بينما يتم استقبال الرئيس التونسي في باريس، عبّرت الكاتبة والباحثة التونسية سمية الغنوشي، ابنة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، المسجون حاليا، في مقال بصحيفة “لوموند” عن استيائها من الاستقبال الذي لقيه قيس سعيد، الذي وصفته بأنه “ديكتاتور جديد”، في أوروبا.
وقالت سمية الغنوشي إن رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني بقيت يوم الثلاثاء السادس من يونيو الجاري، لبضع ساعات، في تونس لمقابلة “الدكتاتور” قيس سعيد. بعد حوالي أسبوع، عادت رئيسة الوزراء الإيطالي اليمينية المتطرفة، ومعها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته.
واليوم- تضيف الكاتبة-، هاهو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقيل “الديكتاتور التونسي الجديد” بأذرع مفتوحة (بمناسبة قمة باريس لاتفاق مالي جديد يومي الخميس 22 يونيو والجمعة 23 يونيو). في غضون ذلك، تغرق تونس في هاوية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتداخلة.
في أوائل يونيو الجاري، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني طويل الأمد لمصدر العملة الأجنبية في تونس من CCC + إلى CCC-، مما يشير إلى انحدارها الكارثي نحو الإفلاس. لكن هذه التحذيرات ليست ذات أهمية كبيرة لقيس سعيد، المنشغل بتجميع الصلاحيات لنفسه، تقول سمية الغنوشي.
الخطاب الشعبوي
وتتابع الكاتبة القول إنه بعد عامين من إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان بشكل غير قانوني وصياغة دستور جديد مفصل، يبدو أن سعيد يسير على الطريق الصحيح لاستبدال التحول الديمقراطي الذي منحه الوصول إلى السلطة باستعادة الديكتاتورية. يُضعف مؤسسات سيادة القانون، مثل القضاء، الذي بات يستغله في مواجهة خصومه ومعارضيه السياسيين. يتم استخدام قانون جديد للجرائم الإلكترونية وقوانين مكافحة الإرهاب لقمع الأصوات الحرة للصحافيين والمحامين والنشطاء وحتى المواطنين العاديين.
واعتبرت سمية الغنوشي أن ردّ النظام التونسي الوحيد على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة هو الانخراط في خطاب شعبوي قائم على صراع مزدوج بين “الشعب” والعديد من الأعداء، داخليين أو خارجيين، سواء كانوا من النخب السياسية والنقابات العمالية أو المهاجرين أو المؤسسات المالية الدولية.
وتابعت الكاتبة القول إن المزيد من التونسيين يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. حوالي 80% منهم قاطعوا الاستشارة العامة حول الدستور الجديد الذي اقترحه قيس سعيد، والذي صاغه بمفرده ليحل محل دستور 2014 – والذي قبله أكثر من 90% من نواب الشعب. أما الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر عام 2022، فقد شارك فيها 11% فقط من التونسيين، رافضين خلو البرلمان من أي سلطة رقابية.
وقالت الكاتبة إن القادة الأوروبيين لم يأتوا لتونس للحديث عن انجراف مضيفهم ضد المؤسسات الديمقراطية في بلاده تونس، ولا المحاكمات السياسية أو المعارضين الذين زج بهم في السجون. كان البند الوحيد على جدول الأعمال هو الهجرة، التي تعد صداع أوروبا المزمن، حيث عُرض على قيس سعيد مبلغ حوالي مائة مليون يورو مقابل تحويل بلاده إلى مركز احتجاز ضخم لشعبه والمهاجرين الأفارقة الذين يمرون عبره.
بعبارة أخرى- تضيف الكاتبة-، لم تؤيد أوروبا سوى نهج اليمين المتطرف تجاه تونس، طالما أن حاكمها المستبد يُبقى قوارب المهاجرين بعيدة، يمكنه أن يفعل ما يشاء باسم السيادة الوطنية.
ومضت ابنة زعيم النهضة قائلة، في مقالها هذا بصحيفة “لوموند” إن الغضب الشعبي ملموس، وإن هناك وتصورا متنامٍ بأن تجاوزات سعيد الاستبدادية لم تؤد إلا إلى تفاقم الأزمات دون معالجتها بجدية على الإطلاق، على الرغم من تركيز كل السلطة بين يديه.
يستجيب النظام للنقد والغضب الشعبي من خلال تصعيد القمع والترهيب، مما يعني أن الترويح الديمقراطي الذي دام عقدًا من الزمن سينتهي. يتم تعبئة موارد الدولة من أجل مراقبة الشبكات الاجتماعية واضطهاد أي صوت من شأنه أن ينتقد السلطة. يواجه الديمقراطيون التونسيون حملة واسعة من الاعتقالات التعسفية والمحاكمات ذات الدوافع السياسية والشيطنة والتهديدات، وفق الكاتبة دائماً.
واعتبرت سمية الغنوشي أن الحكم على والدها راشد الغنوشي بالسجن لمدة عام واعتقال العديد من القادة السياسيين ونشطاء المجتمع المدني هو دليل على استغلال السلطات لقانون مكافحة الإرهاب لتشويه سمعة أي صوت معارض والقضاء عليه.
الاضطهاد السياسي
وأضافت أنه على الرغم من هذا القمع المتزايد، فإن الأصوات المنتقدة لما وصفته بالانقلاب المناهض للديمقراطية تسمع على نحو متزايد، متحدية قوانين الطوارئ وكذلك الدولة البوليسية والأمنية التي تقضي على مكاسب الحرية التي عرفها التونسيون منذ الثورة.
فلن يتمكن القمع من القضاء على السعي المشروع إلى الحرية والعمل من أجل عودة حكم القانون في تونس، بل إنه يقوي فقط آليات مقاومة الظلم ويجمع المدافعين عن الديمقراطية في تونس وغيرها، تقول الكاتبة، معتبرة أن الخط الفاصل الرئيسي اليوم هو بين أولئك الذين يدعمون استعادة الديكتاتورية وأولئك الذين يعملون من أجل عودة الديمقراطية – معسكر متنوع وواسع.
كما اعتبرت سمية الغنوشي أن التهم الموجهة إلى المعارضة لا أساس لها من الصحة وتصل إلى حد الاضطهاد السياسي. لا ينخدع أحد بالمنطق الازدواجي لقيس سعيد، الذي يكشف عن وجهه الاستبدادي الحقيقي المناهض للديمقراطية.. ويقود البلاد إلى مسارات رجعية تعيد إحياء أخطر دوافع المجتمع من خلال إطلاق خطاب الكراهية الذي يسعى إلى تقسيم المجتمع إلى “وطنيين” و”خونة”.
وأشارت الكاتبة إلى أن حوالي 200 ألف من العلماء والمفكرين الأجانب وأساتذة القانون التونسيين نشروا رسائل مفتوحة لدعم الديمقراطيين. وطالب الموقعون على هذه العرائض بالإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، والعودة إلى العقل، وسيادة القانون والديمقراطية.
واعتبرت سمية الغنوشي أنه إذا كان هناك درس واحد يمكن تعلمه من “الربيع العربي”، فهو أن الطغاة الذين يحبون أن استعراض عضلاتهم على شعبهم، هم نمور من ورق، والاستقرار الذي يدعون أنهم يجلبونه ليس سوى قشرة هشة يطبعها الكثير من العنف والقمع، ووصفة للانفجارات والفوضى، وللبؤس واليأس، ولعدد أكبر من المهاجرين.
تعليقات الزوار
لا تعليقات