ألقى الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن محاضرة في معهد التفكر الإسلامي في أنقرة، ضمن سلسلة من المحاضرات، واستهلها بمفهومه «للشر المطلق»، وفسر «المرابطة الفلسطينية» والغزاوية خاصة، مدافعا عن كون المقاومة الغزاوية خاصة، والفلسطينية عامة، تجدد القيم الإنسانية وتحرر الإنسان في مختلف أنحاء العالم من القيود التي بسطها على فكره وفطرته «الشر المطلق».
وتابع المحاضر: «لم يخطر في بالنا آنذاك عقد مقارنة علمية بين «الشر المطلق» و»الشر الأقصى»، الذي سبق استخدامه من فلاسفة؛ لكن وقد وقع الآن «ما كنا نستشعر من ظلم ومآس وجبت «المرابطة الفكرية»، وبات لزاما علينا هذه المقارنة».
وكشف: «لقد استخدم الفيلسوف الألماني كانط في القرن الثامن عشر مفهوم «الشر الجذري» و»الشر المتجذر»، واستخدمت حنة أرانت الفيلسوفة الأمريكية من أصل ألماني مفهوم «الشر الابتذالي» أو «الشر المبتذل».
وأوضح أن مفهوم «الشر المطلق» أقوى من «الشر المبتذل» و»الشر المتجذر»؛ وهو الصفة الأقصى للشر».
وقال طه إن «المرابط الفلسطيني» المتمثل في «المرابط الغزاوي»، نسبة إلى غزة الفلسطينية؛ هو الإنسان العالمي، وإيذاؤه إيذاء للعالم كله (…) هو اختير من بين البشر كلهم، لتكون له مهمتان تشملان الإنسانية جمعاء، لتجديد القيم للإنسانية، وتحرير الإنسان في العالم».
وأكد أن: «أرض فلسطين تجمعت وتجذرت فيها أسباب القداسة؛ والغزاوي يتحرك اليوم في مجال الكمالات الإلهية، لا النقصانات الإنسانية (…) وزمن المرابط الفلسطيني غير زمان غيره، فذاكرة فلسطين قد اتصلت وتداخلت فيها الآثار الروحية (…) ولا أثر روحيا بغير قيمة، ولا قيمة بغير كمال (…) ومهما أصيب وابتلي وما وقع له من الشر المطلق، فإن الإنسان الكامل اليوم هو الإنسان الغزاوي، وقدرته على التأثير تجعله ينسى ذاته، ولو ذكر بحقها عليه، وهذا سر كونه في خدمة أخيه الإنسان، لتذكره الميثاق الأول: ألست بربكم، ميثاق الربوبية والوحدانية».
ووفق قراءة طه عبد الرحمن، «تلبس بهذا الميثاق، ميثاق الإشهاد، كأنه في رباطه ساجد أمام ربه»، ومن هذا الكمال يستمد الغزاوي قيما جديدة، فمن ينكر أن الصمود الذي زانه بما لم يزن غيره، قيمة تولى هو تجديدها، فبلغت من التأثير درجة أن ينسب إليها انتصاره على عدوه، وصل قيمة الصمود بالكمال الصمدي والصمد عز وجل، والأمر ليس بيده، بل اختير لتلهمه الكمالات الإلهية».
وزاد: «للفلسطيني حريتان: حرية أصلية، وحرية موافقة إرادته لإرادة ربه؛ أي قبول الأمانة، أن يتصرف ويأتي من الأفعال ما يرضي الله ويوافق إرادته، الأولى حرية الاختيار والثانية حرية الامتثال (…)؛ لا يجاهد ليحرر الإنسان من جهة موافقة إرادته إرادة ربه، بل من جهة الحرية الأصلية حتى ولو لم توافق إرادته إرادة ربه، فهو يحرر الإنسان في الاختيار الأول الذي أعطاه الله للإنسان».
وبالتالي، «الحرية التي يدافع عنها في غزة، الحرية الأصلية، والفلسطيني يحمل لواء تحرير الإنسان أي رد الحرية الأصلية إليه (…) وإيذاء الفلسطيني الغزاوي وهو نموذج الإنسان، وفي إيذائه إيذاء العالم، وجوانب هذا الإيذاء المادية مشهودة رأينا منها ما لا يطاق، لكن هذا الإيذاء أبعد؛ «الإبادة الجذرية» (لا الإبادة الجماعية، كما سار الاصطلاح)، وتتمثل في (السعي إلى) إبادة الفطرة عند الفلسطيني، وإبادة الأمانة عنده، وإبادة المواثقة»؛ لأن «الغاية الحقيقية هي الإبادة الجذرية، لا مجرد هدف (هدم) العمارات… فهذه وسائل، وعند (الشر المطلق) كل الوسائل تبرر الغاية».
ودعا إلى «التصدي الأكبر» لـ»الشر المطلق»، باسطا مسلمات التصدي، ومبتدؤها أنه «لا بد أن يكون التصدي الأكبر عالميا، بالتتلمذ على الغزاوي والفلسطيني في تصديه للشر المطلق، من حيث القيم التي يبثها في تصديه، والأصل القيم لا المظاهر».
وقدم المحاضر مثالا برئيس وزراء إسرائيل وخطابه في الكونغرس الأمريكي: «إنه يكذب كذبا مطلقا والآخرون يصفقون، هل بقي إدراك للشر والخير؟! لم يبق أي إدراك للشر والخير (…) ويتعين ملازمة أحداث فاصلة وقضايا مصيرية يواجه فيها الشر المطلق بكل قوة، والمرابطة فيها لإحداث ثغرات تهز كيانه».
وقدر طه عبد الرحمن «العالم الآن كله غزة، لأن حاجته إلى التفكر لا تقل عن حاجتها إليه؛ فالشر المطلق يحاصر العالم، ويعتقله كما اعتقلت غزة، لكن باعتقال خفي لا اعتقال ظاهر، والدليل هو أن الإرادات في الزعامات عطلت (…) ولم تعد تثيرها المفاسد الوحشية، وجمدت العقول في مثقفي العالم وعلمائه ومفكريه، فلم تعد تستفزها إبادته الجذرية. والحاكم ليس الظاهر، بل الخفي، واعتقالنا ظاهر وليس باطنا، وقوة الغزاويين أن ظاهرهم معتقل وباطنهم غير معتقل، إنما أولئك (غير الغزاويين والمتتلمذين عليهم) باطنهم معتقل وظاهرهم معتقل أيضا».
تعليقات الزوار
لا تعليقات