أخبار عاجلة

روسيا تحرك الأسلحة النووية

لا تسجل ساحة الحرب بين روسيا وأوكرانيا تطورات ملحوظة وغير عادية، غير أن العلاقات بين موسكو والعواصم الغربية وأساسا باريس ولندن قد شهدت توترا ملحوظا شبيها بالتوتر الذي حدث خلال شباط/فبراير 2022 تاريخ بداية الحرب، ومعه يعود شبح حرب بين روسيا والغرب إذا خرجت الأوضاع عن السيطرة.

وعلاقة بإيقاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لا توجد تطورات ملفتة بل تسير وفق معطيات أصبحت واضحة للجميع وتتجلى في تراجع القوات الأوكرانية ببطء نتيجة الضغط الروسي، وتستمر كييف في مطالبة الدول الغربية بتزويدها بالعتاد العسكري. ومن جانبها، تتحرك موسكو ببطء ولا تتقدم بسرعة كبيرة حيث تفضل البقاء في حدود إقليم دونيتسك الذي أصبح جزءا من أراضيها، وتحاصر المنطقة القريبة من دونيتسك، وتنفذ بين الحين والآخر ضربات قاسية ضد بنى تحتية خاصة الطاقة أو مخازن الأسلحة، وهي ضربات تكون أحيانا أقرب إلى تجريب بعض الأسلحة. وعلاقة بهذه النقطة، فقد جربت روسيا معظم أسلحتها الحديثة في هذه الحرب وخاصة الصواريخ المجنحة والفرط صوتية التي تتقدم فيها عن الغرب.
ويبقى التطور الملحوظ الذي أعاد هذه الحرب إلى الواجهة في ظل متابعة العالم ما يجري من حرب الإبادة في قطاع غزة، هو ما صدر عن باريس من إمكانية إرسال قوات عسكرية لحماية أوكرانيا، ثم احتمال لندن الترخيص للجيش الأوكراني بضرب الأراضي الروسية بالسلاح البريطاني. ويبقى السؤال: هل التصريحات الفرنسية والبريطانية، التي تعد تهديدا صريحا بإمكانية دخول الحرب تعتبر فصلا جديدا قد يؤدي إلى مواجهة روسية-غربية، وهل هي تعهدات عسكرية حقيقية وجادة أم مجرد تصريحات سياسية لا ترقى إلى التزام حقيقي؟
علاقة بالموقف الفرنسي، خلال الأسبوع الماضي، عاد الرئيس إيمانويل ماكرون في حوار مع المجلة البريطانية «ذي إيكونوميست» ليثير جدلا عسكريا كبيرا عندما صرح باحتمال إرسال باريس لقوات فرنسية للمشاركة في دعم الجيش الأوكراني في مواجهة روسيا في الحرب الدائرة. ويعتمد ماكرون في رؤيته هذه على مفهوم الأمن القومي الأوروبي والفرنسي والذي يتجلى في أن سقوط أوكرانيا سيكون كارثة على أوروبا والغرب لاسيما في الظروف الحالية التي يمر بها العالم بتغييرات جيوسياسية عميقة. ويعتقد ماكرون ومساعدوه بضرورة تجنب انتصار روسي أو على الأقل أن يكون الانتصار مكلفا، لأن كل انتصار كبير سيجعل شبح روسيا يهدد أوروبا دائما.
ويرى خبراء عسكريون فرنسيون أن ما يدعو إليه الرئيس ماكرون هو ضرورة إرسال قوات للدعم اللوجيستي التي ستساهم في التخطيط للمواجهات الحربية وصيانة الأسلحة الفرنسية الصنع التي يستعملها الجيش الأوكراني مثل مدافع سيزار التي لا يمكن نقلها لفرنسا للصيانة. وتجدر الإشارة إلى أن الأسلحة الغربية تحتاج إلى الصيانة بعد استعمالها، ولا تمتلك أوكرانيا خبراء الصيانة، ولهذا يفكر الغرب في إرسال خبراء، وعمليا، يتواجد خبراء بشكل غير معلن في هذا البلد للقيام بهذه المهمة.
وكان الحدث الثاني في هذه الحرب هو تصريحات وزير خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون. وخلال تواجده في زيارة إلى كييف الأسبوع الماضي، وردًا على سؤال لرويترز عما إذا كان يحق لأوكرانيا استخدام الأسلحة التي قدمتها المملكة المتحدة لمهاجمة أهداف داخل روسيا، أجاب كاميرون: «لأوكرانيا هذا الحق. فكما أن روسيا تهاجم داخل أوكرانيا، يمكنك أن تفهم جيدًا لماذا تشعر أوكرانيا بالحاجة إلى التأكد من أنها تدافع عن نفسها».
عكس ما ذهبت إليه عدد من التحاليل في الإعلام بما فيه البريطاني، لم يكن وزير الخارجية يكشف عن استراتيجية جديدة في هذه الحرب، يقدر ما كان يرد على سؤال جرى توجيهه له، لأن لندن لا يمكنها اتخاذ خطوة من هذا النوع بدون تنسيق مسبق مع واشنطن. في الوقت ذاته، تدرك ما سيترتب عن قرار مثل هذا، أولا، سترفع روسيا من إيقاع الضربات لأوكرانيا، وثانيا قد تقصف مصالح غربية في أوكرانيا وربما في الدول المحيطة بأوكرانيا التي تدخل منها الأسلحة. علاوة على هذا، كان التهديد البريطاني استفزازا لموسكو لأن الأخيرة شوشت على نظام جي بي إس مؤخرا عندما كان وزير الدفاع البريطاني في أجواء دول البلطيق.
لم يحمل الموقف الفرنسي والبريطاني جديدا سوى الاستفزاز السياسي أكثر منه العسكري. رغم ذلك، لم تترد موسكو في الرد العنيف عليهما وعلى الغرب. وجاء الرد القاسي من مصادر متعددة. علاقة ببريطانيا، حذّرت وزارة الخارجية الروسية بريطانيا الاثنين من الأسبوع الجاري من أن القوات الروسية يمكن أن تضرب «أي منشأة أو معدات عسكرية بريطانية على الأراضي الأوكرانية وخارجها» إذا استخدمت كييف «أسلحة بريطانية» ضد أهداف في روسيا.
وفي اليوم نفسه، استدعت موسكو السفير الفرنسي المعتمد لديها للتنديد بسياسة باريس «الاستفزازية» بشأن الصراع في أوكرانيا بعد أن أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجددًا إمكانية إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا. واعتبرت أن باريس تمارس لعبة الغموض الحربي التي ستكون لها عواقب كبيرة.
ويبقى الرد القوي هو الصادر عن الرئيس فلاديمير بوتين نفسه الخميس من الأسبوع الجاري مؤكدا «روسيا لن تسمح بأي تهديدات لها، ونحن نضع القوات النووية الإستراتيجية الروسية في حالة تأهب دائمة».

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات