صعّد نواب فرنسيون في البرلمان الأوروبي اللهجة ضد الجزائر، على خلفية اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر بتهم تتعلق بتصريحاته المشككة في الحدود الجزائرية. ووصل الحد بحفيدة جون ماري لوبان، مؤسس حزب اليمين العنصري المتطرف، والمتهم بممارسة التعذيب كضابط في جيش الاحتلال الفرنسي، خلال الثورة الجزائرية، للمطالبة بمقايضة الكاتب بمن وصفتهم “المجرمين الجزائريين القابعين في السجون الفرنسية”.
بكلمات حادة تعكس الحقد الدفين لليمين الفرنسي المتطرف على الجزائر، وهو التيار الذي مارس الإرهاب ضد الجزائريين في السنوات الأخيرة للثورة عبر “منظمة الجيش السري”، هاجمت النائبة الأوربية ماريون ماريشال (ابنة ابنة لوبان) الجزائر، واصفة إياها بـ”الدولة المارقة”، بمبرر الدفاع عن الكاتب بوعلام صنصال المسجون على ذمة التحقيق في الجزائر.
وقالت ماريون ماريشال التي كانت قبل أشهر في حزب المدان بالعنصرية إيريك زمور، إن الجزائر تتصرف “كدولة مارقة”، مشيرة إلى أن اعتقال صنصال يعكس “كراهية الجزائر لفرنسا”. وذهبت إلى حدّ المطالبة بإجراء تبادل للأسرى، حيث اقترحت ترحيل “3500 مجرم جزائري” محتجزين في السجون الفرنسية مقابل الإفراج عن الكاتب. وزعمت ماريون ماريشال أن صنصال مسجون لأنه “تجرأ على انتقاد النظام الجزائري والإسلاموية في فرنسا وأوروبا”. كما اتهمت النخبة الجزائرية بالنفاق، حيث يرسلون حسبها “أبناءهم للدراسة في فرنسا ويتلقون العلاج في مستشفياتها، بينما يمارسون ضغوطًا دبلوماسية على باريس”.
وتكن عائلة لوبان التي تتوارث زعامة اليمين المتطرف منذ الستينات في فرنسا، كرها دفينا للجزائر يتجلى في مواقف السياسيين المنحدرين منها اتجاه المهاجرين الجزائريين والجزائر كدولة بصفة عامة. وخلال الثورة الجزائرية، عمل كبير هذه العائلة جون ماري لوبان في صفوف الجيش الفرنسي في الجزائر، وعرف عنه ممارسته التعذيب ضد الأسرى الجزائريين، مثلما فضحته عدة شهادات في هذا الشأن.
ولم يختلف كثيرا موقف نواب اليمين الفرنسيين في البرلمان الاوربي وفي مقدمتهم فرانسوا كزافييه بيلامي، الذي دعا لمراجعة الاتفاقيات المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر، معتبرًا أن اعتقال صنصال هو “دليل على نفاق النظام الجزائري”. أما النائب الاشتراكي رافائيل غلوكسمان، فقد شبّه النظام الجزائري بالديكتاتوريات التي اضطهدت المثقفين، مشيرًا إلى أن “صنصال هو ضحية نظام قمعي يخشى الكلمة الحرة”.
بدورها، أعربت المفوضة الأوروبية هيلينا دالي عن دعمها لحل دبلوماسي متزن، مؤكدة أن الحوار بين الطرفين قد يكون المفتاح للإفراج عن صنصال. لكن ماريون ماريشال لوبان حذّرت من أن “الصبر الأوروبي لن يدوم طويلاً”، داعية إلى استخدام جميع الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية المتاحة للضغط على الجزائر. وقالت إنها تخشى من أن يصبح “اسم أوروبا مرادفًا للجبن” إذا لم تتخذ خطوات جادة. من جانبها، تبنت النائبة ماتيلد أندرويه، عن حزب التجمع الوطني (الحزب الذي يقوده جوردان بارديلا ومارين لوبان)، موقف مجلة “شارلي إيبدو” اليمينية المتطرفة التي كتبت على غلافها: “الجزائر، خذوا أئمتكم، وأعيدوا إلينا كتّابكم”.
وفي 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعتُقل الكاتب الفرنكو الجزائري بوعلام صنصال بتهم تتعلق بـ”المساس بأمن الدولة”. وفي بيان له، ذكر المحامي فرانسوا زيميراي أن موكله مثل الثلاثاء أمام قسم مكافحة الإرهاب بالنيابة العامة في الجزائر العاصمة وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي. وأكد أن صنصال سيتابع بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على “الأفعال التي تهدد أمن الدولة” وتعتبرها “أعمالا إرهابية”.
ووصف المحامي قرار حبس الكاتب بـ”العمل الخطير”، معتبر أن “سلب الحرية من كاتب بسبب كتاباته يمثل انتهاكًا بالغًا”، لأن “الحرية يجب أن تكون مكفولة، خاصة للكتاب الذين يعبرون عن أفكارهم بحرية”، وفق ما قال. والمعروف أن المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري بعد التعديلات التي أدخلت عليها عام 2021، باتت تدرج الأفعال التي تشكل “تهديدًا لأمن الدولة” بمثابة أفعال إرهابية، ويشمل ذلك “كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي”.
وتسود في الأوساط الفرنسية على مختلف المستويات، حالة من القلق على مصير الكاتب الذي يعتبرونه من الشخصيات التنويرية التي تحارب الإسلاموية وتتخذ مواقف مدافعة عن إسرائيل، وهي عوامل نادرا ما تجتمع في كاتب كبير قادم من بيئة شرقية، وهو ما جعله أحد مراجع اليمين المتطرف في دعم أطروحاته العنصرية والكارهة للأجانب والمسلمين خصوصا.
وعكس نواب اليمين الفرنسي الذين استغلوا الحادثة لمهاجمة الجزائر، اعتمدت الحكومة الفرنسية أسلوبا حذرا في التعامل، حيث صرح وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، رغم أنه من اليمين المعادي للجزائر، على قناة “فرانس إنفو”، أنه يثق في أن رئيس الجمهورية (ماكرون) سيبذل كل الجهود الممكنة والمعروفة عنه من أجل تحقيق الإفراج الفوري عن بوعلام صنصال. وأوضح أن الفعالية تقتضي التحلي بالسرية في مثل هذه القضايا، مشيرًا إلى أن اعتقال صنصال يأتي في سياق دبلوماسي متوتر للغاية بين باريس والجزائر.
وفي الجزائر تختلف المقاربة تماما، فالغالبية الساحقة من الفاعلين السياسيين وللمتابعين أدانوا تصريحات بوعلام صنصال التي أدلى بها لقناة الكترونية محسوبة على اليمين المتطرف في فرنسا والتي زعم فيها أن كل الغرب الجزائري يعود تاريخيا للمغرب، وأن الاحتلال الفرنسي اقتطعه منه، وهو اعتبر جهلا فادحا بالتاريخ الجزائري الذي كانت فيه هذه المنطقة في بداية الغزو الفرنسي في طليعة المقاومة، من خلال الأمير عبد القادر الجزائري، المعروف بأنه مؤسس الدولة الجزائرية في شكلها الحديث.
وفي تعليق له على منصة إكس، قال الدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي إن بوعلام صنصال بكلامه يعيد إحياء السردية الاستعمارية وما تحمله من مغالطات تاريخية، مشيرًا إلى أنه (صنصال) لا يدرك مدى عدم احترامه للمشاعر الوطنية الجزائرية. وأوضح السفير الجزائري السابق في إسبانيا، في المقابل، أن صنصال يعلم جيدًا أن اعتقاله سيخدمه شخصيًا، في الوقت الذي سيسيء فيه إلى صورة الجزائر على الساحة الدولية.
ويُعرف صنصال الذي شغل منصبا حكوميا رفيعا في الجزائر بداية سنوات الألفين (مدير الصناعة)، بمواقفه الصادمة والتي صنفت لدى البعض ضمن دائرة “الخيانة”، حيث لم يتورع عن وصف الثوار الجزائريين الرموز بالإرهاب، ناهيك عن تبنيه أكثر الأطروحات تطرفا عن الإسلام تحت غطاء محاربة الإسلاموية. واشتهر هذا الكاتب بدفاعه الشرس عن إسرائيل التي يزورها باستمرار، وهو ما برز بشكل أوضح بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 من خلال كتاباته وتصريحاته المتكررة.
تعليقات الزوار
مجرد تساؤل
مجرد تساؤل ما هي دلالات هذه الإرهاب السياسي !!!؟؟؟ جاء في المقال ما نصه: "صعّد نواب فرنسيون في البرلمان الأوروبي اللهجة ضد الجزائر، على خلفية اعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر بتهم تتعلق بتصريحاته المشككة في الحدود الجزائرية" انتهى الاقتباس 1- هذا التضامن وهذا التعاطف مع بوعلام صنصال، يشبه تضامن وتعاطف ماكرون مع الكيان، ليس حبا فيهما، إنما بغضا في الفلسطينيين والجزائريين. 2- الجزائريون يدركون هذا الشعور، ويعتبرون فرنسا عدوتهم الأولى، حتى قبل الكيان، ذلك ما عبر عنه من داخل البرلمان وزير العمل والضمان الاجتماعي، الهاشمي جعبوب السابق يوم: 05/04/2022، صراحة بما نصه: "عدوتنا فرنسا التقليدية والدائمة" انتهى الاقتباس 3- مازلت فرنسا لم تستستغ طريقة طردها من الجزائر التي كانت أبشع من طرد أمريكا من فيتنام وأفغانستان والصومال. .../... يتبع