أثارت تسريبات حديثة لمقاطع فيديو من داخل سجن قرنادة سيئ السمعة، صدمة واسعة النطاق، حيث كشفت عن ممارسات تعذيب وحشية وغير إنسانية يتعرض لها السجناء، وسط اتهامات لقوات خليفة حفتر بالمسؤولية عن هذه الانتهاكات. وأثارت هذه التسريبات، التي انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موجة من الغضب والاستنكار الشعبي، لتجدد المطالبات بفتح تحقيق مستقل في هذه الجرائم.
وتحصلت «القدس العربي» على نسخة من هذه المشاهد التي تظهر لحظة تعذيب عدد من العاملين في السجن لآخرين بشكل وحشي وإجبارهم على الانبطاح بوضعيات معينة لأوقات طويلة. وأظهرت المقاطع المسربة أساليب تعذيب متنوعة، حيث يتعرض السجناء للضرب المبرح باستخدام العصي والأسواط والأيدي، ما يرجح وقوع إصابات بالغة، وكدمات، وكسور.
وفي تصريح لـ «لقدس العربي» قال الحقوقي ناصر الهواري رئيس منظمة ضحايا لحقوق الإنسان، إن هذه المقاطع التقطت في عام 2020 ويظهر فيها بعض من الذين تم القبض عليهم خلال الحرب على طرابلس التي شنها حفتر. وأضاف أنه يمتلك وثائق تثبت حدوث انتهاكات واسعة داخل سجون حفتر بينها وثائق طبية تؤكد تعرض عدد من المسجونين لمختلف أشكال التعذيب.
وتحدث عن شهادات مسجونين سابقين أكدوا خلالها أنهم كانوا يحرمون من أبسط حقوقهم بينما يعذب زملاؤهم حتى الموت في الزنازين الأخرى.
وحسب سجناء سابقين في سجن قرنادة، فإن المعتقلين يتعرضون لحالات صعق بالكهرباء لأجزاء مختلفة من أجسادهم، علاوة على حرمانهم بشكل متكرر من النوم لفترات طويلة، ومن الطعام والشراب الآدمي، ما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية. ويضم سجن قرنادة سجناء سياسيين يعارضون حفتر، وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان بشكل متكرر الانتهاكات داخل السجن، مطالبة بإجراء تحقيق فوري ومستقل، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وتعليقاً على ذلك، قالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إن هذه الواقعة تشكل جريمة يُعاقب عليها القانون ومخالفة جسيمة لصلاحيات ومهام واختصاصات الأجهزة الأمنية وإساءةً لاستعمال السلطة.
وتابعت المؤسسة إن الواقعة أدت إلى وفاة إنسان جراء التعذيب نتيجةً للواقعة المشار إليها آنفاً، مضيفة لكون الواقعة تُمثل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان والمواطنة ولسيادة القانون والعدالة، التي تكفل حماية المواطنين وسلامتهم الشخصية.
وقالت «إن ما تعرض له الضحية من تعذيب جسدي ونفسي والاختطاف والاحتجاز التعسفي الخارج عن القانون لحريته والذي أدى إلى وفاته، يُشكل أيضاً جريمة القتل العمد التي يُعاقب عليها القانون، وانتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان طبقاً لما نص عليه القانون رقم (10) لسنة 2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز، كما يُمثل إساءة لاستعمال السلطة من قبل عناصر أمن معنيين بإنفاذ القانون طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية الليبي، ووفقاً لتعليمات النيابة العامة، وضمان احترام آدمية وكرامة الإنسان أثناء القيام بعمليات الضبط والإحضار والتحقيق والتوقيف المؤقت لدى الأجهزة الأمنية والوحدات الأمنية، ومراكز الشرطة». وأردفت أن هذه الأفعال والمُمارسات تعد ضرباً من ضروب المُعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة وفقٍ ما أقرته الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة الصادرة سنة 1984 والتي صادقت عليها وانضمّت إليها دولة ليبيا في سنة 1989.
وفي هذا الإطار، طالبت المُؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، مكتب النائب العام ومكتب المدعي العام العسكري بفتح تحقيق شامل في ملابسات واقعة التعذيب الجسدي المبرح للسجناء والمعتقلين تعسفياً بسجن قرنادة الكائن ببلدية شحات شرق البلاد، واستجلاء كامل المعلومات والأدلة والظروف المتعلقة بالواقعة، واتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة ضد المتهمين بارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بحق هؤلاء السجناء والمعتقلين، بما يكفل حق الضحية والمتضررين في الوصول إلى العدالة، وإنصافهم من خلال ضمان ملاحقة المتهمين في ارتكاب هذه الجرائم البشعة، وتقديمهم إلى العدالة ومحاسبتهم، وإنزال أشد العقوبات على المتهمين فيها بما يكفل إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم والانتهاكات الجسيمة الماسَّة بحقوق الإنسان.
وفي أواخر عام 2023 عبرت منظمات رصد الجرائم في ليبيا ومركز مدافع لحقوق الإنسان، عن بالغ قلقها إزاء عدم إصدار السلطات الليبية لأيّ بيانات رسمية حول مصير وأوضاع المئات من السجناء والمحتجزين في مجمع سجون قرنادة، بالإضافة إلى عدم السماح للمحتجزين بالتواصل مع عائلاتهم خارج السجن لمعرفة مصيرهم.
وطالبت المنظمات بالكشف الفوري عن أوضاع المحتجزين وحجم الضرر الذي تعرّضوا له، والإجراءات التي اتّخذتها السلطات للحفاظ على سلامتهم وتقديم الرعاية الطبية والنفسية والإغاثة الإنسانية اللازمة للسجناء المتضرّرين. بالإضافة إلى ذلك، طالبت المنظمات السلطات السماح بالزيارات العائلية للمحتجزين والاتّصال بذويهم لطمأنتهم، وكذلك ضمان حقّهم في معرفة مصير عائلاتهم بالخارج ومدى تأثّرهم بالإعصار.
كما طالبت بإخلاء سبيل المحتجزين على ذمّة جرائم غير معترف بها دوليًا، مثل الأشخاص المحتجزين بسبب ممارسة حقّهم في حرية الرأي والتعبير بشكل سلمي، أو هؤلاء المحتجزين تعسّفيًا بطريقة غير متّفقة مع إجراءات المحاكمة العادلة.
ودعت المنظمات السلطات في شرق ليبيا بالسماح للمنظّمات الحقوقية الليبية المستقلّة وبعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا، بزيارة مجمع سجون قرنادة والاطّلاع على أوضاع المحتجزين للتأكّد من سلامتهم والعمل على تقييم الظروف المعيشية والمعاملة التي يلقونها.
وأكدت أهميّة احترام حقوق المحتجزين وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وطالبت السلطات بالتعامل بشفافية كاملة مع الرأي العام المحلي والدولي، وتحمّل المسؤولية الكاملة تجاههم. كما دعت المجتمع الدولي إلى إيلاء المحتجزين في سجون قرنادة الاهتمام اللازم باعتبارهم ضحايا أو متضرّرين محتملين من كارثة الإعصار دانيال، وتقديم الدعم والمساعدة اللازمة لهم ولعائلاتهم في هذه المحنة.
تعليقات الزوار
لا تعليقات