أخبار عاجلة

تواصل الجدل حول دعم حفتر لـ «الدعم السريع» بمرتزقة وسلاح لتأجيج حرب السودان

تُعدّ الحرب الدائرة في السودان بين القوات المسلحة وقوات «الدعم السريع» واحدة من أكثر الصراعات دموية في المنطقة، لكنها لم تعد مجرد صراع داخلي، بل تحوّلت إلى ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، حيث تتكشف يومًا بعد يوم خيوط الدعم العسكري واللوجستي الذي تتلقاه «الدعم السريع» من أطراف إقليمية، وفي صميم هذه الاتهامات تبرز ليبيا، خاصةً المناطق الخاضعة لسيطرة خليفة حفتر، كمنصة لوجستية رئيسية، بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ما يثير مخاوف دولية حول تفاقم الأزمة وانتهاك قرارات حظر السلاح. هذا الدعم يُشير إلى تحالفات إقليمية معقدة، تقوّض جهود إنهاء الحرب وتغذّي العنف الذي يطال المدنيين.
وفي السياق، كشف تقرير مفصّل لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن الإمارات تستخدم الأراضي الليبية كمنصة لوجستية لتكثيف نقل شحنات الأسلحة إلى قوات «الدعم السريع» في السودان. وأوضح التقرير، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين وعرب، أن الإمارات زادت في الأشهر الأخيرة من وتيرة الرحلات الجوية التي تنقل الأسلحة عبر ليبيا والصومال ويتم نقل هذه الشحنات برًا من مناطق في السودان قبل إقلاعها جوًا، في انتهاك صارخ للحظر الدولي المفروض على نقل السلاح.
وتشمل الأسلحة المنقولة، وفقًا للصحيفة، طائرات بدون طيار صينية الصنع متطورة من طراز «CH-95»، بالإضافة إلى أسلحة صغيرة، مدافع رشاشة ثقيلة، مدفعية، وذخائر. وهذا الدعم النوعي ساعد قوات الدعم السريع على شن هجوم متجدد بعد سلسلة من النكسات التي تعرضت لها مؤخرًا.
الصحيفة أشارت إلى أن هذا ليس التدخل الإماراتي الأول في ليبيا، مذكّرة بأنها قدّمت في السابق الأسلحة إلى «زعيم ميليشيا مدعوم من روسيا حاول الاستيلاء على السلطة في ليبيا»، في إشارة واضحة إلى دعمها لخليفة حفتر خلال هجومه على طرابلس.
وعبّر مسؤولون أمريكيون عن إحباطهم الشديد من الدور الإماراتي الذي يقوّض جهود احتواء الحرب في السودان، مؤكدين أن الدعم العسكري الإماراتي هو «الشيء الوحيد الذي يبقي قوات الدعم السريع في هذه الحرب». من جانبها، نفت وزارة الخارجية الإماراتية تزويد أي طرف بالأسلحة، معتبرة هذه الادعاءات مجرد «شائعات».
وتتواصل الاتهامات الموجهة لقوات خليفة حفتر بتقديم دعم عسكري ولوجستي لقوات الدعم السريع في السودان، بالتعاون مع دول عدة ورغم النفي المتكرر لهذه الأطراف، إلا أن الأدلة الميدانية المتزايدة تؤكد صحة هذه الاتهامات.
وفي تأكيد إضافي للدور الليبي، أكدت منظمة «مشاد» السودانية مشاركة طائرات مسيرة ليبية تابعة لحفتر في مساعدة قوات الدعم السريع على تحديد مواقع المدنيين بمدينة الفاشر، أوضحت المنظمة في بيان عبر «فيسبوك» أن مرصدها وثّق مشاركة سبع مسيرات تابعة لحفتر في المساعدة على تحديد مواقع المدنيين. وأضافت المنظمة أنها رصدت من خلال التوثيق والمصادر الميدانية وقوع محارق مروعة استهدفت المئات من النساء والأطفال من جانب تلك المسيرات، مؤكدة أن هذه الأفعال تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتُشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ودعت المنظمة لفتح تحقيق دولي عاجل ومستقل لتحديد المسؤولين عن هذه الجرائم ومحاسبتهم.
وكانت صحيفة «التلغراف» البريطانية كشفت في أيلول/سبتمبر الماضي وجود مئات المرتزقة الكولومبيين الذين يقاتلون في صفوف قوات الدعم السريع، مؤكدة أن الكثير منهم تعرضوا للخداع بعقود عمل وهمية في الإمارات، قبل أن يتم نقلهم إلى ليبيا ومن ثم إلى دارفور.
وحسب شهادات لجنود كولومبيين تحدثوا للصحيفة، فقد تلقوا وعودًا بوظائف حراسة في منشآت نفطية أو فنادق داخل الإمارات مقابل راتب شهري يُقدّر بـ 2600 دولار. لكن بعد وصولهم إلى أبو ظبي، جُرّدوا من جوازاتهم وهواتفهم، وقيل لهم إنهم سيتوجهون إلى دورة تدريبية في ليبيا.
وأكد أحد المجندين، ويُدعى «خوان»، أن الطائرة حطت بهم في مدينة بنغازي، حيث نُقلوا بعدها برًا عبر الصحراء إلى دارفور، ليكتشفوا أنهم في قلب إحدى أكثر الحروب دموية، ويعملون ضمن صفوف قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي».
وأضاف خوان «أنني لم أكن أعلم أنني ذاهب إلى السودان، ولم يكن معظمهم يعلم»، مشيرًا إلى أنهم «قالوا لنا إننا ذاهبون لحراسة منشآت، لكننا وجدنا أنفسنا نقاتل على الجبهات». وأشار التقرير إلى أن بعض هؤلاء المرتزقة لا يزالون في السودان، فيما تُركت جثث آخرين في ثلاجات موتى دون أن تُسترجع، مضيفًا أن عددًا من القتلى الكولومبيين دُفنوا دون علم عائلاتهم. كما كشفت «التلغراف» عن الاتهامات الموجهة لشركات أمن خاصة إماراتية بتسهيل عمليات التجنيد، وهو ما نفته الإمارات رسميًا. ونقلت تصريحات لمسؤولين سودانيين تؤكد مقتل عدد من المرتزقة الكولومبيين الذين حُصل على هوياتهم الرسمية.
وأظهر التقرير أيضًا وجود مقاطع فيديو توثق تجنيد أطفال محليين وتدريبهم على أيدي مرتزقة ناطقين بالإسبانية، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
في أوائل أيلول/سبتمبر الجاري، قدّمت دولة السودان لمجلس الأمن أدلة أثبتت، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية، تورط الإمارات في تجنيد مرتزقة كولومبيين للقتال مع مليشيا الدعم السريع، وأوضحت الوثائق أن المرتزقة نُقلوا من الإمارات إلى الصومال، ثم إلى بنغازي في ليبيا، تحت إشراف ضباط موالين لخليفة حفتر، قبل نقلهم عبر تشاد إلى السودان.
وأشارت الوثائق إلى أن الحكومة السودانية جمعت أدلة واسعة تُظهر أن مئات المرتزقة الكولومبيين، يُقدر عددهم بين 350 و380، معظمهم من الجنود والضباط المتقاعدين، جرى تجنيدهم عبر شركات أمنية خاصة مقرها الإمارات، منها مجموعة الخدمات الأمنية العالمية (GSSG) ووكالة الخدمات الدولية (A4SI).
وبحسب الوكالة، جرى التعاقد مع هؤلاء المرتزقة تحت ذريعة تقديم «خدمات أمن وحماية»، بينما في الواقع جرى نقلهم إلى السودان للقتال مباشرة مع مليشيا الدعم السريع، ويعملون تحت ما يُسمى «تشكيل ذئاب الصحراء».
وشارك المرتزقة في عدة جبهات بالسودان، ما أدى إلى مقتل مدنيين ودمار واسع، فضلًا عن استخدام أسلحة محظورة وتجنيد أطفال وتهريب موارد طبيعية. واعتبرت السودان هذه العمليات «حربًا عدوانية أجنبية تديرها الإمارات»، وطالبت بمحاسبة المسؤولين وتصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية.
وفي أوائل آب/أغسطس الماضي، أثبت تحقيق حديث لمنظمة مركز المرونة المعلوماتية في لندن، وجود معسكر عسكري تابع لقوات الدعم السريع داخل الأراضي الليبية، في منطقة صحراوية قرب بلدة الجوف جنوب الكفرة. وأضافت المنظمة أن وجود المعسكر يثبت استمرار كون ليبيا مسار إمداد رئيسي لهذه القوات.
وحلّل منفذ التحقيق بيانات مفتوحة المصدر وصور أقمار صناعية ومقاطع فيديو، وأكد أن قوات الدعم السريع نقلت معدات عسكرية ووقودًا ومركبات عبر ليبيا، بعضها استُخدم لاحقًا في عمليات هجومية داخل السودان، من أبرزها الهجوم العنيف على مخيم زمزم للنازحين.
وفي تموز/يونيو الماضي، اتهم الجيش السوداني قوات حفتر بمهاجمة مواقع حدودية سودانية، وكان الاتهام هو الأول من نوعه ضد قوات شرق ليبيا بالضلوع المباشر في الحرب. وفي بداية الحرب، اتهم السودان حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدّها بالأسلحة، واتهم حليفته الإمارات بدعم القوات المناوئة للجيش أيضًا.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، قالت صحيفة «مالتيز هيرالد» إن حفتر أرسل شاحنات عسكرية لقوات الدعم السريع استعدادًا لمعركة كبرى في الفاشر، لافتة إلى رصد نشاط مكثف في قاعدة «معطن السارّة» في جنوب شرق ليبيا، حيث تم نقل معدات عسكرية روسية، وأضافت أن حفتر يزود «الدعم السريع» بالقوات والأسلحة، بينما يتم الإمداد والتمويل من الإمارات العربية المتحدة.

اضف تليق

Leave this empty:

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات