انتخب مجلس الأمة الجزائري رسميا القاضي السابق والقانوني عزوز ناصري رئيسا له خلفا لصالح قوجيل، ليصبح بذلك بروتوكوليا الرجل الثاني الجديد للبلاد. ويعد هذا المنصب بالغ الأهمية في المنظومة الجزائرية، حيث تؤول إليه رئاسة الدولة في حال تعذر على رئيس الجمهورية مزاولة مهامه لأي سبب دستوري.
وجاء انتخاب عزوز ناصري خلال جلسة علنية خصصت لتنصيب الأعضاء الجدد وانتخاب رئيس المجلس بعنوان التجديد النصفي لسنة 2025. وقد حظي الرجل وهو مرشح المجموعة البرلمانية للثلث الرئاسي، بتزكية كافة المجموعات البرلمانية الممثلة في مجلس الأمة.
وتأتي عملية التنصيب عقب انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة المنتخبين التي جرت يوم 9 آذار/مارس الماضي وإعلان المحكمة الدستورية عن نتائجها النهائية يوم 13 مارس الماضي.
وتنص المادة 134 من الدستور على أنه “ينتخب رئيس مجلس الأمة بعد كل تجديد جزئي لتشكيلة المجلس ويتعين أن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في المادة 87 من الدستور”.
ويعد ناصري خريج المدرسة الوطنية للإدارة سنة 1970، وهي تفس الدفعة التي تخرج فيها الرئيس عبد المجيد تبون. وقد تولى عدة مناصب عليا في سلك القضاء، من بينها منصب رئيس أول للمحكمة العليا في الفترة ما بين 1995 و2001 وقبلها شغل منصب نائب عام بمجلس قضاء كل من سكيكدة وقسنطينة.
كما كان عضوا في المجلس الدستوري ثم نائبا في المجلس الشعبي الوطني وبعدها عضوا في مجلس الأمة، حيث عينه الرئيس عبد المجيد تبون، عضوا ضمن الثلث الرئاسي سنة 2022. وتولى في مساره السياسي مسؤوليات في حزب طلائع الحريات الذي أسسه رئيس الحكومة سابقا علي بن فليس، والذي كان من أبرز الوجوه معارضة للرئيس السابق علي بن فليس.
وعقب انتخابه، أدلى عزوز ناصري، بخطاب أثنى فيه على سلفه صالح قوجيل، واصفاً إياه بـ”الرجل الشهم والوطني الفذ”، منوها بما قدمه من مجهودات جليلة طيلة فترة رئاسته للمجلس، قائلاً إنها تعكس “جهاده الثوري البطولي وثقافته العالية بالدولة وخبرته الطويلة في تسيير الشأن العام”.
ولم يفوت الرئيس الجديد للمجلس، الفرصة ليقتحم من البداية القضايا السياسية والدبلوماسية الشائكة التي تواجهها البلاد.
وقال إن “الجزائر المسالمة والعصيّة على أعدائها والمتآمرين عليها في السرّ والعلن، لا تقبل في جميع الظروف وفي كافة الحالات المساس بقرارها السيادي المستقل من أي جهة خارجية كانت، بما في ذلك فرنسا”، التي أضحت حسبه “تَحنّ إلى ماضيها الاستعماري”، وتسعى إلى “زعزعة استقرار مؤسساتنا الدستورية والتشكيك في نزاهة نظامنا القضائي”.
وأكد أن الجزائر ترفض رفضاً قاطعاً “كل أشكال الابتزاز السياسي والممارسات السياسوية الدنيئة والتافهة”، كما ترفض “عمليات اختراق سيادتها تحت غطاء دبلوماسي”، مشدداً على إصرار الجزائر على إقامة علاقات ثنائية قائمة على الاحترام المتبادل، والندية، وتبادل المنافع والمصالح المشتركة، ومطالباً الطرف الفرنسي الرسمي بتحمّل تبعات تصرفات مسؤوليه.
وأوضح ناصري، أن هذا الموقف نابع من إيمان عميق بأن الحفاظ على الذاكرة التاريخية الوطنية والاقتداء بها منهجاً وعملاً وسلوكاً، واجب وطني مقدّس، مشدداً على أن مجازر 8 ماي 1945 وسائر المجازر الوحشية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، “تأبى النسيان ولا تسقط بالتقادم، وتبقى وصمة عار في جبين الاستعمار البغيض”، معتبراً إياها “مطالب اعتذار وموضع تجريم”، داعياً “أحرار فرنسا من مسؤولين وسياسيين وبرلمانيين ومؤرخين إلى الانخراط في هذا المسعى، وألا يجعلوه عرضة للنسيان أو الإنكار”.
وأضاف أن مناسبة الاجتماع تتزامن مع إحياء اليوم الوطني للذاكرة، الذي أقره رئيس الجمهورية، ويصادف ذكرى مجازر 8 ماي 1945، وأيضاً مع إحياء اليوم الوطني للطالب الموافق لـ19 ماي، مذكّراً بتضحية الطلبة الجزائريين سنة 1956، حين فضّلوا الالتحاق بالكفاح المسلح بدل الشهادات العلمية، من أجل استقلال الوطن.
وفي حديثه عن مسار التنمية، أكد رئيس مجلس الأمة الموالي للرئيس تبون، الانخراط في هذا المسعى الوطني والإسهام في تنفيذ الإصلاحات الشاملة والمتنوعة الجارية، بغية الوصول إلى مصاف الاقتصاديات الناشئة في أفق 2027، في ظل جبهة وطنية موحدة ومصانة، وفي كنف جزائر جديدة منتصرة بقيادتها وشعبها وجيشها.
وأكد عزمه على تعزيز التنسيق مع المجلس الشعبي الوطني في إطار الديمقراطية التشاركية التي ينص عليها دستور الجمهورية، موضحاً أن الانسجام بين غرفتي البرلمان “ركيزة جوهرية لترسيخ دولة القانون”. كما تعهد بتطوير الدبلوماسية البرلمانية وتمكين المجلس من التفاعل النشط في الهيئات البرلمانية الإقليمية والدولية، وفق مبدأ “برلمان بغرفتين وصوت واحد”، بما يواكب الدبلوماسية الرسمية للدولة ويعلي صوت الجزائر في المحافل الدولية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات