في إحاطة دورية أمام مجلس الأمن الدولي، أفاد كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في تقريره السابع والعشرين للمجلس، بتحقيق “تقدم قوي” خلال الأشهر الأخيرة بشأن التحقيقات التي يقوم بها مكتبه في ليبيا. وقال إن فريق الأمم المتحدة الموحد في ليبيا نفذ 18 مهمة في 3 مناطق جغرافية، وجمع أكثر من 800 دليل، بما في ذلك مواد مرئية وصوتية، فضلا عن أكثر من 30 إفادة، وإفادات عبر المقابلات. وأضاف خان أنه تم إحراز تقدم كبير فيما يتعلق بالتحقيق في الجرائم المزعومة في مراكز الاحتجاز في الفترة بين عامي 2014 و2020، وقال: “واصلنا تقديم دعم ملموس وهادف فيما يتعلق بالإجراءات الوطنية بشأن الجرائم ضد المهاجرين”. وقال إنه استضاف أعضاء فريق التحقيق المشترك في المقر الرئيسي للمحكمة في لاهاي في آذار/ مارس الماضي، “حيث قام الفريق أيضا بتفصيل كيف يمكننا تحقيق التآزر للتأكد من التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد هؤلاء الأفراد الأكثر ضعفا، والمساءلة بشكل صحيح”.
وتناول الكلمة في نهاية كلمات أعضاء مجلس الأمن السفير الليبي، الطاهر السني، الذي رحب بما جاء في بيان الجزائر وبالأخص في أنه لا يمكن النظر للوضع في ليبيا الآن بمعزل عن كم التدخلات الخارجية المستمرة منذ سنوات.
كما ثمن السني الجهود التي يبذلها خان منذ توليه منصبه، وحرصه على زيارة ليبيا هو وفريقه عدة مرات، وذلك في إطار التعاون القائم بين السلطات الليبية والمحكمة الجنائية الدولية، وكان آخر هذه الزيارات لقاء نائبة المدعي العام مع النائب العام الليبي الشهر الماضي، “حيث كان محور اللقاء العمل على تبادل المعلومات وزيادة التعاون المشترك حيال التحقيق في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بصفة عامة، وما ارتُكب من جرائم في مدينة ترهونة والمقابر الجماعية المكتشفة بصفة خاصة، وذلك من منظور مفهوم التكامل بين القضائين الوطني والدولي”.
وأكد السفير الليبي مجدداً أن تحقيق العدالة على الأراضي الليبية هو اختصاص سيادي وولاية قضائية وطنية، والقضاء الليبي ملتزم بضمان محاكمة عادلة ونزيهة لكل المطلوبين مهما طال الوقت، وان الجرائم المرتكبة لا تسقط بالتقادم وفقاً لقانون العقوبات الليبي، وقال: “وفي هذا الصدد نؤكد مجدداً بأن تعاوننا مع المحكمة الجنائية الدولية حسب الولاية الممنوحة لها يأتي كدور مكمل للقضاء الوطني وليس بديلاً عنه”.
ثم تعرض السفير السني للثغرات العديدة التي تضمنها التقرير وما سماه خارطة الطريق والاستراتيجية المقترحة، والتي تضمنت ثلاثة مسارات للتحقيقات خلال الفترة المقبلة والمتعلقة بالجرائم المرتكبة في مرافق الاحتجاز؛ والجرائم المتعلقة بالعمليات التي جرت بين 2014- 2020، والجرائم المرتكبة ضد المهاجرين. كما تضمن التقرير أن مكتب المدعي العام لن يصدر أوامر قبض إضافية بعد استكمال مرحلة التحقيق عام 2025. وتساءل السفير: “هل يعني هذا أننا وبعد مرور كل هذه السنوات وبعد كل هذه التحقيقات والزيارات الميدانية لفريقكم، والأدلة والقرائن التي بحوزتكم بحسب بياناتكم وتقاريركم (وأنا هنا لا أتحدث فقط عن فترتكم السيد خان، بل نتحدث اليكم كمؤسسة بدأت عملها في ليبيا منذ قرابة ثلاثة عشر عاماً)، هل يعني هذا أننا لن نرى بعد نتائج ملموسة بحجم ما يذكر من انتهاكات جسيمة في تقريركم حتى الانتظار إلى نهاية العام القادم؟ هل على الليبيين الانتظار أكثر؟ نحن توقعنا نتائج فعلية بعد كل هذه السنوات، في الوقت الذي شاهدنا فيه سرعة قياسية في إصدار مذكرات اتهام في قضايا دولية أخرى!”.
وأثار السفير السني مسألة تغييب موضوع المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة والتي تعتبر من أكبر الفظائع التي شهدتها ليبيا في العصر الحديث، وقال: “نحن نأسف أنه وحتى الآن لم يتم الكشف عن جميع المتورطين في هذه القضية الشنيعة من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بالرغم من زيارات فريقهم العديدة وكم الأدلة والبراهين المثبتة، وتعاون مكتب النائب العام الليبي معهم، ولكن حتى الآن لم يتم إصدار مذكرات قبض ضد جميع المتورطين وبالأخص الهاربين منهم خارج البلاد، رغم إصدار مكتب النائب العام الليبي مذكرات اتهام وتوقيف ضدهم”. وتابع السفير الحديث: “وما يؤسفنا حقاً ونتمنى على السيد خان توضيحه لعله مجرد لبس، أننا لاحظنا في هذا التقرير إسقاطا كاملا لذكر الجرائم المرتكبة في ترهونة كملف قيد التحقيق، مثلاً الفقرة 42 والخاصة بالتحقيقات في الجرائم بين عامي 2020-2014، لاحظنا فيها أنه لا وجود لذكر التحقيق في جرائم المقابر الجماعية في ترهونة، أو “جرائم ترهونة”كما كانت تذكر سابقاً، وهذا أيضاً الحال في التقرير 26 في حين كانت جرائم ترهونة تذكر منذ التقرير 19 حتى 25، كما أنك سيد خان تُقدمها في بياناتكم كأولية، ولكن في تقريركم الأخير اختفت تماماً”. وتساءل: “فما جدوى بقاء ليبيا تحت وصاية هذه المحكمة في وجود جريمة بيّنة ومكتملة الأركان كهذه، ورغم أننا نؤمن بأهمية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولكن الليبيين يسألون ماذا قدمتم لنا؟ أين هي النتائج بعد 13 عاماً و27 تقرير، عشرات الزيارات ومئات الأدلة والقرائن! كل هذه السنوات وبعد 2011 وضع اسم واحد فقط وهذا الشخص قد قُتل، وهذا يعطي الانطباع ان المحكمة مُسيّسة؟”.
أين غزة من تقارير المدعي العام؟
ثم تطرق السفير الليبي إلى موضوع غزة متسائلا أين السيد خان مما يجري في غزة، “الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب التي ترتكب لمدة سبعة أشهر أمام أعينكم، العالم ينتظر منك السيد خان أن تثبت جدوى هذه المحكمة، وأن تتسم بالشجاعة وأن تصدر مذكرات القبض على مجرمي قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذين يتبجحون ليلاً ونهارا بجرائمهم أعلنوا مرارا وتكرارا نيتهم علناً إبادة الشعب الفلسطيني؟”.
وقال السفير السني إن شعوب العالم والضمير الإنساني يطالب بالكشف عن المتورطين في مقبرة الأطفال الجماعية في غزة، والمجاعة المفتعلة في القطاع، والتطهير العرقي والإبادة الجماعية المرتكبة في “هولوكست القرن الواحد والعشرين …. هولوكست غزة! ..ماذا تنتظر يا سيد خان .. العالم يتساءل؟ هل تحتاج مزيدا من الأدلة؟ ألا ترى التهديدات الآن على المدنيين في مدينة رفح؟ والمجزرة المحتملة في أي وقت. الآن هو الاختبار الحقيقي لهذه المؤسسة … فهل هي مُسيّسة أم حيادية ومستقلة؟ لأن مصداقيتها كانت دائماً محل تساؤل، والآن أصبحت مصداقيتها يوماً بعد يوم على المحك”.
ورفض المدعي العام الإجابة عن أسئلة الصحافيين أثناء مغادرته قاعة مجلس الأمن الدولي كما رفض طلبا للقاء الصحافيين في قاعة المؤتمرات الصحافية.
تعليقات الزوار
لا تعليقات