قدم مهند هادي، نائب منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، تقريرا شاملا لمجلس الأمن حول الأوضاع الإنسانية في غزة والضفة الغربية ولبنان، أكد فيه أن الوضع لا يزال خطيراً في مختلف أنحاء المنطقة.
ودعا هادي في كلمته أمام مجلس الأمن، اليوم، عبر الفيديو، نيابة عن المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، إلى خلق مساحة لحل سياسي “وليس حلا عنيفا” للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وقال: “خلال الفترة التي يغطيها التقرير، قُتل 32 فلسطينيًا، معظمهم في سياق عمليات قوات الأمن الإسرائيلية والاشتباكات مع الفلسطينيين المسلحين، بما في ذلك في المنطقة (أ)، والتي يقول الجيش الإسرائيلي إنها تستهدف الجماعات المسلحة الفلسطينية والمسلحين. وبينما استمرت عمليات إطلاق النار والدهس من قبل الفلسطينيين، لم يتم الإبلاغ عن أي وفيات في الضفة الغربية المحتلة أو إسرائيل. كما واصل المستوطنون الإسرائيليون وغيرهم من المدنيين مهاجمة المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية، كثيرون منهم في سياق موسم قطف الزيتون، بينما استمرت أيضًا الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين. كما واصلت الحكومة الإسرائيلية تقدمها المتواصل في مجال المستوطنات وسياستها المتمثلة في إخلاء وهدم المباني المملوكة للفلسطينيين وفي 28 تشرين الأول/ أكتوبر، تقدمت سلطات التخطيط الإسرائيلية ببناء ما يقرب من 120 وحدة سكنية في مستوطنات في المنطقة (ج) في الضفة الغربية المحتلة. وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني، هدمت القوات الإسرائيلية تسعة منازل في القدس الشرقية وفي حين تتسارع هذه الخطوات الخطيرة، يدعو بعض الوزراء الآن علنًا إلى ضم الضفة الغربية المحتلة. وأؤكد أن الضم يشكل انتهاكا للقانون الدولي ويجب رفضه بشكل قاطع”.
وقال هادي إن التطورات في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء في غزة أو الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تشير إلى “أننا في خطر وشيك يتمثل في فقدان الأطر التي كنا نعمل بموجبها منذ عامي 1967 و1973 عندما اعتمد مجلس الأمن القرارات التي تهدف إلى إرساء أسس السلام العادل والدائم. وفي خضم الرعب الذي لا يمكن تصوره الذي شهدناه خلال العام الماضي، أخشى أنه حتى بعد أن تصمت المدافع، سنكون قد فقدنا الأمل في مستقبل أفضل وتفككت عقود من المؤسسات التي ناضلنا من أجلها بشق الأنفس. وأحثكم ــ بصفتكم المجلس والدول الأعضاء ــ على الحذر من هذا التفكك وتجنب الفخاخ التي نعرفها جيداً”.
وقال: استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عبر الخط الأزرق مع لبنان، كما استمر إطلاق الصواريخ من جانب “حزب الله” باتجاه إسرائيل، بما في ذلك وابل من الصواريخ في نهاية هذا الأسبوع. وأعرب هادي عن أمله في نجاح الجهود الدبلوماسية الجارية للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية وتمنى على الأطراف قبول وقف إطلاق النار تنفيذا لقرار مجلس الأمن رقم 1701(2006).
وقال هادي: “نحن نواصل الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وتهدئة التوترات في مختلف أنحاء المنطقة. إننا نواصل المطالبة باتخاذ خطوات فورية لتحسين تقديم المساعدات الإنسانية، التي فشلت حتى في تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة. ونواصل الدعوة إلى أطر سياسية وأمنية من شأنها أن تقربنا من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وتحقيق حل الدولتين”.
تحدث هادي عن “التطورات خلال 13 شهرا من الصراع منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث قُتل حوالي 44000 فلسطيني لغاية الآن وحوالي 1700 إسرائيلي ومواطن أجنبي. كما أصيب أكثر من مئة ألف فلسطيني، والعديد من النساء والأطفال، وعشرات الآلاف من الإسرائيليين، بما في ذلك النساء والأطفال. ولا يزال مئة وواحد إسرائيلي محتجزين في غزة، في ظروف مروعة ومحرومين من الزيارات الإنسانية”. “لقد شهدت الأسابيع الأخيرة تكثيفًا مدمرًا لعمليات الجيش الإسرائيلي في شمال غزة، مع وقوع حوادث سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بشكل متكرر ومثير للقلق. ففي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، وردت أنباء عن مقتل 36 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال، بينما أصيب آخرون، عندما تم قصف مبنى متعدد الطوابق في جباليا البلد. وفي 16 من نفس الشهر، وردت أنباء عن مقتل 65 فلسطينيًا على الأقل في غارتين جويتين إسرائيليتين منفصلتين في بيت لاهيا، بينهم نساء وأطفال، عندما تم قصف مبانٍ تستضيف نازحين”.
وأضاف منسق الشؤون الإنسانية إن تلك الحوادث ما هي إلا جزءا صغيرا من الحوادث المميتة التي وقعت في الأسابيع الأخيرة. كما أن أوامر الإخلاء المتكررة التي أصدرها الجيش الإسرائيلي إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص من شمال غزة نحو الجنوب. وقال: “إنني أدين مرة أخرى وبصورة لا لبس فيها عمليات القتل والإصابة الواسعة النطاق للمدنيين في غزة والتشريد المستمر للسكان. كما أدين استمرار احتجاز الرهائن في غزة، وإطلاق الصواريخ العشوائية على المراكز السكانية الإسرائيلية من قبل حماس وغيرها من الجماعات المسلحة الفلسطينية، والتي استمرت هذا الشهر”. ودعا هادي إلى وقف الهجمات على العاملين في المجال الإنساني والقوافل الإنسانية. كما طالب باستعادة القانون والنظام، و”يجب أن يتمتع السكان المدنيون بالقدرة على الوصول الآمن إلى المساعدات الحيوية”.
ودعا هادي نيابة عن تور وينسلاند إلى وقف إطلاق النار؛ وإطلاق سراح الرهائن، وتقديم الدعم المنقذ للحياة بأمان وضمان سلامة وأمن الفلسطينيين والإسرائيليين على المدى الطويل.
ممثل الولايات المتحدة
بدوره، أعرب نائب السفيرة الأمريكية، روبرت وود، عن معارضة بلاده مقترحات ضم الضفة الغربية المحتلة وإنشاء مستوطنات في قطاع غزة.
وأضاف: “وإن تم تنفيذها فإنها تنثر بذور عدم الاستقرار ولا تتوافق مع القانون الدولي. وتضع عراقيل أمام إسرائيل للاندماج في المنطقة”.
وحول عنف المستوطنين، قال إنه “يجب على الحكومة الإسرائيلية كبح عنف المستوطنين والعمل على خفض حدة التصعيد”. وتحدث عن العقوبات التي فرضتها حكومة بلاده على عدد من المستوطنين والكيانات الاستيطانية. وشدد على ضرورة أن تسمح إسرائيل بدخول المزيد من المساعدات في غزة.
وعبر عن رفض واشنطن لقرار المحكمة الجنائية الدولية ومذكرات القبض على رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق.
المندوبة البريطانية
من جهتها، قالت السفيرة البريطانية باربرا وودورد إن تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة غير مقبول خاصة وإن المجاعة على الأبواب وخاصة لدى الأطفال “لا مبرر لإسرائيل بمنع المساعدات الإنسانية”. وقالت إن غزة بحاجة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والدفع بأكبر كمية من المساعدات الإنسانية. وقالت إن بلادها لا تؤيد قرار الكنيست بمنع نشاط الأونروا فلا بديل عنها، مؤكدة أن “إسرائيل يجب أن تسهل عمل الأونروا بدون إعاقة”.
وشددت وودورد أن بلادها ترفض عنف المستوطنين وتوسيع الاستيطان “من حق الفلسطينيين أن يعيشوا بسلام دون تهديد”، مشيرة إلى أن بريطانيا أدرجت بعض المستوطنين تحت طائلة العقوبات.
السفير الفلسطيني
قال السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، إن حرب الإبادة على غزة واستمرارها تعني تحول الشرق الأوسط بعيدا عن عقلية السلام وخاصة للأجيال القادمة، بل وتنذر بأشد العواقب خطورة على منطقتنا والعالم. وأضاف “نقول مرة أخرى إن هذه النار سوف تلتهم كل شيء في طريقها إذا لم يتم إيقافها على وجه السرعة. ة إن سفك للدماء هذا، هذه اللاإنسانية، سيكون له عواقب مدمرة، بعضها يمكننا جميعًا توقعه، وبعضها لا يمكننا تخيله”.
وقال منصور إن كل دولة ممثلة في الأمم المتحدة لديها خيار حاسم لتتخذه، سواء للدفاع عن سيادة القانون الدولي والمؤسسات المشتركة للبشرية أو للدفاع عن المجازر التي ارتكبتها هذه الحكومة الإسرائيلية. وأوضح “يبدو الاختيار بسيطًا للغاية، لكن يبدو أن بعض السياسيين في جميع أنحاء العالم يواجهون صعوبات في اتخاذ الخيار الصحيح بغض النظر عن مدى وضوحه. إننا نطالبهم بالتوقف عن ممارسة الألعاب السياسية بحياة شعبنا. لا ينبغي التضحية بأطفالنا من أجل حساباتكم وطموحاتكم السياسية. ولا ينبغي تركهم فريسة لأيديولوجيات سياسية أعمى أبصارها الكراهية والتعصب. إن هؤلاء السياسيين هم الذين يهاجمون القضاة من أجل حماية مجرمي الحرب؛ وهم الذين يبررون القتل الجماعي العشوائي وتجويع سكان مدنيين بالكامل؛ وهم الذين يشرحون بسخرية أنه ينبغي دعم المستوطنين وأن السكان الأصليين ينبغي إبعادهم بالقوة؛ وهم الذين يعتبرون أن الحقوق تختلف وفقًا للجنسية أو العقيدة. ولهم نقول، إذا لم تكن قادرًا على أن تكون على الجانب الصحيح، فعليك على الأقل أن تتنحى جانبًا”.
واعتبر السفير الفلسطيني أن مذكرة الاعتقال التي صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو لا علاقة لها بعقيدته بل لها علاقة كاملة بجرائمه وتهديداته وهجماته. “إن المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وهذا المجلس، والجمعية العامة، والأمين العام، والأمم المتحدة، ليسوا معادين للسامية، ويجب إدانة جهود نتنياهو الرامية إلى تصوير الجهود الرامية إلى دعم القانون الدولي على أنها معادية للسامية بشدة. لا ينبغي لأحد أن يقبل مثل هذا الخطاب ولا ينبغي لأحد أن يتردد في اتخاذ كل خطوة ضرورية لتعزيز المساءلة والحرية والسلام. لا ينبغي لأحد أن يتراجع بسبب ترهيب الحكومة الإسرائيلية وابتزازها. لا ينبغي لأحد أن تتراجع بسبب أكاذيب الحكومة الإسرائيلية وجرائمها، بل ينبغي للحكومة الإسرائيلية أن تكون هي التي تتراجع بسبب قدراتكم وإصراركم على دعم القانون والحقيقة”.
وأضاف منصور أن الفلسطينيين في غزة يستعدون لشتاء آخر وهم يعيشون في خيام مؤقتة، محاصرين ويتعرضون للقصف، بدون أي بنية أساسية لدعم الحياة، وسط كل الدمار والموت وفي حين شقت المجاعة طريقها إلى ما تبقى من حياتهم. “كم من المعاناة يجب أن يتحملوها؟ يجب وضع حد لمعاناتهم واستعادة الحياة والأمل الآن”.
ودعا إلى إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين ولبنان لأن المنطقة تحتاج إلى مزيد السلام العادل والدائم لا الحرب المتواصلة. وقال “إن ما تحتاج إليه منطقتنا ليس المزيد من الاحتلال والضم، بل احترام حق الشعوب في تقرير المصير والسيادة والتمسك بالحظر العالمي للاستيلاء على الأراضي بالقوة.. إن هذه الحكومة الإسرائيلية لديها خطتها. خطة الجنرالات في غزة وخطة المستوطنين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. إن هذه الخطط هي إطالة أمد تهجير الشعب الفلسطيني وطرده على مدى عقود من الزمان، مع اليقين من المزيد من البؤس والمزيد من الموت إذا رفضوا
وقال منصور موجها خطابه مباشرة للسفير الإسرائيلي: “إن الحكومة الإسرائيلية تتوقع من الشعب الفلسطيني أن يستسلم. وتتوقع من حكوماتكم أن تستسلم. وتتوقع من الأمم المتحدة أن تستسلم. وتتوقع من المحاكم الدولية أن تخون كل مبدأ تعهدت الإنسانية على الإطلاق بالتمسك به وكل قاعدة سنتها البشرية. إن الاستسلام ليس خياراً. ونحن في حاجة إلى أن نقاوم جماعياً بكل أداة مشروعة في متناول أيدينا لتغيير مسار التاريخ. وإنقاذ الأرواح وكل الأرواح. وإعلاء القانون. وتحقيق الحرية والعدالة والسلام. شعبنا لن يستسلم”.
واختتم منصور كلمته قائلا: “نناشدكم الوفاء بالتزاماتكم ومسؤولياتكم وواجباتكم، والتحرك الآن لحماية أرواح المدنيين، وإنهاء هذا الوضع البغيض وغير القانوني، وإنهاء هذا الظلم التاريخي”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات