مع مرور ستة أشهر على مأساة درنة التي راح ضحيتها آلاف الأشخاص، مازالت السلطات الليبية تتجاهل مسؤولية التحقيق في الأحداث رغم الدعوات الدولية المتكررة، بل وتتجاهل مسؤولياتها في إعادة الإعمار واحتضان المتضررين، ما جعل مؤسسات دولية توجه لها تهماً صريحة بالتقاعس والتقصير.
واتهم تقرير حديث صادر عن منظمة العفو الدولية كلاً من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وقوات خليفة حفتر، بـالتقاعس عن إصدار تحذيرات ملائمة، واتخاذ تدابير أخرى أساسية لتخفيف المخاطر قبل العاصفة المتوسطية دانيال، التي أدت إلى انهيار سدين في درنة، مخلفة آلاف الوفيات والمفقودين، مطالبة المجتمع الدولي بتشكيل آلية تضم عنصراً للرصد والتحقيق في الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي.
وعد التقرير الصادر عن العفو الدولية، لمناسبة مرور 6 أشهر على كارثة فيضانات شرق البلاد، أن السلطات الليبية تقاعست عن التحقيق في مسؤولية الجهات العسكرية والسياسية ذات النفوذ عن حصيلة القتلى الكارثية، ولم تضمن منح جميع المتضررين فرصاً متساوية في الحصول على التعويضات.
وسلط التقرير الضوء على قمع الأشخاص بسبب انتقادهم لعدم استعداد السلطات الليبية وسوء استجابتها للأزمة، مع استمرار احتجاز شخص واحد على الأقل تعسفاً.
وتستند العفو الدولية إلى شهادات 65 شخصاً تضرروا من الفيضانات أو شاركوا في الاستجابة للأزمة، ومراجعة لبيانات ووثائق رسمية، وتقارير من الهيئات الحكومية ووكالات الأمم المتحدة المعنية.
وفي سبتمبر الماضي، ضربت فيضانات عدة مدن بشرق ليبيا إثر العاصفة “دانيال” المتوسطية، في 10 من أيلول/ سبتمبر الماضي، مخلفة آلاف القتلى والمفقودين، بالإضافة إلى تدمير أجزاء واسعة من درنة، المطلة على البحر المتوسط.
وذكرت العفو الدولية أن السلطات في ليبيا لم تتخذ إجراءات محددة لتسهيل إصدار شهادات الوفاة للمفقودين في الفيضانات، التي كانت ضرورية للحصول على معاشات الأرامل، وغيرها من المساعدات الحكومية، وكانت النساء اللواتي فقدن أزواجهن الأشد تضرراً.
ويكشف التحقيق، الذي أجرته منظمة العفو الدولية أيضاً، عما اعتبره تقاعس حكومتي الدبيبة وحماد عن ضمان الوصول في الوقت المناسب وبشكل عادل إلى الإغاثة والتعويضات المالية للمتضررين من الفيضانات المدمرة في درنة، مشيراً إلى استبعاد بعض اللاجئين والمهاجرين والعائلات النازحة إلى غرب ليبيا، من التعويضات.
واعتبرت العفو الدولية أن التحقيقات الجنائية في كارثة درنة جاءت وسط مناخ سائد من الإفلات من العقاب على الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا.
ويوم الإثنين، وفي بيان مشترك للمبعوث الأممي عبد الله باتيلي، ونائبته ومنسقة الشؤون الإنسانية جورجيت غانيون، دعا المسؤولان الأمميان السلطات والجهات الليبية الفاعلة إلى الدفع قدماً وبشكل جماعي بعملية إعادة إعمار تركز على الاحتياجات والمصالح العليا للأشخاص الذين تضررت حياتهم بشدة من هذه الفيضانات.
وأكد باتيلي وغانيون الحاجة إلى برنامج وطني منسق، وضرورة صرف الأموال اللازمة لتمويل جهود إعادة الإعمار طويلة الأمد، بالإضافة إلى إدارة تلك الأموال وتوزيعها بشفافية مع وجود رقابة فعالة ومساءلة أمام الشعب الليبي.
وأشار البيان إلى الجهود الجبارة التي بذلها السكان المحليون لإعادة بناء مجتمعاتهم والنهوض بها، وصمودهم وصلابتهم اللذين يثيران الإعجاب.
وجددت البعثة الأممية التزامها بدعم منصة وطنية منسقة تدعم التعافي الشامل والقابل للاستدامة، والذي يعطي الأولوية لمصادر عيش المتضررين ويدعم جهودهم.
وقالت إن الأمم المتحدة في ليبيا عملت، منذ حصول الفيضانات في درنة وبقية البلديات المتضررة، بالتنسيق مع السلطات المحلية ووكالات الإغاثة الإنسانية والشركاء الدوليين، لتقديم المساعدة والدعم للمتضررين.
واستغربت كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية كلوديا غازيني، عدم بدء أي تحقيق دولي حقيقي في كارثة درنة بعد مضي نحو ستة أشهر، مشيرة إلى عدم تمكن أي خبير دولي في مجال السدود من النزول إلى الميدان على الإطلاق.
وزارت غازيني أخيراً المواقع المدمرة، حيث اطلعت على الإجراءات المتخذة بعد ليلة 11 و12 سبتمبر 2023، حين دمرت الفيضانات الناتجة عن العاصفة دانيال المدينة وتسببت في مقتل الآلاف وتدمير أحياء بأكملها.
وعلى الرغم من خطورة المأساة التي تسببت، بحسب تقرير للبنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بأضرار بلغت 1.8 مليار دولار وأثرت على 22% من سكان ليبيا، فإنه لا تزال هناك بعض الإشارات الإيجابية، وفق غازيني.
لكن غازيني انتقدت عدم إجراء أي تحقيق دولي حقيقي لتحديد المسؤوليات في انهيار السدين بسبب عدم تمكن أي خبير دولي في مجال السدود من النزول إلى الميدان على الإطلاق، مضيفة أنهم لا يزالون في انتظار تقرير المهندسين الدوليين، فهذه الحقيقة مهمة لأنه يتعين بعد ذلك تقييم ما يجب فعله بالوادي، وعلى سبيل المثال، كيفية توجيه قناة الماء، وهو ما يؤثر أيضًا على عملية إعادة الإعمار.
ولم توجه الاتهامات إلى أي عضو في حكومة المكلفة من مجلس النواب، وفق الخبيرة الإيطالية، لافتة إلى أن الملاحقات اقتصرت على رئيس البلدية ومسؤولي وزارة المياه ومختلف الفنيين الآخرين، مستغربة أن يكون (نائب محافظ مصر ليبيا السابق) علي الحبري بين الخاضعين للتحقيق باتهامات لا أساس لها من الصحة بسوء إدارة ما يسمى إعادة إعمار درنة. وتابعت: “فصندوق إعادة إعمار المدينة الذي أداره ليس لديه ما يفعله.. السدود المنهارة مسؤولية وزارة المياه”.
تعليقات الزوار
لا تعليقات