لا يزال الجدل قائما حول رواية "هوارية" للكاتبة والمترجمة الجزائرية إنعام بيوض رغم مرور أسبوع على إعلان فوزها بجائزة ''آسيا جبار'' في دورتها السابعة للعام 2024، حيث تعرضت لانتقادات لاذعة من البعض بسبب استخدام الكاتبة اللهجة العامية المحلية في الجزائر وألفاظ اعتبرها نقاد ومتابعون "غير أخلاقية"، بينما رأى آخرون في أحداث الرواية "إهانة" لسكان منطقة وهران التي تنحدر منها البطلة.
وأكد بعض النشطاء أن الروائية نقلت صورة حقيقية للواقع وقدمت نوعا من الحرية الفكرية المتاحة للمفكرين والأدباء في عمل أدبي سافرت فيه بخيالها بعيدا.
وإنعام بيوض هي أكاديمية ومترجمة وروائية وشاعرة جزائرية، اشتغلت بتدريس الترجمة بشقيها التحريري والشفوي لأكثر من عشرين سنة في الجامعات الجزائرية، ولها عدة إصدارات أهمها في العام 2003 "الترجمة الأدبية: مشاكل وحلول" وروايتها "السمك لا يبالي" وديوانها "رسائل لم ترسل". كما عُينت عضوة في المجلس الاستشاري لتقرير المعرفة التابع لبرنامج الأمم المتحدة، وتشغل حاليا منصب مدير عام المعهد العالي العربي للترجمة بالجزائر التابع لجامعة الدول العربية.
واستنكر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر وخارجها في الدول العربية تضمن الرواية عبارات "خادشة" و"سوقية".
وقال فاروق عراب في تدوينة إن "الرواية لا تستحق الانتساب إلى الأدب... لا تستطيع قراءتها بينك وبين نفسك...الفاظ حتى أسواقنا بدأت تخلو منها...لست افهم ما تقدمه هذه الرواية من اضافة الى المجتمع...غير السفور والجرأة أكثر على الفواحش ما ظهر منها وما بطن..."، مضيفا "ستبقى وصمة عار على جبين الادب الجزائري ونقطة سوداء على صفحة الأدب الجزائري."
بدوره قال إدريس يعقوب على منصة اكس "أتمنى أن لا تترجم إلى فيلم جزائري حتى لا ندخل تاريخ الإباحية من الباب الواسع".
وتسرد الرواية معاناة البطلة مع ظروف الحياة القاسية في المدينة الجزائرية وهران الشعبية خلال "العشرية السوداء" (1990 - 2000) والتي دفعتها لدخول عالم الدعارة. كما تصف الكاتبة في جزء آخر من روايتها المدينة الجميلة المليئة بالتناقضات، والتي تختزن ثقافة شعبية هامة.
ونقلا عن وسائل إعلام محلية قالت الكاتبة إنها أرادت من خلال رواية "هوارية" أن "تنقل صورة وواقع الناس البسطاء الذين لا يملكون هوية تعطيهم وجودا". وأوضحت أنها "اختارت مدينة وهران حتى تنقل صورة مبهجة عنها في السنوات التي سبقت العشرية السوداء".
ويقول الكاتب بوجمعة بلقليل في تدوينة على صفحته على فيسبوك "كتب الكثير من النقاد وأشباه النقاد كلاما عن امتعاضهم من بعض المقاطع الإباحية في الرواية. حيث يخيل لقارئ تلك التعليقات أن شيئا آخر لا يوجد في هذه الرواية غير تلك المقاطع الإباحية. وكأنها أول رواية جزائرية توظف هذا البعد الجنسي"، مشيرا الى اعمال أدبية أخرى لروائيين جزائريين تضمنت بدورها عبارات اباحية لكنها لم تلقى نفس الحدة في ردود الفعل.
وأضاف "تتعرض الأعمال الجديدة للنقد اللاذع والاحتقار ويتم نعتها بأنها أساءت للتراث الروائي الجزائري "العريق". الأمر يشبه ما يحدث مع فن الراي حيث يتحسر الجميع على ما وصل إليه الراي من انحطاط وقلة أخلاق وكأن هذا الفن في عز ازدهاره كان أخلاقيا."
وأكد أن ما تثيره رواية إنعام بيوض من جدل هو حالة صحية، مضيفا "وهو حالة إشهارية نادرة في هذا الزمن للنص الروائي الذي يكاد ينقرض. كما أنه آشهار مهم لجائزة آسيا جبار. ولا يستبعد أن يكون هذا المحتوى الإباحي هو سبب رئيس من أسباب فوز هذه الرواية."
وفي ظل هذا الجدل الكبير الذي اثارته الرواية، أعلنت دار"ميم" للنشر والتي صدر عنها الكتاب إغلاق أبوابها والانسحاب نهائيا من القطاع.
وجاء في بيان نشر الثلاثاء على الصفحة الرسمية لدار النشر على فايسبوك "نعلن في هذا اليوم انسحابنا من النشر، تاركين الجمل بما حمل كما فعلنا دوما، نعلن أن ميم أغلقت أبوابها منذ اللحظة في وجه الريح، وفي وجه النار... لم نكن إلا دعاة سلم ومحبة ولم نسع لغير نشر ذلك، حافظوا على البلاد من التشتت وحافظوا على الكتاب لأن شعبا يقرأ ...شعب لا يستعبد ولا يجوع.. سلام للجميع وليهنأ البقية".
وواجهت الدار منذ نشر الكتاب ضغوطات كبيرة من بعض الجهات المحافظة التي اعتبرت محتوى الرواية غير ملائم ويتجاوز الحدود المقبولة.
وقوبل هذا القرار بالكثير من التعاطف والتنديد بالتضييق على حرية التعبير وعلى المثقفين في الدول العربية.
وقالت الناشطة هيلان الماجري على صفحتها على فيسبوك "من المؤسف إنه في سنة 2024، وعقل القارئ العربي لا يعتقد في أن الأدب حر من كل تقاليد اجتماعية وأعراف "دينية" وأن الكلمة الأدبية تتجاوز أي إطار وتصنيف ولا تخضع لثنائية الحلال والحرام، ومن المحزن أن حملةً تُشن على رواية فتدفع بصاحبة دار النشر إلى الإعلان عن غلقها."
ودعت صاحبة دار ميم إلى التراجع عن قرارها وأن تكون أرجح عقلا وأكثر عقلانية من "حماة الدين والشرف".
تعليقات الزوار
لا تعليقات