تمثل التحركات الاحتجاجية للاتحاد العام التونسي بعدد من المحافظات السبت حلقة جديدة من التصعيد ضد الرئيس قيس سعيد، في معركة يخوضها بدلا عن الأحزاب، في مسعى لاستثمار حملة الايقافات لتحقيق مآرب سياسية واستباقا لما قد تشهده الأيام المقبلة من اتهامات قد توجه إلى شخصيات نقابية أخرى.
وتأتي هذه التحركات الاحتجاجية مع كشف الرئيس قيس سعيد عن دوافع حملة الايقافات الأمنية التي طالت عددا من السياسيين ورجل أعمال وكوادر أمنية وغيرها بأنها تتعلق بالاستيلاء على مبالغ ضخمة، مؤكدا أنهم تسببوا بإفلاس مصارف.
وقال سعيد خلال اجتماعه بوزير الداخلية توفيق شرف الدين وقيادات أمنية، في قصر قرطاج بالعاصمة تونس مساء الجمعة إن حرية التعبير مضمونة ولا وجود لعلاقة إطلاقا بين هذه الايقافات وحرية التعبير، بل بالتآمر والفساد وبالاستيلاء على أموال ضخمة من مؤسسات مصرفية وُزّعت خارج كل إطار قانوني وأدّت إلى الإعلان عن إفلاس بعضها.
وأشار سعيد إلى أن من يدّعي أن حرية التعبير مهدّدة، فإمّا أنه لا يعلم حقيقة الملفات، وإما أنه يتجاهلها للإساءة لبلده ووطنه ويرفض المحاسبة التي ينادي بها الشعب.
وأكد أنه تمّ احترام جميع الإجراءات بالرغم من أن البعض يبحث في الإجراءات عن أحكام للهروب من المساءلة والمحاسبة كمن ادّعى المرض وتظاهر بالجنون حين طالته يد القضاء في إشارة على ما يبدو إلى نورالدين البحيري القيادي في حركة النهضة الإسلامية الذي تم سجنه من أجل تهم تعلّقت بالاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة.
ونوّه رئيس الجمهورية في هذا الاجتماع بالدور التاريخي الذي تقوم به الفرق المتعهّدة بالبحث، كما شدّد على أنه لا عذر لأحد اليوم في أن يُخيّب المطلب المشروع للشعب في العدل والمحاسبة.
وأمرت النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب الجمعة، بالتمديد في الاحتفاظ لفترة ثانية مدّتها خمسة أيّام إضافية بالموقوفين على ذمّة الأبحاث المتعلقة بشبهات تكوين وفاق بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي وتدبير الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة.
ومن بين الموقوفين المحتفظ بهم الناشط السياسي خيام التركي والمحامي والوزير الأسبق الأزهر العكرمي والقيادي بحركة النهضة عبدالحميد الجلاصي ورجل الأعمال ذو النفوذ الواسع كمال لطيّف وغيرهم.
ويرى مراقبون أن التحركات الاحتجاجية تأتي كمحاولة من المنظمة النقابية استغلال الضغط المسلط على الرئيس سعيد، لانتزاع مكاسب منه، في ظل تهميشه من المشهد السياسي بعد الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن تصعيد الاتحاد، بالتزامن مع حملة الايقافات قد تعكس ارتباكا داخليا ومخاوف من تطال هذه الايقافات شخصيات أخرى بالمنظمة النقابية، بعد ألقت الشرطة الشهر الماضي القبض على نقابي بارز بسبب إضراب لعمال تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، كما يواجه عدد من كبار مسؤولي النقل الآخرين في النقابة استجوابات.
وأعلن الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري، أن جملة من التحركات ستنتظم، اليوم السبت، في عدد من الجهات (صفاقس- المنستير - نابل- جندوبة - القصرين- بنزرت) للتعبير عن الغضب من تردي الأوضاع الاجتماعية ودفاعا عن الاتحاد أمام الهجمة التي طالت عددا من النقابيين وعزل عدد منهم، والمضايقات في العمل النقابي وضرب الحوار، ومن أجل الحصول على دعم من المنظمات الوطنية في مبادرة الحوار الوطني وإعطائها قوة أمام انغلاق السلطة ورفضها لأي تشاور.
كما ستأتي للتنديد بتراجع الحكومة عن اتفاقياتها وللدفاع عن حرية العمل النقابي، رافعا بذلك راية التحدي في وجه الرئيس قيس سعيد.
ويقول اتحاد الشغل إن الحكومة تراجعت عن اتفاق الزيادات في أجور القطاع العام وأغلقت باب المفاوضات، محذّرا من "توتر اجتماعي خطير"، في صورة مواصلة الالتفاف على الاتفاقية.
وأضحت العلاقة متوترة بين اتحاد الشغل والسلطة التنفيذية التي يقودها سعيّد، بعدما أحالت السلطات عددا من المسؤولين النقابيين إلى القضاء على خلفية إضرابات شنّتها المنظمة العمالية، بينما لوّح الاتحاد باللجوء إلى الشارع للدفاع على حرية العمل النقابي، فيما تعيش البلاد على وقع أزمة اقتصادية ومالية خطيرة.
وآخر مؤشر على وصول العلاقة بين سعيّد واتحاد الشغل إلى ما يشبه القطيعة التامة، كان تنديد الأخير بحملة الاعتقالات الأخيرة التي نفذتها أجهزة الأمن والقضاء وطالت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال وقضاة، ووصفها بـ"العشوائية"، مشيرا إلى "خروقات قانونية وتجاوزات إجرائية ومحاولات تلفيق التهم وحملات تشهيرية".
لكن سعيّد رفض هذه الانتقادات، واتهم عددا من المعتقلين بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي والتخطيط للانقلاب على السلطة.
ويرى مراقبون ان اتحاد الشغل هو منظمة نقابية دورها الأساسي حماية حقوق الشغالين لا غير لكنه حاد عن هذا الدور وأصبح يتدخل حتى في تشكيل الحكومات خلال العشر سنوات الماضية التي يصفها محللون وخبراء بـ"العشرية السوداء".
ويعتقد البعض أن اتحاد الشغل كان له دور سلبي خلال العشرية الأخيرة وكان عقبة ضد الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، بالتالي أسهم بشكل مباشر في تعطيل نهضة تونس اقتصادياً، معتبرين أن الإطناب في المطلبية والدعوة إلى الزيادات في الأجور وإغراق القطاع العام بعد الثورة إلى اليوم تسببت في الإخلال بموازنات الدولة المالية.
ويعتبر المتابعون للشأن السياسي في تونس أن شعبية اتحاد الشغل تآكلت ولم تعد له تلك المكانة المرموقة في نظر الشعب، حيث أضرت نقابات التعليم بمستقبل الطلبة وأوقفت الدروس لأشهر من أجل مطالب قطاعية، كما أسهمت في بروز التعليم الخاص مقابل تدهور القطاع العام.
تعليقات الزوار
لا تعليقات