أخبار عاجلة

الصندوق الأسود يؤجل الحسم في حادثة طائرة رئيس الأركان الليبي

شهدت العاصمة طرابلس، ثم مدينة مصراتة، مراسم تأبين وجنازات رسمية وشعبية لرئيس الأركان العامة الراحل الفريق ركن محمد الحداد ومرافقيه، عقب وصول رفاتهم من العاصمة التركية أنقرة على متن طائرة رئاسية، في مشهد طغى عليه الحضور العسكري والسياسي الرفيع، وعكس حجم الخسارة التي مُنيت بها المؤسسة العسكرية الليبية. وبدأت مراسم التأبين في مطار طرابلس العالمي، قبل انتقالها إلى مقر وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة، حيث أُقيمت وفق البروتوكولات العسكرية المعتمدة.
وشارك في مراسم التأبين بالعاصمة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بصفته وزيرًا للدفاع، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، إلى جانب عدد من الوزراء والقيادات العسكرية والأمنية، وحضور رفيع من الجانب التركي تمثل في رئيس أركان الجيش التركي، إضافة إلى مشاركة أممية. وأُلقيت خلال المراسم كلمات رسمية أشادت بمسيرة الراحلين، مؤكدة استمرار العمل على توحيد المؤسسة العسكرية والحفاظ على مهنيتها، مع التشديد على مواصلة التحقيقات في حادث تحطم الطائرة بكل مهنية ودقة وبالتنسيق مع الجانب التركي.
وفي ختام مراسم التأبين في طرابلس، أُعلن اتخاذ إجراءات رسمية لتكريم الشهداء، من بينها ترقية محمد الحداد إلى رتبة مشير، وترقية مرافقيه إلى الرتب التي تلي رتبهم، تقديرًا لمسيرتهم العسكرية وتضحياتهم. وجاءت هذه الخطوة في سياق التأكيد على الطابع الوطني للمصاب، وعلى التزام السلطات باستكمال مسار التحقيق دون استعجال النتائج.
وانتقلت مراسم الوداع لاحقًا إلى مدينة مصراتة، حيث أُقيمت جنازة رسمية وشعبية لرئيس الأركان العامة ومرافقيه في مقر المدينة الرياضية، وسط حضور واسع من القيادات العسكرية والمسؤولين والمواطنين. وكانت المدينة قد شهدت، في وقت سابق، مراسم استقبال رسمية للرفات في مقر الكلية الجوية، فيما أعلنت بلدية مصراتة عطلة رسمية لتمكين الأهالي من المشاركة في مراسم الجنازة والتأبين. وفي السياق ذاته، شُيّع الفريق ركن الفيتوري غريبيل في مراسم جنازة أُقيمت بمنطقة قصر بن غشير، ضمن سلسلة وداعات رسمية متزامنة.
وجاءت مراسم التأبين في ليبيا عقب وداع عسكري رسمي أُقيم في قاعدة «مرتد» العسكرية بالعاصمة التركية أنقرة، بحضور كبار قادة القوات المسلحة التركية، حيث اصطف جنود أتراك على امتداد مسافة طويلة لإلقاء التحية العسكرية على الموكب الليبي، في مشهد عكس الطابع الرسمي والعسكري الرفيع للمراسم، قبل نقل الرفات إلى طرابلس.
بالتوازي مع طي صفحة الوداع، تواصلت تطورات التحقيق المتعلقة بتحطم الطائرة، حيث عاد الصندوق الأسود إلى واجهة الاهتمام بوصفه العنصر الحاسم في تحديد أسباب الحادث. ففي الرابع والعشرين من ديسمبر، أعلنت السلطات التركية العثور على مسجل بيانات الرحلة ومسجل الصوت في موقع الحطام جنوب أنقرة، عقب عمليات تمشيط ليلية، مؤكدة سلامته منذ لحظة العثور عليه وحتى التحفظ عليه رسميًا، وبحضور وفد ليبي تابع الإجراءات خطوة بخطوة.
وفي الأيام الأولى، طُرحت فرنسا كخيار محتمل لفحص الصندوق، استنادًا إلى كونها بلد تصنيع الطائرة، قبل أن يُعلن لاحقًا عن اتفاق ليبي تركي على إرساله إلى ألمانيا، في مسار تزامن مع استكمال فحوصات ومطابقة عينات الحمض النووي للضحايا في معهد الطب الشرعي بأنقرة، وهي الفحوصات التي استغرقت قرابة 72 ساعة وأدت إلى تأجيل مراسم التأبين إلى حين استكمالها بشكل نهائي.
غير أن هذا المسار شهد تحولًا جديدًا، بعدما أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، نقلًا عن لجنة التحقيق التركية، أن ألمانيا اعتذرت رسميًا عن عدم إجراء تحليل الصندوق الأسود، مبررة ذلك بعدم توفر الإمكانيات الفنية اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الطائرات. وعلى إثر ذلك، جرى بحث خيارات بديلة، قبل التوافق الليبي التركي على اختيار بريطانيا كوجهة جديدة محتملة لفحص الصندوق، لتكون هذه المرة الثانية التي تتغير فيها الجهة المقترحة منذ العثور عليه.
وحسب معطيات نقلها إعلام محلي، اتفق الجانبان على انتظار الرد البريطاني خلال مهلة 48 ساعة من تاريخ الإخطار الرسمي، على أن يتم اللجوء إلى دول بديلة في حال عدم الموافقة، من بينها ثلاث دول مقترحة، تشمل السعودية. وفي السياق ذاته، أُعلن عن انتهاء مهام لجنة وزارة الداخلية الليبية المكونة من 22 عضوًا، والتي كانت تؤدي دورًا رقابيًا، وعودتها إلى طرابلس، مقابل بقاء لجنة فنية مصغرة من خمسة أعضاء في أنقرة لمتابعة الجوانب الفنية المرتبطة بأسباب التحطم، تضم ممثلين عن وزارتي المواصلات والدفاع.
ولا تقتصر أهمية الصندوق الأسود على كونه جهازًا تقنيًا، بل يُنظر إليه باعتباره الشاهد الوحيد على ما جرى داخل قمرة القيادة وفي أنظمة الطائرة خلال لحظاتها الأخيرة. إذ يسجل هذا الجهاز بيانات دقيقة تتعلق بسرعة الطائرة وارتفاعها ومسارها وأداء محركاتها، إضافة إلى تسجيل الأصوات داخل قمرة القيادة، ما يتيح للمحققين إعادة بناء تسلسل الأحداث بدقة. وبناءً على ما سيكشفه، قد تُحسم طبيعة الحادث، سواء كان ناتجًا عن خلل فني أو خطأ بشري أو سبب آخر لم يُكشف بعد.
وبينما يُنتظر تحديد الوجهة النهائية لفحص الصندوق الأسود، يبقى ملف التحقيق مفتوحًا على احتمالات متعددة، في وقت طُويت فيه صفحات الوداع رسميًا، دون أن يُغلق باب الأسئلة حول واحدة من أكثر الحوادث حساسية في المشهد الليبي خلال الفترة الأخيرة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات