نشر موقع “بلومبيرغ” تقريرا حول زيادة التأثير الروسي في ليبيا مع محاولات الولايات المتحدة الفاشلة للتخلص من مرتزقة فاغنر وإخراجهم من البلد.
وجاء في التقرير، أن الكرملين يستأنف حضوره الدبلوماسي في طرابلس، في وقت أمّن المرتزقة منفذا لهم على المنشآت النفطية والقواعد العسكرية في الشرق الليبي. ففي الوقت الذي تفكر فيه الولايات المتحدة فيما إن كان عليها إعادة فتح سفارتها في ليبيا، يحضر السفير الروسي لتسلم منصبه في العاصمة طرابلس، موسعا التأثير الروسي في البلد الغني بالنفط والواقع على أعتاب أوروبا.
وتستطيع شركة فاغنر التي يسيطر عليها يفغيني بريغوجين، الوصول إلى منشآت النفط الليبية، ودعمت في العام الماضي حظرا استمر شهرا على تصدير النفط، في ذروة أزمة الطاقة التي نتجت عن الحرب في أوكرانيا.
وكان قرار موسكو العودة الدبلوماسية إلى العاصمة طرابلس في غرب ليبيا، ومقر الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة، أوضح إشارة من الرئيس فلاديمير بوتين الذي يتطلع لبناء علاقات أبعد من دعمه العسكري لأمير الحرب خليفة حفتر في الشرق الليبي.
وأدى التحرك الروسي لإثارة القلق في الولايات المتحدة، التي بعثت بعدد من المسؤولين البارزين لمواجهة تقدم بوتين في بلد عضو بمنظمة أوبك، وتحاول الحكومات الأوروبية التقرب منه كبديل عن الطاقة الروسية.
ومن بين زوار ليبيا الأمريكيين، كان ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) والذي زار طرابلس في كانون الثاني/ يناير، حيث تحدث إلى الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب، وبعد ذلك التقى مع المسؤولين في الجارة مصر التي تدعم حفترأيضا. وكان على رأس الأجندة في رحلة بيرنز، محاولة التخلص وإخراج نحو 2000 مرتزق من فاغنر، دعموا حفتر في حملته للسيطرة على العاصمة طرابلس بالفترة ما بين 2019- 2020، وعززوا من سيطرته على آبار النفط في البلد الذي يحتوي على نسبة 40% من احتياطات النفط في أفريقيا.
وفي مقابلة عبر الهاتف، قال المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند: “الوضع الراهن غير قابل للبقاء على طبيعته”، محذرا من محاولة استغلال الانقسام الداخلي وإحباط جهود الأمم المتحدة لعقد الانتخابات. وأكد المبعوث الأمريكي أن الانتخابات هي طريق الشرعية: “رسالتنا هي أنك لن تحصل على الشرعية إلا من خلال الانتخابات”.
ومشكلة أمريكا أنها في وضع غير متساو، فليس لديها قوات على الأرض وبدون حضور دبلوماسي. ويفكر المسؤولون الأمريكيون بإعادة فتح السفارة الأمريكية، إلا أن القرار محفوف بالمخاطر، ذلك أن جو بايدن كان نائبا للرئيس عندما تدخل الناتو وأطاح بالزعيم معمر القذافي عام 2011، وما حدث بعد ذلك من فوضى في ليبيا.
وأغلقت السفارة في عام 2014، حيث دخلت ليبيا حربا أهلية، وقُتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في هجوم على القنصلية الأمريكية عام 2012، مما عقّد من عملية فتح السفارة من جديد، نظرا للغضب المحلي في أمريكا، مما ترك واشنطن بعيدة عن المشهد الليبي وتديره عن بعد.
ويعلق الموقع أن التنافس الدولي المتجدد على ليبيا يحدث وسط مكاسب روسية أخرى في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة. فقد رفض حلفاء الولايات المتحدة التقليديون في العالم العربي، اتباع السياسة الأمريكية القاضية بعزل بوتين، وذهبوا أبعد من هذا لاستئناف العلاقات مع حليفه بشار الأسد.
وأغضبت السعودية الولايات المتحدة العام الماضي، عندما قامت “أوبك+” وهو كارتل تقوده مع روسيا، بدفع أسعار النفط العالمية بعد قرار تخفيض إنتاج النفط الخام. وأظهر التقارب السعودي- الإيراني تآكلا واسعا للسلطة الأمريكية.
وتأتي أيصا مشكلة فاغنر، فمع تراجع أعداد مرتزقتها في ليبيا منذ بداية الحرب في أوكرانيا العام الماضي، والذي كان أكثر من 4000، إلا آن هناك عددا منهم في أربع قواعد عسكرية، بحسب معهد الصادق في طرابلس، ومجموعة نافنتي التي تقدم النصح لعملاء خاصين وللحكومة الأمريكية.
ولدى المجموعة منافذ على أهم منشآت النفط في الشرارة والسدرة. ولم يرد المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف على أسئلة للتعليق حول السياسة الروسية من ليبيا، ووجود فاغنر هناك.
واتهم مصطفى صنع الله، الرئيس السابق لمؤسسة النفط الليبية، فاغنر والإمارات بالمشاركة في حصار النفط الذي فرضه حفتر عام 2020، وانتهى آخر حظر في عام 2022، حيث تم التخلص من صنع الله واستبدل بآخر مقبول في الشرق. وقال روبرت يونيك، المحلل البارز في نافنتي، إن إغلاق المنشآت كان نتيجة للسياسات المحلية المتعلقة بتوزيع موارد الثروة النفطية.
ولم تنجح محاولات روسيا لاستعادة التأثير الذي خسرته بعد رحيل القذافي، سواء في دعم حفتر بحملته العسكرية ضد الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، أو الترويج لنجل الديكتاتور، سيف الإسلام القذافي. لكن بوتين قرر على ما يبدو الرضا بالوضع الراهن، وهو ما يترك صادرات النفط الليبي رهنا لروسيا التي تعاني من آثار الحصار على نفطها الخام.
وفي مقابلة مع رئيس مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة، أثنى على جهود قوات حفتر وعملها لـ”تأمين” حقول النفط. وقال إن ليبيا تخطط لفتح مجالات جديدة للشركات الدولية في 2024 وزيادة الإنتاج من 1.2 إلى 2 مليون برميل في اليوم على مدى خمسة أعوام.
ويشكك المحللون في قدرة ليبيا على تحقيق هذا بدون استقرار سياسي. وتقول المحللة في شؤون الشرق الأوسط في موسكو، إيلينا سبونينا: “انطباعنا هو أن الغرب يحاول تحقيق الاستقرار في ليبيا للتأكد من وصول مزيد من النفط والغاز إلى الأسواق الأوروبية”.
وتمتلك قوات فاغنر أنظمة دفاع جوي، وتعمل في القواعد العسكرية ويعتمد عليها حفتر في الدفاع عن نفسه ضد الجماعات المسلحة الأخرى، وهو ما يعقّد جهود أمريكا. وقال غليب إريرسوف، ضابط الطيران الجوي الروسي الذي عمل في قاعدة حميميم السورية ما بين 2019- 2020، ونقل قوات فاغنر إلى ليبيا، بأنه شاهد حوالي 20 طائرة من نوع ميغ-29 إلى جانب مروحيات قتالية نُقلت إلى ليبيا.
وزادت إدارة بايدن من الضغوط مع انتشار تأثير فاغنر في السودان، ويقال إن شركة المرتزقة الروسية قدمت لقوات الدعم السريع أنظمة صواريخ أرض- جو.
وفي الشهر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجل اتهمته بالإشراف على عمليات فاغنر في مالي. وتتهم المجموعة بنقل الأسلحة عبر أفريقيا لدعم الحرب في أوكرانيا. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على المجموعة بما فيها رئيسها بريغوجين بدون أن تترك أثرها على محاولات الشركة بناء موطئ قدم في أفريقيا ودول الشرق الأوسط.
ويرى الباحث جلال الحرشاوي، من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن، أن الولايات المتحدة وضعت أولوية طرد فاغنر من ليبيا، ثن عقد الانتخابات، ولن يحدث أي منهما لأن واشنطن لن تحاول.
تعليقات الزوار
لا تعليقات