يوم الخميس الماضي وفي حديث مع احد الاصدقاء الذي يعمل في قطاع النفط نبهني الى أمر يستحق الالتفات والتأمل وهو اهمية اسبانيا في الاستراتيجية الامريكية لتحويلها الى قاعدة الانطلاق وتوزيع الغاز الأمريكي في القارة الاوروبية.
تقول التقارير ان حجم اعتماد اسبانيا على الغاز الجزائري تراجع من 48% الى 27% وفي بعض الفترات الى 22% وأقل من ذلك.. طبعا هذه التقارير تعكس زيادة الطلب ايضا.. ولكن من ناحية اخرى تعكس دخول لاعب جديد وهو الغاز الأمريكي الذي أصبح سنة 2020 حسب بعض التقارير أكثر من الغاز الجزائري بنسبة 27% مقابل %22 للجزائري وواضح ان الشريك الامريكي الجديد اكل من حصة الجزائر التي كانت بنسبة 48% قبل سنوات.
اغراءات المستثمرون الامريكان في قطاع الطاقة للحكومة الاسبانية لا تعد ولا تحصى.. وذلك لم ياتي من فراغ، فاسبانيا تملك ستة محطات من الغاز المسال، والسابعة قيد الانشاء. بالاضافة الى ان اسبانيا تملك خمس محطات نووية لتوليد الطاقة.. ولن يكون قريبا تفكيك هذه المحطات بعد ان فضحت اوهام جماعات الخضر اليسارية التي ورطت المانيا ورطة العمر باغلاق محطاتها النووية.
للمقارنة مثلا فان طاقة اسبانيا حاليا من تخزين الغاز تبلغ ثلاثة اضعاف احتياجاتها الداخلية فقدرتها تصل الى معالجة حوالي 80 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، بينما الخط الروسي نورد ستريم 1، الذي يمر عبر بحر البلطيق، يمكنه معالجة 55 مليار متر مكعب من الغاز اي اسبانيا متفوقة باكثر من 50%. وغني عن القول ان الاوروبيين لن يقدموا هدية جديدة لبوتين في المدى القريب وعليه ان يفكر في بيع الغاز الى الهند والصين وآسيا بعيدا عن اوروبا. يبقى العجز الاسباني بسبب تماطل فرنسا في تطوير خط الربط ميد كات 1 (Mid cat 1) وقد استكملت اسبانيا الأشغال في جزئها بطول ثمانين كيلومتر، رغم معارضات داخلية.. وقد صعدت اطراف مشبوهة في حينها قبل عدة سنوات باعتبار الخط يضر بالبيئة وتم تجميده.. وهم اليوم يعضون ايديهم من الندم.. ولكن ايضا بسبب تماطل الجانب الفرنسي لان فرنسا مستغنية بمحطاتها النووية لتوليد الكهرباء.
رجال الاعمال الأمريكا العاملون في الطاقة وخاصة الغاز يعتبرون اسبانيا تتوفر على كافة الشروط التي تجعلها محطة رئيسية لتمددهم الى السوق الأوروبي، ولذلك تجد السياسات الأمريكية بذكاء تعمق الخوف الروسي حتى تصبح المشاريع المكلفة ماديا مقبولة في ظل التهديد الأمني. وبالفعل فقد شكلت الامدادات الأمريكية بالغاز لاسبانيا زيادة كبيرة جدا بلغت 250% مقارنة مع سنوات ماضية ووصلت في شهر مايو الماضي الى 35% من اجمالي الواردات. حيث بلغ إجمالي الكميات الواردة من الولايات المتحدة في مايو 13.1 تيراواط ساعة، في حين بلغت الواردات من الجزائر 7 تيراواط ساعة في نفس الشهر، وهو أقل حجم شهري منذ الاغلاق الشامل وتوقف المصانع في فترة كوفيد وانخفاض الطلب. وهذه مؤشرات مقلقة.. لان المعركة ليست مع اسبانيا فقط بل مع اللاعب الجديد وهو امريكا كما قال لي صديقي العامل في قطاع النفط.
هذا الوضع المريح جعل اسبانيا تتحول الى بلد مصدر لفترة شهرين على التوالي خاصة بعد تراجع الاستهلاك المحلي ودخول موسم الصيف فقد صدرت الى فرنسا كمية تعادل نفس وارداتها من الجزائر7.8 تيرا واط للساعة، واذا وضعنا محك السعر التفضيلي التي تتمتع به من الجزائر حيث يباع الأمريكي بنسبة تصل الى 50% أعلى من السعر الجزائري فان ربح اسبانيا سيكون مضاعفا اذا طبقت اسعار السوق.
هذه الاجواء وبدعم أمريكي وتشجيع جعل اسبانيا تطمح ان تكون عاصمة للطاقة في اوروبا ولما لا تاخذ النموذج السنغافوري كواحد من اكثر الدول تكريرا للنفط واعادة بيعه رغم انه لا يملك قطرة نفط واحدة.. والفضاء الجيوسياسي الراهن جعل رجل الاعمال الامريكي يعتبر اسبانيا هدية لا يمكن ان يفرط فيها.
تدفق الاستثمارات في قطاع الغاز اصبحت له عدة مصادر فقد اغتنمت قطر الفرصة ودخلت على الخط وركبت القطار بسرعة قصوى.. ففي زيارة لامير قطر شهر ماي المنصرم ركب الموجة الامريكية وعرض استثمارات تصل الى 5 مليار دولار دفعة واحدة من اجل تحقيق الأمن الطاقوي كما قالت الحكومة الاسبانية وهذا يعني تحديدا تطوير منشئات الغاز المسال وقد تم توقيع 12 اتفاقية لتعزيز التعاون المشترك. وقد ورد في بيان الحكومة الاسبانية "في السياق الدولي الحالي للصراع في أوكرانيا ، تصبح هذه العلاقة الاستراتيجية الثنائية الجديدة مع قطر أكثر أهمية بالنسبة لإسبانيا لأسباب ليس فقط تتعلق بالاستثمار ولكن أيضًا لأمن الطاقة".
والغريب ان اسبانيا تطمع في التصدير حتى لاطاليا وهناك محادثات متقدمة لخط للغاز بينها وبين اسبانيا حسب بلومبرغ في ظرف سنتين حسب ما ورد في مقال نشر في 25 ماي الماضي. وذكر مدير شركة الغاز الاسبانية، "إن خط الأنابيب، المتوقع، سيربط قدرة إسبانيا الكبيرة على إعادة تحويل الغاز (regasification) "بقلب شبكة الغاز في أوروبا، حيث ترتبط إيطاليا ارتباطًا وثيقًا ببقية القارة". ودراسة الجدوى حاليا يتم تنفيذها بشكل مشترك من قبل Enagas الاسبانية و Snam SpA الايطالية..
اجمالي الاموال التي خصصها الاتحاد الاوروبي لاسبانيا في الفترة بين 2021 و 2023 بلغت 70 مليار اورو ومن المقرر الحصول على 70 اضافية في الثلاث سنوات اللاحقة فقط بين 23 و 26 .. هذه الاموال التي تتدفق على اسبانيا كفيلة
تعليقات الزوار
لا تعليقات