أخبار عاجلة

ماذا يجري في جامعات الجزائر؟

استوقفتني هذا الأسبوع، دعوة أحد عمداء جامعات الجزائر المستثمرين في الجنوب إلى الاستعانة بالجامعة في تكوين ...ما يحتاجونه من إطارات حسب التخصصات العلمية المتعلقة بالإنتاج، وتساءلت: هل هؤلاء المستثمرون في حاجة إلى "التأطير العلمي" لمؤسساتهم أم اليد العاملة لإنجاز مشاريعهم؟ ومن البديهي أن تكون الإجابة "الاثنين معا".

الأستاذ علامة والشهادة ترقية إدارية؟
هل ما تقوم به الحكومة حاليا يوفر المناخ للاستثمار الحقيقي؟ وهل هناك برنامج محدد زمنيا للتطبيق، وما هي علاقته بمطالب واحتياجات الجنوب الجزائري؟.

حضرت ندوة لرؤساء الغرف التجارية في ولاية بشار حول كيفية التنسيق والتعاون مع الفلاحين لتنظيم عملية بيع المنتوج الفلاحي إلى "ماليزيا"، وفي مقدمته "التمور الجزائرية" التي كانت تمر عبر أحد اليهود الفرنسيين لتباع في الأسواق الآسيوية، والحق يقال أنني وجدت فيهم القدرة والكفاءة في التعاون من أجل تصدير منتوجات البلاد خارج المحروقات، لكنني تساءلت: ماذا يستفيد أصحاب القرار من التصدير مقارنة بما يستفيدونه من الاستيراد؟

حين كنت مارا بمنطقة "واكدة" على بعد بضعة كيلومترات من مدينة بشار أثار انتباهي قافلة شاحنات محروسة تتجه نحو الصحراء تحمل عتاد "التخييم والصيد" وأثناء دخولي إلى أحد الفنادق وجدت ديبلوماسيين سعوديين، وحين سألت عن فحوى هذه القافلة لم أجد إجابة لدى المسؤولين، ولكن مواطنين أكدوا لي أن موسم صيد الحبار والغزال بدأ وأن بعض الأمراء ينتظر أن يصلوا إلى الجنوب الجزائري وأسر أحد المواطنين إليّ قائلا: "هذا موسم الاستثمار في المنطقة"، فتذكرت وصف أحد الأساتذة بعض ما يحث في الجامعات الجزائرية: "جدران وطاولات مكتوب عليها الدروس، وطلبة يشحذون العلامات، وتنظيمات طلابية تهدد الإدارة بالإضراب، وأساتذة يتنافسون على "المنحة"، ومطاعم جامعية تقدم وجبات بعملات لم تعد لها قيمة في السوق (وجبة بدينار واحد وعشرين سنتيما- قيمتها الحقيقية أكثر من 300 دينار)، وسرقات للمذكرات والأطروحات، وغش في الامتحانات وتزوير في الشهادات، وتقويم وتقييم لـ "الأعمال العلمية" بطريقة لا تخضع في أغلبيتها لمقاييس علمية بقدر ما تخضع لمتطلبات الوقت المحدد لإنجازها قانونا، ومسابقات في الماستر لا تختلف كثيرا عن مداولات امتحانات الليسانس، وانتقال من نظام كلاسيكي إلى نظام ( ل. م .د) بطريقة غير علمية بحيث يتم إنجاح الطلبة الراسبين، فالكمبيوتر هو الذي يحدد من ينجح ومن لا ينجح في المداولات وليس الأساتذة الحاضرون".

ويضيف استاذ آخر: "إذا أردنا أن نتحدث بصراحة عن الجامعات الجزائرية فهي في كارثة حقيقية والتعليم الأكاديمي في تراجع، فعندما تقبل الجامعة ملفات أكثر من 500 طالب ماستر فمعناه أن هناك 500 عنوان مذكرة ستناقش وأن عدد الأساتذة المطلوبين للإشراف يتجاوز الـ 50 أستاذا بمعدل استاذ لكل 10 مذكرات والطلبة مجبرون على تقديمها في نهاية السداسي الرابع ، فهل يستطيع طالب همه الوحيد النجاح في الامتحانات أن ينجز بحثا علميا في ستة أشهر على أقصى تقدير؟

أصارحكم إنني قرأت رسالة موقعة من 30 طالبا في سنة أولى ماستر تحمل كلمة "تقرير" تقدموا بها إلى من أطلقوا عليه اسم "رئيس قسم الماستر" عوض صفته العلمية "رئيس التخصص" يطالبون فيها بتغيير أستاذ المادة (المتشدد في تصحيح أوراق الامتحانات) بأستاذ آخر أقل منه شهادة علمية وتشددا، وتحتوي الرسالة تسعة أسطر كلها أخطاء نحوية ولغوية وإملائية فحتى كلمة نرجو كتبت بالشكل التالي(نرجوا) ، وقرأت رسالة أخرى رفعها أحد الأساتذة إلى المجلس العلمي يكشف فيها عن سرقة مذكرته التي نال بها شهادة ماجستير وقد نوقشت باسم سارقها ومنحت له شهادة ماجستير، وأباح لي أحد الأساتذة بأنه قدم تقريرا سلبيا حول أطروحة دكتوره تتضمن استنساخا لبعض الصفحات من كتب الكترونية فأقصي من لجنة المناقشة وعوّض بأستاذ آخر، ولو نواصل عرض ما يجري في الجامعة لتمكنا من إنجاز مجلدات حول النهب الحرفي لأعمال آخرين ، ولهذا فإن ترقية البحث العلمي يحتاج إلى "مدونة أخلاقيات البحث العلمي" وإلى قانون يعاقب على مثل هذه التجاوزات.

المطلوب مجلة وإصدارات لكل جامعة


ترتبط مناقشة الأطروحات والترقية العلمية في الجامعات الجزائرية بـ(المقال العلمي)، ما جعل البعض يلجأ إلى إصدار مجلات وصفت بـ(المحكمة) حتى تنشر فيها هذه المقالات العلمية والدراسات الأكاديمية، لكن البعض منها لا يستجيب لمقاييس النشر، فلماذا لا تفكر وزارة التعليم العالي في وضع شروط علمية وتراخيص من لجان مختصة لاصدار مثل هذه المجلات، قد يقول البعض إنه بإمكان كل جامعة أن تصدر مجلتها والكثير من الجامعات لها مجلاتها لكنها لا تحترم توقيت صدورها وقواعد الكتابة فيها والتخصصات الموجودة بها .

فلو كانت هناك لجنة بوزارة التعليم العالي تتابع هذا النشاط العلمي وتلزم الجامعات بإصدار انتاج اساتذتها أو توفير مكتبات لبيع انتاجهم في الجامعة كما هو الحال في بعض الدول العربية لربما تحرك الجو في الجامعة، كما أن إلزام مراكز البحث العلمي والمخابر العلمية بنشر بحوثها في مدة محددة وجمع ما يقدم في الندوات العلمية من بحوث ومداخلات ونشرها قد يوفر المادة العلمية للباحثين والطلبة، ولو أن الجامعات الجزائرية تقوم باختيار مذكرة ماجستير وأطروحة دكتوراه نموذجية في كل مجال علمي حتى يقتدى بها، لربما تحرك سواكن الغيرة والتنافس في الجامعات، وتحقق خطوة مستقبلية.

مجلس أعلى للتربية والتعليم العالي


مشكلة المنظومة التربوية لا تكمن فيها وإنما في النظام السياسي الجزائري، فعوض أن ننتقل إلى حكومة إلكترونية ما يجبر المؤسسات التربوية على أن تكون حقائب تلاميذها إلكترونية، ويلزم الجامعات أن تكون مكتباتها الكترونية حتى تختصر المسافات بين المؤسسات التربوية وتتوحد البرامج وتوفر المادة العلمية، ولهذا يفترض أن يكون في الجزائر مجلس أعلى للتربية والتعليم العالي يشرف على المنظومة التربوية ويضع حدا للتسيب الموجود فيها، ويبعدها عن التحزب وممارسة السياسة، وإذا لم تسارع الحكومة الى انقاذ هذه المنظومة، فإنها ستتحول إلى أحزاب وتكتلات سياسية فيفقد التعليم وظائفه الأساسية وستدفع الجزائر ثمن ذلك غاليا، فالاستثمار في الانسان أفضل الاستثمارات، ومستقبل الجزائر مرهون ببناء من سيقود البلاد مستقبلا.

عبد العالي رزاقي

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات