نشرت مجلة “ذي نيويوركر” مقابلة مع الروائي والكاتب اليهودي البريطاني هوارد جاكوبسن وسألته عن الطريقة التي يحاول فيها عقلنة الحرب الإسرائيلية في غزة.
مشيرة لمقال نشره في صحيفة “أوبزيرفر” البريطانية انتقد فيه التغطية الصحافية المستدامة للحرب وقتل الأطفال فيها وأنه صورة عن عمل وظيفي يشبه فكرة “فدية الدم” المعادية للسامية.
وأجرى المقابلة معه إيزاك تشوتنير، مشيرا في البداية إلى أن جاكوبسن كاتب مكثر وهو معلق في عدد من الصحف ويكتب عن اليهود في بريطانيا، وفاز في عام 2010 بجائزة بوكر عن روايته “مسألة فينكلر”. وكان معارضا لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وانتقد قيادة جيرمي كوربن لحزب العمال وتحدث عن انتشار معاداة السامية في الحزب. وقد أصدر رواية جديدة بعنوان “ماذا سيبقى منا”.
لكنه ومنذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبح ناقدا قويا لمعاداة السامية ومنتقدا من تساءلوا عن حرب إسرائيل ضد غزة والتي قتلت أكثر من 42,000 شخصا. وقال جاكوبسن بمقاله المنشور بداية الشهر الحالي:” هذا التحيز الذي وصفته، بوعي أو بدون وعي، لم يسهم برفع مستوى القلق اليهودي فقط ولكن لمناخ العداء والخوف الذين يعيشون اليهود في ظله الآن” و “هذا العرض للأطفال الموتى تؤكد كل تلك القصص عن شهوتهم التي لا تشبع للدم”.
وفي سؤاله عما يريده تمريره للقراء منذ هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر قال :”كنت في حالة من الحيرة من الخوف والتوتر والانزعاج ثم الغضب. كان الخوف والانزعاج – والحسرة – هو المجزرة نفسها”. مشيرا إلى أن الاستجابة للكارثة كان مقلوبا رأسا على عقب و “ما الذي كان يحدث بحق الجحيم بحيث استطاع الناس أن ينقلبوا بهذه الطريقة على الأشخاص الذين تعرضوا للهجوم؟”، مضيفا أن هذا الموقف لم يكن معاداة للسامية فقط، بل ومعاداة للصهيونية. لأن الذين كانوا يهاجمون إسرائيل لم “يعرفوا إن كانوا يهاجمون اليهود أو الإسرائيليين أو الصهاينة”. لكن الصحافي تشونتير ذكَّر جاكوبسن بأن الدعم لإسرائيل بعد الهجمات جاء من كل الحكومات الغربية القوية في العالم. فرد قائلا بأن ما حدث كان ظاهرة غير عادية “فجأة يمكنك أن تثق في الحكومة ولكن لا يمكنك أن تثق في الناس”. ووصف مظاهرات الطلبة في الجامعات بأنها “لا عقلانية”.
وعندما سئل عن الضحايا المدنيين بعد بداية الحرب وعرقلة إسرائيل للمساعدة الإنسانية للناس الجياع وما هو الرد الواجب من الناس عند هذه النقطة؟ أجاب بأنه لا يملك الإجابة لأنه لا يعرف طبيعة الرد و “لكنني لم أثق بأحد ولم أثق بأي تقرير. هذا لا يعني أنني لم أر بعض الصور على شاشة تلفزيون “بي بي سي” كانت رهيبة. لقد أظهرت لك فقط صورا، صورا لا تطاق، صورا مفجعة لأطفال يموتون كل ليلة، لكن أي حرب ستبدو مروعة إذا أظهرت فقط معاناة النساء والأطفال”. و”فكرت، من أنا لأصدق هنا؟ قرأت الكثير من الناس. صدقت البعض ولم أصدق البعض الآخر. لقد انتهى الأمر بشكل سيء جدا. حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية حقيرة. ليس لدي أدنى شك في كل ذلك، لكن هذا لا يعني أن هناك شيئا لا يجب القيام به. ولم يكن هناك بديل عنه. وكان على إسرائيل أن تحاول هزيمة حماس. وفكرت أن اعتقاد نتنياهو بأنه قادر على محو حماس كان غبيا. لذلك شعرت أنه لا بد من محاكمة هذه الحرب. إذا تمت الحرب، فستكون قبيحة”.
وعندما كرر الصحافي السؤال عن فكرة منع المساعدات الإنسانية رد إنه من الصعب معرفة الحقيقة. وعندما ذكَّره بأن أمريكا التي ترسل السلاح إلى إسرائيل اعترفت وإن بشكل تكتيكي أن إسرائيل تحرم المدنيين من المساعدات الإنسانية، وكان رد جاكوبسن: حسنا، إذا كانت إسرائيل تفعل ذلك، فماذا يمكن للمرء أن يشعر إلا أنه متوحش؟ لقد قلت إنه على المرء أن يوازن بين هذه الأشياء. هذا الشيء يجب أن يحدث. هل كان يجب أن يتم الأمر بهذه القسوة؟ لا، انظر، أنا قلق للغاية بشأن العشوائية وعدم التناسب”.
وعندما سأل تشونتير جاكوبسون: ” إذا أنت تطرح فكرة مقتل 1,200 إسرائيلي والآن مقتل 42,000 من سكان غزة، وأن المقارنة بين الاثنين في حد ذاتها لا تعطي أي نوع من الحجة؟” فرد “حسنا، حسنا يا إيزاك، ما هو الرقم الذي ستختاره؟”. وقال تشونتير/” لقد كنت أحاول توضيح ما قلت” فرد جاكوبسن “لا أعرف كيف تحسب هذا، ولن أقول “حساب الانتقام” وبالطبع كان هناك عنصر انتقام ولم أكن أريد أن يكون انتقاما” و”أعتقد أن مبرر ما فعلته إسرائيل هو محاولة التأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى” وقال إن على الإسرائيليين الوصول للإرهابيين الذين يختبئون في المدارس والمستشفيات. “وأعتقد أنه في محاولة التأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى، لا بد أن تكون الأعداد مرتفعة حتما”.
وسأل تشونتير “لكن إن كان اللجوء للمستشفيات جريمة حرب فقصفها هو أيضا جريمة حرب”، فرد جاكوبسن “حسنا، لقد استخدمت الخطاب للتو، عشوائي. حسنا، كيف ستميز؟ إذا كنت تحاول ملاحقة الأشخاص المختبئين هناك، فكيف يمكنك القبض عليهم إذا كان عليك التمييز؟ ماذا تفعل؟”، الجواب من تشونتير، أن عليك الحذر والتفكير، وفي نظر جاكوبسن، فقد فعلت إسرائيل هذا.
لكن الصحافي ذكره بأن الطريقة التي أدارت فيها إسرائيل الحرب ورؤية الحكومة الإسرائيلية عن الفلسطينيين لا تعطي فكرة أنهم حاولوا التفكير والتأني، فرد جاكوبسن: “أود أن أؤمن أن إسرائيل بذلت قصارى جهدها. وسوف يضحك بعض الناس في وجهي، لكنني لم أقتنع بأنهم كانوا عشوائيين إلى حد كبير. لقد قال شخص أو شخصان في حكومة نتنياهو الأشياء الأكثر فظاعة. وإذا تم إخراجهم الآن من الحكومة، سأكون سعيدا تماما. الحكومة الإسرائيلية الحالية ليس لديها أي فكرة عما يمكن أن تكون فلسطينيا، وهو ما أشعر به بعاطفية كبيرة. لقد كانت هناك قسوة في هذه الحكومة”. وعندما عاد تشوتنير لمقالته عن الأطفال وأن الإعلام في تغطيته للوفيات بين الأطفال في غزة وأوكرانيا لم يكن متناسبا، أجاب:” نعم، إنه أمر مثير للاهتمام. من بين كل الأعمال التي قمت بها، يبدو أن هذه هي القطعة التي أزعجت الناس أكثر من غيرها. لقد فكرت في كتابتها لعدة أشهر ولم أفعل، ثم فكرت، حسنا، لا، سأضطر إلى القيام بذلك والمخاطرة بها. وهذا يزعج الناس لأنه في اللحظة التي تتحدث فيها عن موت الأطفال لا يتم التدقيق بكل كلمة فحسب، بل وكل تعليق”. ويواصل قائلا: ” أردت أن أسجل التجربة كيهودي، وقد شاركني فيها العديد من أصدقائي اليهود. فليلة بعد ليلة، عرضت بي بي سي صورا لطفلة فلسطينية جميلة على قيد الحياة في دقيقة وتموت في الدقيقة التالية. وهذا هو الشيء الأكثر وحشية. لقد بكينا ولم نتمكن من تحمل رؤيتها. هل تم استهداف بعض الأطفال؟ إذا تم استهداف الأطفال عمدا، فهذا أمر فظيع جدا وجريمة حرب بلا شك”. و”تحويل الحرب إلى لا شيء سوى قتل الأطفال جعلني أشعر بالمرض وجعلني لا أريد أن أثق بالأخبار. وأنا سعيد بالقول بأن هذا يشبه مشاهدة دعاية حماس. انظر ماذا يفعل اليهود انظر ماذا يفعل اليهود دقوا الجرس يا ناس، اليهود يقتلون الاطفال”.
وعندما تحدى تشوتنير جاكوبسن عن مقارنته بين أوكرانيا وغزة وأن 2,000 طفل أوكراني قتلوا وجرحوا في عامين ونصف من الحرب، فيما قتل الإسرائيليون في عام واحد 15,000 طفل فلسطيني. لم يرد جاكوبسن، لكن تشوتنير واصل أن بعض أطفال أوكرانيا كانت لديهم فرصة للهروب من جبهات القتال، أما أطفال غزة فلا و”لأن إسرائيل خاضت حربا مكثفة وقتلت الأطفال لأنهم لم يكونوا يحاولون تجنب الضحايا المدنيين كما يجب وبهذه الطريقة أصفها”.
وعندما رد جاكوبسن، قائلا “هل تعتقد أن الروس تجنبوا الضحايا المدنيين؟” الجواب لا بل على العكس اختطفوا الأطفال. ولكننا نتحدث عن التغطية الإعلامية وقتل عدد كبير من الأطفال في غزة، وهو ما يفسر التباين. وقال جاكوبسن:” لماذا يجب أن تكون هذه مسألة أرقام؟ أنا لا أقول إن وسائل الإعلام يجب أن تقلل من عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلوا. إنها مسألة ما إذا كنت ستختار أن تبدأ كل قصة بقتل الأطفال. قتل 45 طفلا اليوم، قتل اليوم 30 طفلا، 15 طفلا قتلوا اليوم. لقد تحول الأمر إلى هوس وما زال”.
وفي محاولة لربط ما يجري في غزة ومواقف اليهود الأمريكيين والبريطانيين في مرحلة ما بعد هجمات 7 أكتوبر بحيث قاد عدد منهم لدعم كل ما تقوم إسرائيل. فرد:” أقبل جدالك. لكن الأمر يشبه المستنقع بعض الشيء عندما تقول: “حسنا، لا تخلط بيننا وبين الإسرائيليين. ليس لدينا أي علاقة بذلك”. فالمرحلة التالية هي: كل الأشياء الفظيعة التي تقولها عن إسرائيل مسموح لها أن تكون حقيقية”. مضيفا أنه ينتقد نفسه مثل غيره من اليهود و “من يعرف بحق الجحيم ما هو الشيء الصحيح الذي يجب عمله؟ لماذا لا يمكننا أن نعترف بذلك؟ نحن لا نعرف. وهذا ليس تفويضا مطلقا للإسرائيليين. إذا ارتكبت جرائم حرب، فليحاكموا عندما يصبح كل شيء واضحا. ولكن في هذه اللحظة، في ضباب الحرب”.
ويعتقد جاكوبسن أنه “على الغرب مواصلة دعم إسرائيل وتزويدها بالأسلحة لأنني أعتقد أنهم جزيرة محاطة بالأعداء. لدى الإسرائيليين الكثير من المعارك فوق رؤوسهم. ولكي أكون واضحا: أنا لا أؤيد أي شيء قد يفعلونه. أنا لا أؤيد كل ما فعلوه. لكني أفهم لماذا يتعين عليهم القيام بذلك. أفهم لماذا يتعين عليهم القيام بذلك”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات