيضًا إلى استخدام السلاح التجاري كوسيلة ضغط إضافية، من خلال إجراء مناقشات على المستوى الأوروبي لزيادة التعريفات الجمركية على الجزائر إذا لزم الأمر. وشدد على أن هذه التدابير الطارئة تمثل إشارة قوية لضرورة احترام الجزائر لفرنسا، مؤكدًا أن العلاقة بين البلدين يجب أن تُعاد بناؤها على أساس الحزم والاحترام المتبادل. وختم مقاله قائلاً: “إن قدرة فرنسا على أن تُحترم هي ما على المحك. هناك إلحاح”.

 

وفي رده على كل ذلك، قال الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي إن النبرة العسكرية، وغالباً المتعجرفة، التي  يعتمدها وزيرا خارجية وداخلية فرنسا تجاه الجزائر، تبدو أقرب إلى “رقصة التافهين” منها إلى أزمة دبلوماسية حقيقية، مشيراً إلى غياب أي أسباب جدية تبرر استنفار كل من يعانون من “فوبيا الجزائر”.

وأوضح رحابي في تغريدة له على منصة إكس، أن السلطات الفرنسية سعت ونجحت في جعل الجزائر قضية ذات أولوية على أجندتها السياسية، دون أن تدرك أن هذا النهج سيؤدي إلى أزمات متكررة واصطدام في السيادة بين البلدين. وأضاف أن تصاعد الشعبويات في دول ذات ماضٍ استعماري أو فاشي مثل فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، ساهم في تغذية الذاكرة السلبية لدى جزء من النخب السياسية والاجتماعية والإعلامية الأكثر نفوذاً في هذه البلدان.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات