في ظل حالة الجمود السياسي الذي تعيشه ليبيا فضلا عن الانقسام الذي تسبب في خلق حكومة موازية تسيطر على الجزء الشرقي من البلاد، يتصاعد الجدل حول قدرة ليبيا على الوصول إلى بر الأمان والمتمثل في انتخابات نزيهة ترضي بنتائجها جميع الأطراف المتصارعة في ظل هذا الاحتقان.
ورغم سن مجلس النواب الليبي لقوانين انتخابية إلا أنها أثارت جدلاً في مضمونها وعقدت أمر الوصول للانتخابات بل اتهم المجلس عقب نشرها بسن قوانين لأشخاص بعينهم وتهدف إلى إيصال أشخاص معينين للسلطة.
وكمحاولة لحل هذا الجمود انطلقت عدة مبادرات الدولية كان آخرها مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي بجمع أطراف الصراع على طاولة خماسية واحدة وهم مجلس النواب والدولة والرئاسي وحفتر وحكومة الوحدة الوطنية، إلا أنها لم تر النور بسبب رفض مجلس النواب لقاء حكومة الوحدة الوطنية واعتراضه على عدم دعوة الحكومة المكلفة من طرفه والتي يقودها أسامة حماد.
وعقب فشل مبادرة باتيلي تقدمت جامعة الدول العربية بمبادرة أسفرت عن اجتماع عُقد في القاهرة، دعا له أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط كلاً من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة السيادي الدكتور محمد تكالة، اتفق الحاضرون فيه على وجوب تشكيل حكومة موحدة، تكون مهمتها الإشراف على العملية الانتخابية، وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن، بالإضافة إلى توحيد المناصب السيادية بما يضمن تفعيل دورها المنوط بها على مستوى الدولة الليبية.
إلا أن هذا الاجتماع أيضا قوبل بملاحظات عديدة حيث رفض بعض أعضاء مجلس النواب مبدأ تشكيل لجنة للنظر في القوانين الانتخابية معتبرين ما جاء عن لجنة 6+6 ملزم ونهائي، فيما علق آخرون على أن أي مبادرة تقصي أطرافاً ستفشل لا محالة، مشيرين إلى حكومة الوحدة الوطنية والتي أكدت مراراً أنها لن تقبل بتشكيل حكومة جديدة والدخول في مراحل انتقالية مؤكدة أنها لن تسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة من الشعب.
كل هذه التطورات دفعتنا إلى مقابلة أحد أعضاء مجلس النواب الليبي لمناقشة الآفاق المستقبلية للحل في ليبيا وكان ضيفنا لهذا الحوار هو عضو مجلس النواب عن مدينة زليتن عمار الأبلق والذي علق في مناسبات عديدة على تصرفات مجلس النواب وغيره من الأجسام السياسية بشكل موضوعي ومجرد وهذا نص الحوار.
○ نبدأ بآخر المستجدات السياسية وهو اجتماع القاهرة الذي تبنته جامعة الدول العربية وجمع الرئاسي ومجلس النواب والدولة، كيف تعاطيتم كنواب مع هذا الاجتماع وهل يتفق كل النواب على ما جاء في مخرجاته خاصة حول الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة لقيادة العملية الانتخابية في ليبيا؟
• لا أعتقد أن لقاء القاهرة سيفضي لشيء ملموس، لأن الأطراف المشاركة فيه هي جزء من الطاولة الخماسية التي دعا إليها المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي منذ أشهر ولم تر النور بعد نتيجة الخلافات، كذلك هناك عدم ثقة ما بين الأطراف الثلاثة حيث أن المجلس الرئاسي جاء عبر خريطة تونس في قائمة واحدة مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وبتغيير الحكومة يفقد اتفاق جنيف استمراره ما يجعل الرئاسي في مهب الريح أيضاً، كذلك عدم قبول مجلس الدولة لنتائج لجنة 6+6 بشأن الانتخابات والاتفاق على تشكيل لجنة لمراجعة هذه القوانين التي خرجت للعلن بعد مخاض عسير بحيث لا يمكن تعديلها في إطار توافقي بين الأطراف وهذا الشرط الأساس لرئاسة مجلس الدولة قبل الخوض في إجراءات استبدال الحكومتين. ويبقى الأهم هو أن الأطراف الدولية الداعمة لمسار باتيلي لم تستطع بكل الطرق من جمع الفرقاء، فهل تنجح الجامعة العربية في ذلك في ظل عجزها المطلق عن معالجة قضايا الأمن القومي العربي بما فيها الحرب على قطاع غزة والتي دخلت شهرها السادس بلا أي أفق للحل أو مبادرات؟
أما من وجهة نظر أغلب النواب فإن توحيد السلطة التنفيذية يعتبر من أولى الأولويات لأن قطاع الخدمات والذي يرتبط ارتباطا مباشرا بحياة المواطن اليومية هو من صميم عمل السلطة التنفيذية والتي هي منقسمة الآن، بالإضافة لعدم السيطرة على حجم الانفاق في ظل الانقسام، وكذلك من وجهة نظري الخاصة وكثير من السياسيين هو الذهاب لانتخابات تشريعية تفضي لتوحيد مؤسسات الدولة السيادية بما فيها الحكومة وتعالج قضايا الدستور.
○ برأيك أيضا ما الأسباب التي دعت الجامعة العربية إلى الالتفات والاهتمام بالأزمة الليبية بعد سنوات من التجاهل حيث أن تدخلها يعد سابقة فما السبب برأيك؟
• ربما جاء هذا بإيعاز من الحكومة المصرية رغبة منها في محاولة حلحلة الانسداد السياسي الحاصل، لأن الحكومة المصرية وكما تعلمون متدخلة بصورة مباشرة في المسألة الليبية كونها دولة جوار.
○ دار الجدل مؤخراً حول الاتفاق على تعديل سعر الصرف أو بالأحرى فرض رسوم عليه بين البرلمان والمصرف المركزي ما وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟
• تعديل سعر صرف العملات مقابل الدينار هو اختصاص المصرف المركزي حسب القانون رقم 1 لسنة 2005. لقد اقترح المحافظ على مجلس النواب إصدار قرار بفرض رسوم على شراء العملات الصعبة بقيمة 27 في المئة وهذا الأمر بالأساس ليس من اختصاص المجلس، كما أن إصدار قرارات بفرض الرسوم من اختصاص السلطة التنفيذية مقابل الخدمات التي تقدمها للمواطنين مثل رسوم استخراج جوازات السفر وتسجيل المركبات وغيرها، أما المجالس التشريعية تصدر قوانين الضرائب، كما أن عددا كبيرا من أعضاء مجلس النواب اعترض على قرار رئيس المجلس بالموافقة على فرض الرسم وأصدروا بيانين بذلك أولهما كان ردا على مراسلة المحافظ بالطلب إلى المجلس بالموافقة على فرض الرسم والآخر ردا على قرار رئيس المجلس بالموافقة والذي ليس من اختصاصه إصدار هذا القرار.
○ ما علق عليه البعض هو التوافق الغريب بين محافظ مصرف ليبيا المركزي والنواب فما رأيك، وما تفسير حدوث توافق بين الصديق الكبير والنواب بعد سنوات من القطيعة؟
• السياسة لها حساباتها والصراع السياسي الدائر في ليبيا مكن كل الأطراف من البقاء في المشهد السياسي، فالصراع الذي حدث منذ 2014 قاد لاتفاق الصخيرات والذي منح لمجلسي النواب والأعلى للدولة التوافق على المناصب السيادية ومن بينها منصب المحافظ، ونتيجة استمرار حالة الصراع بين المجلسين لم يتم التوافق حول شاغلي هذه المناصب الأمر الذي مكن الكبير من الاستمرار في منصبه منذ طيلة سنوات ما بعد 2011.
إن الخلاف بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة والكبير والتراشق بينهما بالمراسلات والتصريحات ربما هو الذي قاد الكبير للتقارب مع رئيس مجلس النواب، كون حكومة الدبيبة مقالة في نظر مجلس النواب واختار المجلس حكومة بديلة هي حكومة باشاغا.
○ ننتقل بالحديث لمبادرة باتيلي التي أجهضت قبل أن تعطى أي فرصة، برأيك ما سبب رفض مجلس النواب القاطع لها وهل الرفض يمثل المجلس بشكل عام؟
• أعتقد بأن طرح باتيلي جمع الأطراف الخمسة الليبية الفاعلة في المشهد طرح لا يمكن من خلاله الوصول لانفراجة في المشهد السياسي المأزوم كون هذه الأطراف تفتقد الثقة فيما بينها وكذلك لا ترغب في التزحزح عن أماكنها لصالح إطار توافقي، وبالنظر لهذه الأطراف فقد دعا باتيلي خليفة حفتر لهذه الخماسية ولم يدع القوى العسكرية الممثلة عن الغرب الليبي، كما أنه دعا حكومة الدبيبة ولم يدع حكومة باشاغا الممثلة والتي تعمل في الشرق والجنوب، كما أنه دعا المجلس الرئاسي وحكومة الدبيبة وهما وجهان لعملة واحدة حيث أتيا في قائمة واحدة عبر مسار جنيف.
إن الطرفين المعنيين بالتوافق لحل الاشكاليات والانسداد السياسي هما مجلسا النواب والدولة وفق اتفاق الصخيرات ويمكن ممارسة الضغط عليهما والحد من التدخلات الإقليمية السلبية عن طريق الإرادة الدولية ممثلة في مجلس الأمن.
○ بشكل عام كيف تقيم عمل البعثة الأممية كلاعب سياسي في ليبيا خاصة بعد تعيين باتيلي مبعوثاً أممياً؟
• المتتبع لعمل البعثات الدولية طيلة العقود السابقة في منطقتنا العربية يستطيع أن يصل في ذهنه إلى صورة قاتمة عن عملها حيث أن استحداث منظمة الأمم المتحدة بديلا عن عصبة الأمم جاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على دول المحور، ويعلم الجميع بأن دول المركز الممثلة في العضوية الدائمة بمجلس الأمن وحق النقض هي من يصنع المسارات لمعالجة القضايا في العالم بأسره إن اتفقت هذه الأطراف، وفي ظل سيطرة القطب الواحد بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي أصبح دور الولايات المتحدة هو الأبرز في الملفات الدولية ومن بينها ليبيا، حيث صدر القرار 1973 لسنة 2011 تحت الفصل السابع بشأن التدخل الدولي لحماية المدنيين في ليبيا وقيام حلف الناتو بالتدخل ومساعدة الليبيين في القضاء على القذافي ولكن دول الحلف لم تساعد الليبيين في الاستقرار والانتقال الديمقراطي وتركت المساحة للتدخلات الإقليمية حيث يوجد اليوم مرتزقة وقوات دولية على الأرض الليبية بالإضافة لدعم تلك الدول لأطراف الصراع الليبية بالسلاح رغم قرار الحظر الدولي.
من خلال متابعة مسار البعثة وتدخل الأطراف خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا في آليات عملها يصل إلى نتيجة وكان البعثة غايتها إدارة الأزمة في ليبيا وليس الحل وهذا ناتج ربما لاختلاف وجهات النظر والمصالح بشأن ليبيا بالإضافة لتصفية الحسابات والصراع بينها، فالبعثة أصبحت في نظر الكثير من الليبيين هي عامل معرقل للحل السياسي كذلك عدم اتخاذ خطوات جدية من قبل مجلس الأمن بشأن الالتزام بتنفيذ القرارات ومنها العمل الفعلي لوقف تصدير السلاح إلى ليبيا بالإضافة لمعاقبة المعرقلين المحليين للحل السياسي والحد من التدخلات الإقليمية السلبية.
○ يقودنا الحوار مجبرين إلى مسار المناصب السيادية وهو مسار آخر لم ير النور رغم كل المحاولات. فأين توقف مسار المناصب السيادية بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وهل ترى إمكانية تغيير شاغريها قبل عقد الانتخابات؟
• لا بد من الاتفاق على خطوات الحل السياسي كحزمة واحدة وليست ملفات مجزأة فالحالة الليبية هي حالة انتقالية تحتاج لاستكمال بالوصول لدستور دائم مستفتى عليه وقد عجز المؤتمر الوطني في ذلك وانتقل لاختيار لجنة بالانتخاب المباشر على أساس جهوي لكتابة مسودة للدستور، وباشتداد حالة الفوضى قام بتعديل دستوري للخروج من المشهد السياسي وتسليم السلطة لمجلس تشريعي مؤقت، ولكن حالة الصراع والعنف المسلح والحرب الأهلية التي طالت العاصمة مكنت المؤتمر وداعميه من البقاء في المشهد السياسي وتحوله لجسم سياسي شريك عبر اتفاق الصخيرات الذي قادته البعثة.
من وجهة نظري فإنه لا يمكن الحديث عن المناصب السيادية الآن حيث تعتبر غير ذات أولوية، والاتجاه الواجب نحو الحل السياسي هو بانتخاب جسم تأسيسي جديد ينهي مجلسي النواب والدولة الذين فشلا في إنهاء المرحلة الانتقالية، والجسم الجديد يمكنه اختيار حكومة وتكليف شاغلي المناصب السيادية بالإضافة لمعالجة استكمال المسار الدستوري وبذلك ينتهي الانقسام السياسي كأساس للحل واستكمال المسار التأسيسي.
○ منذ سنوات يتظاهر الجميع بالسعي نحو الوصول للانتخابات ولكننا لم نقترب حتى من تنفيذها، فبرأيك ما السبيل للوصول إليها في ظل هذا الانقسام؟
• إن كانت هناك جدية لدى الأطراف الدولية خاصة مجلس الأمن فمن الممكن الضغط على جميع الأطراف الليبية سواء السياسية وكذلك العسكرية الفاعلة على الأرض للقبول بالمسار الانتخابي خاصة الانتخابات التشريعية، لأن الذي يعيق المسار الانتخابي هي الانتخابات الرئاسية نظرا لترشح شخصيات جدلية مثلت وما زالت تمثل جزءا من حالة الصراع للانتخابات مثل سيف القذافي وخليفة حفتر والدبيبة وباشاغا وغيرهم، فهذه الشخصيات لا يمكنها زيارة كافة المناطق الليبية وتدشين حملاتها الانتخابية فيها، الأمر الذي يهدد بعدم قدرة المفوضية العليا للانتخابات من التجهيز للعملية الانتخابية والتهديد بعدم فتح الصناديق والتعدي عليها خوفا من وصول أحد هذه الشخصيات للسلطة بحصوله على أغلبية نسبية، كما أنه لو سلمنا بإمكانية فتح الصناديق وإعلان النتائج فلن تتمكن الشخصية الفائزة من السيطرة على كافة التراب الليبي ولن يسمح لها بممارسة مهامها من العاصمة طرابلس كشخصية سيف القذافي أو خليفة حفتر. فالحل يكمن في إجراء انتخابات تأسيسية لحين الاستفتاء على دستور دائم والجسم التأسيسي مهمته محددة وهي إنهاء المرحلة الانتقالية.
○ يتحدث البعض عن مسار إعادة الملكية كنظام للحكم في ليبيا ويناقشون صلاحية الدستور الملكي من عدمه وأيضا ولي العهد يناور بمبادرات حازت اهتماما في الفترة الماضية ما رؤيتك لإمكانية تحقيق ذلك من عدمه؟
• يتمنى جميع الليبيين إنهاء حالة الصراع والانقسام السياسي، لأن هذا الانقسام يؤسس لمزيد من الفوضى ومهدد لمستقبل الدولة الليبية من خلال التغيير الديموغرافي وربما التقسيم إلى دويلات ناهيك عن الاستدامة الاقتصادية والجريمة العابرة للحدود وقضايا التطرف والإرهاب. إن أي مسار يعالج القضايا آنفة الذكر مرحب به شريطة ان يحفظ مطلب التداول السلمي للسلطة الذي نادت به فبراير، لأن جل الليبيين من خلال تجربة الحكم الشمولي طيلة 42 عاما تيقنوا بأن الشمولية لا تقود إلا للفوضى وما نحن فيه اليوم من تشظ وانقسام وتدني مستوى المعيشة والخدمات سببه تلك الحقبة التي انتهت بالقوة وأسست لحالة الفوضى بدل الانتقال السلس والمشاركة الموسعة في اتخاذ القرار. فالمهم هو نموذج دولة مدنية ديمقراطية سواء كانت ملكية كممالك أوروبا أو جمهورية رئاسية أم برلمانية، فالعبرة في الموضوع وليس الشكل من حيث المشاركة السياسية والتداول على السلطة وحقوق المواطنة ومستوى الخدمات وغيرها من المهام.
إن دستور الاستقلال المصاغ في 1951 والمعدل في 1963 يمكن أن يكون أساس العملية السياسية القادمة في ليبيا شريطة مراجعته بما يلائم المتغيرات على المستويين المحلي والدولي خاصة فيما يتعلق بنظام الحكم والذي منح الملك صلاحيات واسعة ومطلقة لا يمكن القبول بها في الوقت الراهن، كما أن محمد الحسن الرضا السنوسي والذي يقدم نفسه على انه وريث للعرش لا يعتبر كذلك، حيث لم يكن زمن انقلاب 1969 وليا للعهد وقد تنازل والده الحسن الرضا عن العرش ربما تحت الإكراه ولم يسم الملك ادريس رحمه الله خلفا له حتى وفاته في 25 أيار/مايو سنة 1983. وفي حال القبول بالنظام الملكي بعد تعديل الدستور والاستفتاء عليه يمكن أخذ رأي الليبيين في بيعة من يختارونه ملكا متوجا للبلاد وبهذا الشكل يكون هذا المسار مقبولاً.
تعليقات الزوار
لا تعليقات