بعد أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب، أظهرت الجزائر والولايات المتحدة رغبة أكبر في تعميق العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بينهما، في وقت أعلنت شركة شيفرون العملاقة دخولها السوق الجزائرية في مجال الاستكشاف النفطي في المياه الإقليمية الجزائرية، وهو حدث استقبل بحفاوة كبيرة في البلاد.
وفي زيارة على قدر بالغ من الأهمية، وفق ما وصفها الإعلام الجزائري، حلّ قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، الفريق أول مايكل لانغلي، الأربعاء، بالجزائر، حيث تم استقباله من قبل الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة. وسبق لهذا العسكري أن زار الجزائر عدة مرات، في ظل تعدد مجالات التعاون بين الجانبين خاصة الحرب على الإرهاب.
وعقب استقباله، رفقة الوفد المرافق له، من قبل الرئيس تبون، صرح الفريق أول لانغلي قائلا: “كان لي الشرف والحظوة اليوم للقاء رئيس الجمهورية، حيث تباحثنا في الشؤون العسكرية والتعاون الأمني بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية”. وثمن قائد “أفريكوم” الروابط “العميقة والممتدة عبر التاريخ” بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدا أن هذه الروابط “يسودها الاحترام المتبادل، كما نتقاسم الاهتمامات ذاتها بخصوص الاستقرار والأمن”.
وتطرق في هذا الإطار إلى مذكرة التفاهم في المجال العسكري التي وقع عليها رفقة الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، والتي أكد بشأنها أنها “تؤسس لجميع الأهداف الأمنية المشتركة التي تم بناؤها بين البلدين منذ سنوات”، حيث ستسمح – مثلما قال- بـ”تعميق أكبر لهذه العلاقة من أجل تعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي”.
وأضاف قائد “الأفريكوم” أن الجزائر “بلد رائد في المنطقة” وأن “كل الدول الأخرى ستستفيد من هذه الريادة”، ليتابع قائلا: “سويا، الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر ستزدهران وستواصلان حماية وسلامة الشعوب”.
وقبل هذا اللقاء، كان الفريق أول مايكل لانغلي، قد استقبل من قبل الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، بمقر أركان الجيش.
وبحسب وزارة الدفاع، شهد هذا اللقاء الذي حضره كل من الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وقادة القوات ورؤساء دوائر ومديرين مركزيين بوزارة الدفاع الوطني وأركان الجيش الوطني الشعبي وكذا أعضاء الوفد الأمريكي، إجراء محادثات تناولت “حالة التعاون العسكري بين البلدين، كما تبادلا التحاليل ووجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك”. ووقّع إثر ذلك الجانبان “على مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري بين وزارة الدفاع الوطني للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ووزارة الدفاع للولايات المتحدة الأمريكية”.
بعد ذلك، ألقى الفريق أول السعيد شنقريحة كلمة تقدم فيها بالتهنئة لضيفه العسكري وللشعب الأمريكي الصديق إثر تنصيب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، مبرزا تطلع بلاده “لتعزيز علاقات التعاون الثنائي في مختلف المجالات والقطاعات، بما في ذلك الدفاع والأمن”.
وبعد أن ذكر بـ”عمق العلاقات التاريخية بين البلدين”، أشاد الفريق أول السعيد شنقريحة بـ”الديناميكية الايجابية التي يعرفها التعاون العسكري الثنائي”. ولفت بهذا الخصوص إلى أن الشراكة بين البلدين “تشهد حاليا ديناميكية إيجابية في شتى المجالات، بما فيها مجالي الدفاع والأمن، حيث تعكس هذه الديناميكية إرادتنا على الارتقاء بهذه الشراكة إلى أعلى المستويات بما يخدم مصالح البلدين”.
من هذا المنطلق – يتابع الفريق أول شنقريحة – “نشيد بما يميز علاقات التعاون العسكري الجزائري – الأمريكي الذي يقوم على العقلانية والبراغماتية والحوار البناء والهادف الرامي إلى التأسيس لشراكة مستديمة”.
من جهته، عبر الفريق أول مايكل لانغلي عن “سعادته بزيارة الجزائر وتطلعه الدائم للعمل على تعزيز علاقات التعاون العسكري”، مشيدا بـ”مستوى التنسيق متعدد الأبعاد بين الطرفين وكذا بمساهمة الجيش الوطني الشعبي في استتباب الأمن والسلم في المنطقة”.
وفي جانب آخر من العلاقات، أعلن في الجزائر عن توقيع كل من الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “النفط” وشركة “شيفرون” الامريكية، الأربعاء بالجزائر العاصمة، على اتفاقية لإنجاز دراسة حول إمكانات موارد المحروقات في المناطق البحرية الجزائرية.
ووقع على هذه الاتفاقية عن الجانب الجزائري، رئيس وكالة “النفط”، مراد بلجهم، وعن شركة “شيفرون نورث أفريكا فنتشرز ليميتد”، مدير المشاريع الجديدة العالمية، لوكا ريغو دي ريغي، وهذا بإشراف وزير الدولة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب، وبحضور الرئيس المدير العام لسوناطراك، رشيد حشيشي، واطارات من الوزارة، من “النفط” ومن الشركة الأمريكية.
وتهدف هذه الاتفاقية، التي تمتد لمدة 24 شهرا، وفق بيان لوزارة الطاقة، إلى إنجاز دراسة معمقة لتقييم إمكانيات الموارد النفطية في المنطقة البحرية الجزائرية، كما تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز التعاون بين الجزائر وشركة “شيفرون” في مجال الدراسات التقنية والجيولوجية، مما يمهد الطريق لمشاريع استكشاف وتطوير مستقبلية تهدف إلى تثمين موارد المحروقات الوطنية.
وخلال جولة الحوار الاستراتيجي بين الجزائر والولايات المتحدة العام التي انعقدت بواشنطن سنة 2023، كان وزير الخارجية أحمد عطاف، قد أكد أن دخول الشركات النفطية العملاقة “ميجور” السوق الجزائرية مؤشر على قوة العلاقات الجزائرية الأمريكية. وتحدث الوزير أنه منذ استقلال الجزائر، كانت دائما الشركات الأمريكية التي تدخل السوق الجزائري من الدرجة الثانية أو الثالثة، في حين نشهد اليوم لأول مرة حسبه، حضور الشركات الكبرى (ميجور) في المحروقات في الجزائر. وبحسب عطاف، فإنه في الولايات المتحدة يقال إذا أردت أن تعرف اهتمام أمريكا ببلد، فتابع نشاط شركاتها النفطية، وهو ما يعني المكانة التي باتت تحتلها الجزائر لدى الولايات المتحدة.
والشركات التي تستهدف الجزائر استقطابها هي أن أكسيدنتال وشفرون واكسن موبيل وهي المؤسسات النفطية الأكبر في أمريكا. وفي بداية العام الماضي، دخلت وزارة الطاقة الجزائرية في محادثات مع شركة إكسون موبيل في مجال تطوير المحروقات، لاسيما في مجال المنبع البترولي والغازي. وأكد وزير الطاقة محمد عرقاب في هذا الصدد على عزم الدولة لمرافقة ودعم وتقديم كل التسهيلات لشركاء الأجانب وخاصة شركة “إكسون موبيل” في جميع مراحل تجسيد هذه الاستثمارات.
وتأتي هذه التطورات خاصة التوقيع على مذكرة التعاون العسكرية، وفق مراقبين، في سياق تأكيد الإدارة الأمريكية الجديدة على الرغبة في التعاون مع الجزائر، وإزالة التوجسات التي أثارها تعيين الرئيس ترامب لوزير خارجية (ماركو روبيو) سبق له أن دعا لفرض عقوبات على الجزائر، بسبب مشترياتها من السلاح الروسي.
وخلال الولاية الأولى لترامب كانت العلاقات بين البلدين طبيعية، باستثناء الأيام الأخيرة من ولاية هذا الرئيس التي سعى فيها إلى فرض اتفاقيات أبراهام على الدول العربية من أجل التطبيع مع إسرائيل وهو ما عارضته الجزائر التي عبّرت على لسان رئيسها عن رفض منطق الهرولة للتطبيع على حساب القضية الفلسطينية. وتميزت تلك الفترة بتوتر بين البلدين، بعد قرار ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية مقابل اعتراف الرباط بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. وتدافع الجزائر كما هو معروف على ما تؤكد أنه “حق الصحراويين في تقرير مصيرهم وفق مقررات الأمم المتحدة وتبدي رفضها المطلق لخطة الحكم الذاتي المغربية”.
وبعد انتخاب ترامب لولاية ثانية، وجه له الرئيس تبون رسالة ذكّر فيها بعمق علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، مشيدا بالديناميكية الإيجابية التي تشهدها الشراكة الثنائية في شتى المجالات، مُعربًا في نفس الوقت عزمه على العمل معكم من أجل ترقيتها إلى آفاق أرحب، بما يخدم مصالح البلدين المشتركة. وأضاف الرئيس الجزائري: “لا يفوتني، في هذا المقام، أن أنوه بجهودنا الثنائية في المحافل الدولية وبحرصنا الدائم على تكثيف التشاور والتنسيق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، والمرافعة لصالح المبادرات الساعية إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، باعتبار بلدي عضو غير دائم في مجلس الأمن الأممي”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات