ملامح أزمة جديدة تلوح في الأفق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة بسبب تمسك مجلس النواب بقراره السابق القاضي بإنشاء محكمة دستورية القرار الذي رفضه الأعلى للدولة سابقاً بشكل شديد وعلق لأجله التواصل مع النواب لأيام .
بدأت ملامح هذه الأزمة في 26 من حزيران / يونيو الماضي، حيث قال الناطق باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، إن المجلس صوت خلال جلسة الإثنين بالإجماع على اختيار رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية وفقاً للقانون رقم 5 لسنة 2023 .وأشار المجلس إلى أن الجلسة كانت رسمية مغلقة، وعُقدت برئاسة النائب الثاني لرئيس المجلس مصباح دومة.
ولم يعلن، في تصريحه المنشور عبر الموقع الإلكتروني لمجلس النواب، أسماء رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية الذين جرى التصويت عليهم بالإجماع. كما لم يذكر عدد النواب الذين حضروا جلسة التصويت.
ونشر مجلس النواب قانون إنشاء المحكمة الدستورية في العدد الخامس من الجريدة الرسمية التي صدرت في السابع من نيسان / أبريل الماضي، على الرغم من الجدل المثار حول القانون، ومعارضة المجلس الأعلى للدولة هذا التشريع القضائي.
وعلى إثر ذلك، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، الأحد، تمسك مجلس الدولة بحكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بعدم دستورية القانون رقم 5 لسنة 2023 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية.
وقال، في خطاب وجهه إلى رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح: “لقد فوجئنا في أثناء عطلة العيد بصدور قرار مجلس النواب رقم 2023/16 بشأن تسمية أعضاء المحكمة الدستورية”.
وأضاف: “نذكركم بأن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا كانت قد حكمت في الطعن الدستوري المقدم من قِبلنا رقم 70/5 بعدم دستورية القانون رقم 5 لسنة 2023، ولا يخفى عليكم أن حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا باتّ وقطعي وواجب التنفيذ”.
وخلص الخطاب إلى تمسك مجلس الدولة بحكم الدائرة الدستورية المشار إليه، ودعا رئيس مجلس النواب إلى العمل جميعاً من أجل إنجاز الاستحقاق الانتخابي من خلال الإسراع في إصدار القوانين المتفق عليها بين اللجنة المشكلة من المجلسين (6+6).
وفي وقت سابق، دعا المجلس الأعلى للدولة في بيان أصدره مجلس النواب إلى التراجع عن إصدار قانون إنشاء المحكمة الدستورية وتحديد اختصاصها، وإلا فإنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لمنع تنفيذه، ومنها دعوة السلطة القضائية إلى الامتناع عن تطبيقه.
وأكد، في بيانه الذي نشره المكتب الإعلامي عبر صفحته على فيسبوك، أن هذا القانون جاء مخالفاً للأساس الدستوري للسلطة القضائية ومخالفاً للاتفاق السياسي، مشدداً على ضرورة احترام مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية.
وقال مجلس الدولة إن ما صدر عن مجلس النواب يعد مساساً بالأساس الدستوري للسلطة القضائية المستمد من دستور 1951، الذي ينص في المادة 43 منه على: (السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا والمحاكم الأخرى التي تصدر في حدود الدستور وفق القانون).
وبناء على ذلك، رأى المجلس الأعلى للدولة أن أي تعديل على هيكل هذه السلطة لا يكون إلا من خلال دستور مستفتى عليه من الشعب الليبي، أو تعديل دستوري متوافق عليه بين الأطراف السياسية الليبية، وفق ما يقرره الاتفاق السياسي، حسب نص البيان.
وقبل صدور البيان، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، رفضه إصدار مجلس النواب قانون استحداث محكمة دستورية. وأكد في تغريدة عبر حسابه على تويتر، أن هذا الإجراء يحتاج إلى دستور أو قاعدة دستورية حتى يتم إقراره، وليس إلى قانون.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن المشري، تعليق التواصل بين رئاستي مجلسي الدولة والنواب، وأعمال اللجنة المشتركة، بعد إقرار النواب قانون إنشاء محكمة دستورية.
وقال إنه لا يعتبر القانون من ضمن الصلاحيات التشريعية، وإن استحداث محكمة دستورية هو شأن دستوري، وهو إجراء يزعزع الثقة بين المجلسين، ويهدم جهود الوصول إلى توافق حول المسار الدستوري، ويعمق الانقسام المؤسسي في البلاد، لافتًا إلى عقد جلسة عاجلة لمجلس الدولة للنظر في هذه الخروقات.
كما خاطب المشري رئيس ومستشاري المحكمة العليا، ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وأعضاء الهيئات القضائية، لتأكيد رفضه القاطع للقانون وبطلانه، واعتباره والعدم سواء، داعيًا إياهم إلى عدم الاعتداد أو العمل به، والتنبيه إلى خطورة إقدام أي جهة قضائية بتسمية أي من رجال القضاء عضوًا بالمحكمة الدستورية المستحدثة؛ لما يترتب عليه من آثار وخيمة على القضاء الليبي.
وأشار إلى التزام مجلس الدولة بالإعلان الدستوري والاتفاق السياسي اللذين ينصان حرفيًا على احترام استقلال القضاء وأحكامه وقراراته، والحرص على نزاهته وحياده، والالتزام باحترام مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وتابع إن المجلس قطع شوطًا كبيرًا في التوافق مع مجلس النواب على دسترة المواد المتعلقة بالقضاء الليبي والمحكمة الدستورية وخصص للمحكمة الدستورية بابًا كاملًا، فكان إصدار القانون المعيب التفافًا على ما اتفق عليه، بغية إخضاع المحكمة الدستورية لرغبات خاصة لا تخدم الوطن، ولأجل تعطيل عمل الدائرة الدستورية حتى لا تنظر في الطعون المقدمة أمامها، ومن أجل تحصين قوانين قد تصدر لاحقًا بالمخالفة لكل الأعراف والدساتير.
وبعد مرور أيام، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري اتفاقهما على عدم إصدار القانون الخاص باستحداث المحكمة الدستورية حتى لا يتعارض هذا القانون مع مخرجات القاعدة الدستورية.
واتفق رئيسا المجلسين على هذا الإجراء استشعاراً للمسؤولية الوطنية، وتقديراً للظروف الحالية التي يمر بها الوطن، ورغبة في إنجاز الاستحقاق الدستوري كأساس للعملية الانتخابية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات