أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي التابعة للمنطقة الغربية رفع حالة الاستعداد والجاهزية القصوى لوحداتها العسكرية، لصد أي هجوم محتمل. وذلك ردا على تحركات عسكرية للقيادة العامة للقوات المسلحة التي يقودها المشير خليفة حفتر باتجاه بلدة الشويرف جنوب غرب ليبيا، يقول أنها تهدف لتأمين الحدود الجنوبية للبلاد وتعزيز الأمن القومي واستقرار البلاد.
وتثير هذه التحركات مخاوف من تكرار سيناريو مواجهات 2019 حين شن المشير حفتر هجوما على العاصمة الليبية طرابلس لتحريرها من الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني حينها بقيادة رجل الأعمال فايز السراج والمدعومة من تركيا.
ولم يتراجع حفتر عن الهجوم إلا بعد تدخل عسكري تركي نجح في دفعه للتراجع إلى منطقة سرت الساحلية في معركة لعبت فيها المسيرات التركية دورا حاسما.
وتأتي استعدادات رئاسة الأركان خشية من الهجوم على مدينة غدامس (قرب مثلث حدود ليبيا مع كل من تونس والجزائر في الجزء الغربي من البلاد) والسيطرة على معبر الدبداب الحدودي مع الجزائر. حيث طلبت "قوة العمليات المشتركة"، في بيان من منتسبيها والقوات المساندة لها الحضور بمقر القوة، مصحوبين بكامل تجهيزاتهم ومعداتهم.
وفي اليومين الماضيين توجهت أرتال عسكرية تابعة للقيادة العامة للجيش الليبي الذي يترأسه حفتر، إلى بلدة الشويرف جنوب غرب ليبيا طرابلس.
وأعلنت القوات التي يقودها صدام نجل المشير حفتر، الثلاثاء عن "عملية عسكرية" تهدف رسميا إلى "تأمين الحدود الجنوبية للبلاد وتعزيز الأمن القومي واستقرار البلاد في هذه المناطق الاستراتيجية" و"نشر دوريات" لمراقبة الشريط الحدودي مع دول الجوار.
ولليبيا حدود مع السودان من الجنوب الشرقي، وتشاد من الجنوب، والنيجر من الجنوب الغربي، والجزائر من الغرب، وتونس من الشمال الغربي.
وتحيي هذه التحركات باتجاه مناطق في الجنوب الغربي تسيطر عليها حكومة طرابلس المعترف بها من الأمم المتحدة، شبح الحرب الأهلية بعد أربع سنوات من وقف إطلاق النار.
وأوردت قناة "ليبيا الأحرار" الخميس نقلا عن مصدر من رئاسة الأركان العامة أن "معاون رئيس الأركان الفريق صلاح النمروش أعطى تعليماته لوحدات الجيش برفع درجة الاستعداد لصد أي هجوم محتمل" في الجنوب الغربي.
وتعاني ليبيا من انقسامات منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. وتدير شؤونها حكومتان، الأولى معترف بها دوليا في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد وتحظى بدعم البرلمان والمشير خليفة حفتر ومعقله مدينة بنغازي.
ويقول الخبير في الشؤون الليبية في مركز "المجلس الأطلسي" للأبحاث عماد بادي إن "غرب ليبيا غارق الآن في اضطرابات كبيرة في سياق حشد (قوات) حفتر، الذي ينظر إليه البعض على أنه مقدمة لهجوم محتمل على طرابلس".
ووفق محللين آخرين ووسائل إعلام محلية، فإن الهدف من هذه التعبئة هو السيطرة على مطار مدينة غدامس، الواقع على بعد 650 كيلومترا جنوب غرب طرابلس، والخاضع حاليا لسيطرة حكومة الدبيبة.
ويقدر بادي أن سيطرة القوات الموالية لحفتر على غدامس، وهي منطقة استراتيجية عند تقاطع حدود ليبيا مع الجزائر وتونس، "سيمثل انهيار وقف إطلاق النار لعام 2020".
وسيكون للسيطرة على غدامس "العديد من الفوائد" لمعسكر حفتر، ومنها منع أي تحرك (لأنصار الدبيبة) نحو الجنوب، وعزل الدبيبة، وتجريد عماد الطرابلسي (وزير داخليته) من ميزة السيطرة على هذه المنطقة الحدودي"ة، وفق ما قال الباحث في "المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة" جلال حرشاوي لوكالة فرانس برس.
ويرى حرشاوي أن قوات حفتر "تطمع منذ عدة سنوات" في مطار غدامس والمناطق المحيطة به لأن السيطرة عليه "من شأنها أن تعزز بشكل كبير وضع حفتر الإقليمي في مواجهة الجزائر وتونس والنيجر". بعد بسط سيطرته على الجنوب بأكمله من الشرق إلى الغرب.
وشن حفتر هجوما واسعا في الفترة من نيسان/أبريل 2019 إلى حزيران/يونيو 2020 للسيطرة على طرابلس. وتمكنت قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا، من إبقائه على أطراف المدينة، قبل انسحاب قواته بالكامل إلى الجفرة وسرت وسط ليبيا.
ورغم استمرار الخلافات السياسية وتحولها في كثير من الأحيان إلى اشتباكات دامية بين جماعات مسلحة، فإن وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2020 بعد فشل هجوم قوات حفتر ما يزال صامدا إلى حد كبير.
والخميس، قال المجلس الأعلى للدولة ومقره في طرابلس وهو يعمل بمثابة غرفة ثانية للبرلمان، إنه يتابع "بقلق بالغ التحركات العسكرية الأخيرة في منطقة الجنوب الغربي من قبل قوات حفتر خلال اليومين الماضيين".
وأضاف المجلس في بيان "هذه التحركات قد ينتج عنها العودة إلى الصراع المسلح الذي يهدد اتفاق وقف إطلاق النار" المبرم عام 2020، ويقوض "مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، ويقود إلى انهيار العملية السياسية".
وتقع المنطقة المتنازع عليها بمحاذاة منطقة فزان التي يُحكم حفتر وقواته السيطرة عليها، وتشترك في الحدود مع ليبيا والجزائر والنيجر، ويعتبرها الجيش الليبي "منطقة محتلة من طرف الجزائريين".
وتعرف العلاقة بين السلطات الجزائرية والمشير حفتر بالتوتر، وكان الأخير قد هدّد في عام 2021 بشن هجوم على الجارة الشرقية لـ"محاربة الإرهاب القادم عبر الحدود".
وأكّدت الجزائر حينها على ضرورة احترام الحدود المعترف بها بين البلدين من أجل تفادي الدخول في صراع إقليمي.
وقال رئيس اركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة خلال زيارته لمنطقة عسكرية حدودية مع ليبيا إن بلاده " لن تقبل أي تهديد أو وعيد، وسيكون ردها قاسيا وحاسما على من يحاول المساس بأمنها وسلامة أراضيها."
وأغلقت المعابر الحدودية بين الدولتين منذ اندلاع ثورة فبراير/شباط عام 2011، ورغم أنها شهدت فتحاً مؤقتاً في عام 2015، فإن التوترات الأمنية حالت دون استمرار حركة المواطنين في المعبر الرئيسي غدامس وكذلك في معبر "تين الكوم" و"طارات".
ويتواصل الانقسام بين شرق وغرب البلاد، وفشلت مساعي المبعوثين الأمميين السابقين في حل الأزمة، وذلك لاستفادة النخب السياسية على جانبي الأزمة من الوضع القائم.
وكان من المقرر أن تجرى أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا، في 24 ديسمبر 2021، لكن خلافات سياسية بين مختلف أطراف الأزمة الليبية، فضلا عن خلافات حول قانون الانتخابات، حالت دون إجرائها.
تعليقات الزوار
لا تعليقات