أثار حديث رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى أن بلاده ستدخل فيما يسمى اقتصاد الحرب، إذا اندلعت حرب إقليمية في المنطقة، ردود فعل واسعة، اعتبرت الكلام تمهيد لموجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع، فيما انتقد آخرون أن يأتي هذا التصريح في وقت تتمسك فيه القاهرة بخيار السلام مع الاحتلال الإسرائيلي رغم المجازر التي يرتكبها واحتلاله المحور الحدودي في قطاع غزة في انتهاك واضح لاتفاقية السلام الموقعة عام 1979.
إجراءات الترشيد
وكان مدبولي، قد قال، إنه في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد، وإن حال اندلاع حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب.
وأضاف: “خلال أسبوع فقط زاد سعر برميل النفط 10 ٪، وهذا يضع مزيدا من الأعباء على الدولة المصرية، والمنطقة تمر بظروف استثنائية والمعطيات تتغير كل يوم وفي حالة عدم يقين شديدة وهذا يتطلب سياسات مختلفة للتعامل”.
ولفت إلى أن “احتياطيات مصر من القمح تكفي 5 أشهر ونصف الشهر، وأن موسم حصاد القمح في أبريل/ نيسان من كل عام”، مؤكدا أنه أصدر تكليفات لوزراء المالية والكهرباء والبترول لضمان توفر الخدمات والسلع في ظل الظروف الحالية.
وأكد أن حكومته تعمل على تحسين مناخ الاستثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأن بلاد ستجذب استثمارات أجنبية مباشرة قد تصل إلى 675 مليون دولار في غضون أسابيع من بيع رخص الجيل الخامس لمشغلي خدمات الاتصالات.
وكشف عن أن صندوق النقد الدولي، طلب تأجيل مراجعته لبرنامج مصر لما بعد اجتماعاته السنوية.
9 ملايين مهاجر
وتحدث مدبولي، عن أن مصر استضافت أكثر من 9 ملايين مهاجر، مشدداً على أهمية التعاون في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة. وفي هذا السياق، أشار إلى أن مصر تنسق إقليمياً ودولياً لوقف “الهجرة غير الشرعية”.
وعبر في كلمته الخميس خلال إطلاق خطة العمل الوطنية الرابعة لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية (2024 -2026)، التي تنبثق عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية، عن توقعه باحترام القوانين والترتيبات التي تقنن أوضاع الأجانب في البلاد. كما دعا إلى ضرورة الحصول على دعم سريع وملموس من المجتمع الدولي لاستمرار جهود مصر في هذا المجال.
وأضاف أن أحد الجوانب الأساسية في الخطط الجديدة هو التركيز على حماية حقوق المهاجرين وضمان كرامتهم، مشددا على أن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية يجب أن تتم بطريقة تحترم حقوق الإنسان وتلتزم بالقوانين والمواثيق الدولية.
وأكد أن الخطة تضع حماية المهاجرين، وخاصة الفئات المستضعفة مثل النساء والأطفال، على رأس أولوياتها، وتتضمن التزامًا بتوفير الحماية والرعاية اللازمة لهم.
وأوضح أن تحقيق أهداف هذه الخطة يتطلب تضافر جهود كافة الأطراف، بما في ذلك الحكومة، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، بالإضافة إلى الدعم المستمر من الشركاء الدوليين. مشددا على ما وصفه بـ”الدور الحيوي” الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلى أن القطاع يمثل ركيزة أساسية لدعم الاقتصاد الوطني من خلال توفير فرص بديلة للشباب الذين قد يعتبرون الهجرة غير الشرعية خياراً وحيداً.
وبين أن توفير فرص العمل الكريم، وتدريب الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، يعد جزءًا لا يتجزأ من الحلول المستدامة لمشكلة الهجرة غير الشرعية.
ودعا جميع الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، إلى القيام بدورها الكامل في هذا المجال، من خلال تقديم برامج تدريبية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بما يعزز من فرص التنمية ويوفر بدائل حقيقية للشباب.
كما دعا القطاع الخاص ليكون شريكا فعالا في تنفيذ المشروعات التنموية التي تعزز النمو الاقتصادي في المناطق التي تعاني من ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية. من خلال توفير فرص العمل ودعم رواد الأعمال، يمكن تحسين أوضاع المجتمعات المحلية والحد من الدوافع الاقتصادية للهجرة. بهذا الشكل، يصبح القطاع الخاص شريكًا رئيسيًا في تحقيق أهداف مصر الوطنية في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مما يعزز دوره كقوة دافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في حين، قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، إن الدولة تعمل على مواجهة كل السيناريوهات ومجابهة التطورات السلبية الناتجة عن الأحداث في المنطقة، مشددا على أن الحكومة المصرية لديها خطة قوية لمواجهة أي تداعيات سلبية في حالة تصاعد الصراع في المنطقة.
وأضاف في تصريحات متلفزة: يجري العمل على توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين من خلال مخزون احتياطي استراتيجي قوي.
واعتبر أن المقصود بمفهوم “اقتصاد الحرب” الذي تحدث عنه رئيس الوزراء في المؤتمر، هو إجراءات استثنائية على المستوى الاقتصادي، يجري اتخاذها في حالة نقص سلاسل الإمداد في حالة حدوث حرب إقليمية في المنطقة، ومنها على سبيل المثال خطة تعامل الدولة مع نقص السلع الغذائية أثناء جائحة كورونا الأخيرة، مؤكداً أنه يجري العمل بشكل مستمر على توفير الموارد اللازمة لتوليد الطاقة، كما أنه جرى وضع خطة طوارئ للتعامل مع أي أزمة في المنطقة، معقباً: “لدينا خطة للتعامل مع كل الأمور، ونعمل على مواجهة أسوأ السيناريوهات في حالة حدوث مشاكل كبيرة في العالم والمنطقة”.
وانتقد مصريون تصريح رئيس الوزراء، وفيما سخر البعض من تمسك مصر بالسلام مع الاحتلال في وقت يتحدث رئيس الوزراء عن “اقتصاد الحرب”، أكد آخرون أن هذا التصريح سيؤثر بشكل سلبي على اقتصاد البلاد الذي يسعى لجذب المزيد من الاستثمار.
وكتب محمد بصل على صفحته على “فيسبوك”: “لا أفهم كيف تؤتي تصريحات الحكومة وإجراءاتها المعنية بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر من جهة ومساعيها لخفض معدلات التضخم والسيطرة على الأسعار من جهة أخرى، أي ثمار مرجوة، بالتوازي مع تصريحات أخرى كالتي أدلى بها رئيس الوزراء أمس عن احتمالية التعامل مع اقتصاد حرب واللجوء إلى إجراءات استثنائية جديدة.”
وأضاف: “رئيس الوزراء نفسه قبل أيام معدودة كان يقول إن الدولة تستهدف أن يتجاوز حجم الاستثمار الأجنبي المباشر 20 مليار دولار سنويا، وأنه لا بديل عن الاهتمام بجذب هذا النوع من الاستثمارات، لضمان رفع معدلات التشغيل والصادرات وحركة التدفقات النقدية، وبالتالي زيادة النمو”.
وزاد: “الغريب أن تلك التصريحات تأتي بعد ساعات من خطاب رئيس البلاد الذي تحدث فيه بوضوح عن أن السلام خيار استراتيجي ودائم لمصر. مفهوم أن رئيس الوزراء كان يتحدث عن آثار حرب إقليمية محتملة وليس عن مشاركة مصر في أي حرب، ولكن من غير المنطقي تقديم هذه السيناريوهات الآن في وقت تكاد تكون فيه مصر الدولة الأقل عرضة لأي تهديدات مباشرة من جميع أطراف الحرب الحالية، بالمقارنة حتى مع دول الخليج”.
وزاد: “أي أن الدولة من وجهة نظر نفعية بحتة وعلى ضوء الحديث عن موقفها الثابت من السلام، يجب أن تضمن للمواطنين تحسنا ملموسا، وأن تستثمر دعائيا في هذه الحالة لأن أي وعود أو بشارات زفّها المسئولون مؤخرا لا شك أنها تزعزعت بمجرد الحديث عن اقتصاد الحرب والقيود على الحركة والاستيراد والإجراءات الاستثنائية المحتملة الأخرى”.
وتابع: “هل كان الكلام محسوبا كما ينبغي؟ لا أظن، وليس من الحصافة أن يرد أحد على مخاوف الناس، مواطنين ومستثمرين محليين وأجانب، بالقول المعتاد تصريحات مجتزأة والسياق الكامل به كلام إيجابي، لأن هذا يعني ببساطة عدم إدراك طبيعة تلقي العقل البشري للرسائل الإعلامية المختلطة في أوقات حساسة، خاصةً وأن سوابق الحكومة في إطلاق مثل تلك التصريحات كانت -غالبا- مقدمات لقرارات خطيرة ذات تأثير واسع”.
وختم: “أما إذا كان التمهيد لقرارات صعبة هو الهدف من تصريحات مدبولي من دون النظر لخطورة ذلك وتأثيره السريع المحتمل على مقدّرات المواطنين وحركة السوق وتداول السلع الأساسية والاستهلاكية وتوافرها وأسعارها وأسعار الذهب والعقار وجذب الاستثمارات وطمأنة رأس المال، فالمصيبة أعظم.”
وعود فارغة
فيما كتب مدحت سليمان: “الكارثة الكبرى في حديث مدبولي عن اقتصاد حرب ليست في التصريح ذاته، فكل شعوب العالم تتعايش وسط أجواء الحرب وتساند دولتها، لكن الكارثة هنا أن مدبولي لا يعرف أن الشعب المصري يعيش اقتصاد حرب منذ 2011 ولم يجد خلال السنوات الماضية غير وعود فارغة تتحدث عن تحسن في السنة التالية، وكل سنة تكون أسوأ من سابقتها وتتضاعف الأسعار بشكل أكبر من الدول التي تعاني الحروب نفسها”.
وأضاف: “أصبح لدي يقين أنه لو جرت حرب في بوركينا فاسو فسيعزي رئيس الوزراء إخفاقه إلى الحرب هناك، وهكذا أصبح الإخفاق له ألف مبرر”.
أما أحمد عبد المقصود فقدد كتب على “فيسبوك”: “أسوأ تصريح ويعتبر تصريحا كارثيا للاقتصاد أن يصرح رئيس الوزراء أن الأمور قد تتطور في المنطقة وأننا قد ندخل في اقتصاد حرب، وبدون شرح التفاصيل هذا التصريح رصاصة انطلقت ولا يمكن أن تعود وستصيب ما تصيب في الاقتصاد خاصة الأسعار والاستثمار”.
وتشهد مصر أزمة اقتصادية منذ سنوات أدت إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدل الديون الخارجية، واتجاه الحكومة لبيع أصول الدولة في إطار برنامج إصلاح اقتصادي مقابل الحصول على قرض قيمته 9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، في وقت تتهم فيه المعارضة نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتسبب في الأزمة التي أثرت على قدرة المواطنين في توفير احتياجاتهم، من خلال تبني سياسات اقتصادية تعتمد على الاستدانة والإنفاق على مشروعات ليست ذات جدوى مثل العاصمة الإدارية الجديدة وقطار المونوريل.
تعليقات الزوار
لا تعليقات