أخبار عاجلة

عودة المقاتلين إلى الجزائر ضرورة لتغيير النظام الحاكم الجذور والأسباب

استقر أسامة بن لادن ببشاور الباكستانية عام 1982 لغرض تقديم الدعم اللوجستيكي للمجاهدين الأفغان، تحت إمرة الشيخ عزام. لكن هذه الحال تبدلت بعد عام 1985 حين التحق أيمن الظواهري وأبو حفص المصري وكثيرون غيرهما من جماعة الجهاد المصرية المتطرفة، حيث بدأ أسامة بن لادن يصادقهم ويتأثر بآرائهم، إلى أن أقنعوه عام 1988 بالانفصال عن مكتب الخدمات وتأسيس القاعدة، التي لم تكن تعني التنظيم المعروف، إنما مكان تسير منه شؤون الأفغان العرب. في ذلك المكان تمت مبايعة بن لادن أميرا للقاعدة، وأبو حفص المصري نائبا له، وكان مقربا جدا من الظواهري. يمكن القول: إن أفكار جماعة الجهاد المصرية هيمنت على القاعدة والأفراد المنضوين تحتها، ووجهتها وجهة التنظيم المتطرف المعروف. إن التعرف على الفكر الجهادي الذي اعتنقته الجماعة، يفسر السلوك الإرهابي حين عودة المقاتلين إلى بلدانهم.

الجزائريون الأفغان والفكر القطبي

كان هدف جل الجزائريين ممن هاجروا إلى أفغانستان -إن لم نقل كلهم- هو محاربة الغزاة السوفيت، أي الدفاع عن أراضي المسلمين. لكن، ولكون أغلبهم وصلوا بعد تأسيس القاعدة، فقد تم احتواء الكثير منهم بفضل الدور الكبير الذي قام به قاري سعيد الذي انفصل عن مكتب الخدمات وانضم إلى القاعدة التي هيمن عليها أفراد الجماعة الإسلامية المصرية ذات التوجه القطبي. ولكون أسامة بن لادن كثير الغياب بسبب انشغالاته، لذا عين كلاً من أبي حفص المصري وأبي عبيدة البنشيري نائبين له، حيث توليا نشر الفكر الجهادي المتضمن في كتب زعمائهم مثل كتاب "العمدة في إعداد العدة" لسيد إمام الشريف عبدالقادر عبدالعزيز، وكتب سيد قطب مثل كتاب "معالم في الطريق" وتفسير القرآن المسمى "في ظلال القرآن"، وكتاب "الفريضة الغائبة" لمحمد عبدالسلام فرج، ومقالات عمر عبدالرحمن زعيم الجماعة.

لقد تلقى الجزائريون الأفغان تدريبا عسكريا جيدا في المعسكرات، وتكوينا فكريا مقنعا على ضرورة تغيير الأنظمة الحاكمة، وهذا ما سعوا له حين عودتهم إلى بلدهم الجزائر.

العودة إلى الجزائر

كانت الأجواء عام 1992 مهيأة جدا لتبني العنف، فقد ألغى الجيش الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأغلبية المقاعد، ودفع بالرئيس الشاذلي لتقديم استقالته، وبدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناضلي الجبهة الذين وضعوا في معسكرات الاعتقال في الصحراء الجزائرية، وأيضا حملات التفتيش والاستجواب من طرف قوى الأمن المختلفة. هذا الوضع دفع بمناضلي الجبهة إلى الهروب إلى الجبال، ثم تكوين الجيش الإسلامي للإنقاذ، الجناح العسكري للجبهة بقيادة مدني مزراق، بالتنسيق مع بقايا الحركة الإسلامية المسلحة، وهي الحركة التي تشكلت نواتها بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وبالتالي يؤدي تتبعها إلى تجلية جذور العنف في الجزائر وأسبابه.

الجذور والأسباب

نص بيان أول نوفمبر (تشرين الثاني) 1954، المتضمن إعلان ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي، على مبادئ أهمها: إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. لكن بعد الاستقلال، تبنى مؤتمر طرابلس النهج الاشتراكي، مما أغضب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي راح أعضاؤها يناضلون ضد ما رأوه انحرافا عن المبدأ السالف الذكر، وتحديدا الاستناد إلى الإسلام ومبادئه في صياغة دستور الدولة وقوانينها. لكن القطيعة حصلت سنة 1976 حين إعلان الدستور الذي يكرس النهج الاشتراكي كخيار لا رجعة فيه، حيث أجمعت الجماعات الإسلامية على رفضه، بل ذهب الشيخ محفوظ نحناح وبعض رفقائه إلى درجة تخريب خطوط الهاتف.

كان مصطفى بويعلي المتدين والمجاهد إبان ثورة التحرير، من الرافضين لمسار الدولة بعد الاستقلال، لذا اتخذ من أحد مساجد العاصمة منبرا لرفض السياسات المتبعة، حتى عام 1981 حيث بدأت عمليات التضييق والمطاردة، ففر إلى الجبال وبدأت الاتصالات لتشكيل نواة الحركة الإسلامية المسلحة التي بقيت في مد وجزر حتى صيف سنة 1986 حيث نفذت هجوما على مدرسة الشرطة في الصومعة، وتمكنت من الاستيلاء على (340) قطعة سلاح، وأكثر من (18) ألف قطعة ذخيرة. ولم يمض سوى أشهر حتى تمكنت قوات الأمن من قتل مصطفى بويعلي وخمسة من رفقائه، فيما ألقت القبض على باقي أفراد التنظيم وأبرزهم عبدالقادر شبوطي ومنصور ملياني، اللذان سيكون لهما دور في العنف فيما بعد.

لقد دخلت الدولة الجزائرية في أزمة اقتصادية خانقة نهاية الثمانينيات من القرن الماضي نتيجة تهاوي أسعار النفط، ولدت سخطا شعبيا استغلته الحركات الإسلامية الناشطة للضغط على النظام وإرغامه على الاستجابة للمطالب السياسية. وفعلا استجاب النظام بتعديل للدستور يقر العمل السياسي والتعددية الحزبية التي مكنت بعض الإسلاميين من تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكلمة الجبهة تعني حق كل جزائري في الالتحاق بهذا الكيان شرط الالتزام ببرنامجه الذي يسعى إلى إقامة دولة إسلامية على قاعدة المغالبة، بتوظيف الانتخابات والاحتجاجات والاعتصامات.

إن سياسة الباب المفتوح للجبهة مكنت بعض الأفغان الجزائريين من التسلل بين صفوفها بعد عودتهم من أفغانستان أوائل التسعينيات، وهم عازمون على نقل التجربة الأفغانية إلى الجزائر بعد تطعيمها بأفكار جماعة الجهاد المصرية. وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة لقادة الجبهة على رفضهم للعنف والعمل المسلح، فإن الأحداث المتسارعة وغير المتحكم فيها مثل استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ووقف المسار الانتخابي، دفع باتجاه العنف والعنف المضاد، مما أتاح الفرصة للأفغان الجزائريين للمسارعة في تأسيس جماعات مسلحة تحت مسمى الجهاد ضد الحكم الكافر والشعب الجاهل. هناك إجماع شبه حاصل على دور الأفغان الجزائريين المهم في تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة، التي باشرت هجومات على الثكنات وتفجيرات للمؤسسات العامة واغتيالات للشخصيات المهمة، وحتى التصفية الجسدية للإسلاميين المخالفين.

تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة

بعد نهاية الجهاد في أفغانستان، عاد الكثير من الجزائريين الأفغان إلى أرض الوطن، منهم من انخرط في العمل السياسي ومنهم من بقي فردا، لكن جماعة قاري سعيد بقيت في بيشاور إلى جانب جماعة أحمد الود، بانتظار أن يهيئ قاري سعيد الأجواء للعودة وإعلان الجهاد. ونظرا لأهمية ما قام به هذا الأخير ودوره في تغيير مسار الأحداث في الجزائر، فقد وردت قصة نزوله للجزائر في مصادر عدة وروايات مختلفة، أبرزها كتاب "الحركة الإسلامية المسلحة" لصاحبه كميل الطويل المقرب من الجماعات المسلحة، وكتاب "مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر" لصاحبه أبي مصعب السوري (مؤرخ الأفغان العرب)، لكن ما ورد في شهادة التائب عبدالحافظ بن علي المدعو عبدالخالق التي نشرت في جريدة "الشروق" يوم 30/3/ 2009 ذو أهمية كونها توفق بين الروايات وتبرز تسلسل الأحداث. يقول: وصلت أربعة أشرطة لسعيد قاري يتحدّث فيها عن تاريخ الجماعة الإسلامية المسلحة... كان يتحدّث عن كيفية وصولهم إلى الأراضي الجزائرية، وكان ممّا قاله: جاءنا المدعو قمر الدين خربان إلى بيشاور، وادعى بأنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ هي التي أرسلته لكي يحضّر الإخوة الجزائريين الأفغان للدخول إلى أرض الوطن، قال السعيد قاري: وقد كنت أشك في صحة ذلك، ومع ذلك لما سمحت لِيَ الفرصة، نزلت إلى الوطن (الجزائر) ودخلت عن طريق التهريب من المغرب، ولما وصلت إلى الجزائر اتصلت مباشرة بعبدالقادر شبوطي وأخبرته بما قاله لنا قمر الدين خربان، وقلت له: إنّنا جاهزون للنزول إلى الجزائر في الوقت الذي تريد حتى نقاتل معك، فأنكر ذلك وقال بأن قمر الدين خربان لم يرسله أحد، وقال لنا بالحرف: لماذا نقاتل وعندنا الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ بها نحقّق النصر، قال السعيد قاري: ثم ذهبت إلى السعيد مخلوفي وكانت بيننا قرابة فقلت له: نحن الجزائريين الأفغان هناك في بيشاور جاهزون إن أردت أن ندخل إلى الوطن ونقاتل معك، فرفض كذلك هذا المقترح وقال: لم يحن الوقت بعد، قال السعيد قاري: فلم يبق لي إلاّ منصوري الملياني، فذهبت إليه واستقبلني فطرحت عليه الفكرة فوافق عليها ورحّب بها وبنزولنا، ثم عدت إلى بيشاور لإخبار الإخوة وتهيئة الأمور، فسوينا أمورنا وأوراقنا وبدأنا في النزول إلى الوطن، وكانت أول عملياتنا عملية الأميرالية في ميناء العاصمة الجزائرية.

 

بلقاسم الشايب للجزائر تايمز

 

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات