أخبار عاجلة

لماذا لن تمنع أمريكا حيازة المدنيين للـ«أسلحة»؟

تنطلق فجأة أصوات طلقات نارية في الفناء المدرسي، تقطع صمت اليوم الدراسي بضجيجٍ مرعب، لينقلب يوم التلاميذ ومعلميهم من العادية إلى المأساة، وفي الثواني القليلة بين الضغط على الزناد وبين السيطرة على القاتل يسيل الكثير من الدم.

يتكرر هذا المشهد بين حين وآخر في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعيدًا عن المدارس يتعرض 110 أشخاص يوميًّا للقتل في الولايات المتحدة بالبنادق المملوكة للمدنيين، ويُصاب أكثر من 200 شخص بالرصاص، طبقًا لموقع «every town research» الأمريكي المتخصص في إحصاءات حوادث إطلاق النار، ويوضح الموقع أن معدل القتل بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة أعلى 25 مرة من مثيله في البلدان المتقدمة الأخرى، في حين أنه من الممكن أن تقلل قوانين السلامة العامة المنطقية من عنف السلاح.

وعادةً ما يُوصف مرتكبي مثل هذه الحوادث بالمرض العقلي، فهل بالفعل المرض العقلي هو السبب الحقيقي؟ أم أن انتشار الأسلحة هو السبب؟ ولماذا لا تتحرك السلطات الأمريكية في حصار هذه الظاهرة التي تحصد أرواح المدنيين كما لو كانت البلاد تعيش حالة حرب لا تنقطع؟

حوادث إطلاق النار الجماعية والمرض العقلي

«البنادق لا تقتل الناس.. المرضى عقليًّا يفعلون ذلك»

هكذا قالت المعلقة الاجتماعية والسياسية الأمريكية آن كوتر عن حادث إطلاق النار الجماعي في ديسمبر (كانون الأول) 2012 في نيوتاون، كونيتيكت، وفي أعقاب تلك الجريمة، أقرت ولاية نيويورك مشروع قانون يلزم متخصصي الصحة العقلية بإبلاغ المسؤولين المحليين عن المرضى الخطرين، كما دعا نائب رئيس الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة، واين لابيار، إلى إنشاء سجل وطني للأشخاص المصابين بأمراض عقلية.

ووفقًا لدراسة علمية منشورة عام 2015، فإن هناك أربعة افتراضات يتكرر ذكرها في أعقاب كل إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة، وتشمل:

1- أن المرض العقلي يسبب العنف عبر استخدام الأسلحة النارية.

2- أن التشخيص النفسي يمكن أن يتنبأ بجرائم الأسلحة قبل حدوثها.

3- أن عمليات إطلاق النار الجماعية تتسبب في الخوف من المرضى النفسيين المنعزلين.

4- أن السيطرة على السلاح لن تمنع حدوث إطلاق نار جماعي مرة أخرى.

ووفقًا للدراسة، فإن الدلائل تشير بقوة إلى أن مطلقي النار الجماعي غالبًا ما يكونون مرضى عقليين ومهمشين اجتماعيًّا، وقد أشارت الدراسة إلى وجود تقارير تؤكد أن ما يصل إلى 60% من مرتكبي عمليات إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة منذ عام 1970 ظهرت عليهم أعراض تشمل جنون العظمة الحاد والأوهام والاكتئاب قبل ارتكاب جرائمهم، وقد يؤدي تعزيز الاهتمام النفسي إلى منع جرائم معينة، ووفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل (نيسان) 2021، فإن 85% من الجمهوريين و90% من الديمقراطيين، يؤيدون منع الذين يعانون من أمراض عقلية من شراء السلاح.

حيازة السلاح أمر مكفول بقوة الدستور

«وجود ميليشيا منظمة ضروري لأمن أي دولة حرة، ولا يجوز انتهاك حق المواطنين في الاحتفاظ بالسلاح وحمله»

هكذا ينص التعديل الثاني في دستور الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن وجود الأسلحة في المجتمع الأمريكي متأصل بعمق في المجتمع ومُحصَّن بقوة الدستور، وذلك منذ بداية تأسيس البلاد، فإنها تمثل مصدر فخر للكثيرين منهم، كما يرونها أمرًا أساسيًّا لحريتهم.

وفقًا للمسح الذي أجراه مركز بيو للأبحاث في يونيو (حزيران) 2021، فإن أربعة من كل عشرة أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يعيشون في منزل به مسدس، ويرى نصف مالكي الأسلحة أن امتلاك سلاح أمر مهم لهويتهم، وذلك في استطلاع رأي آخر عام 2017.

وهناك اختلاف حول تفسير التعديل، فهناك من يرى أنه لا يبرر امتلاك سلاح فردي، وقد أجرى كارل بوجوس، الباحث في كلية الحقوق بجامعة روجر ويليامز، فحصًا لمقالات مراجعة القانون في الفترة من عام 1887 حتى عام 1960، ولم يجد دليلًا واحدًا أن فكرة التعديل الثاني تحمي الحق الفردي في امتلاح السلاح.

ووفقًا لحديث مارثا أمينو عميدة كلية الحقوق جامعة هارفارد لموقع «the global and mail» فإن ربط التعديل الثاني بالسلاح أمر حديث، وجاء نتيجة حملة للـ«اتحاد القومي الأمريكي للأسلحة» لإثبات أن هناك ضمانًا للحقوق الفردية في حمل السلاح بدلًا من ضمان حقوق المليشيات، وأن الاتحاد روَّج للفكرة لدرجة أنها أصبحت جزءًا من القانون الأمريكي.

وقد جعلت سلطة الاتحاد، من خلال الضغط والمساهمة في الحملات الانتخابية، من المستحيل تمرير تشريع ضد حيازة السلاح عبر الكونجرس، ووفقًا لديفيد هاريس الخبير في القانون الجنائي بجامعة بيتسبرج فإن المجتمع الأمريكي طالما كان يتسم بالعنف، ولكن توافر السلاح يكسبه ثقافة إجرامية أكبر ومليئة بالموت.

التطبيع مع العنف.. لماذا يحرص الأمريكيون على امتلاك الأسلحة؟

تختلف أسباب امتلاك السلاح في أمريكا حسب العديد من العوامل، فتجد أن 44% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يمتلكون سلاحًا شخصيًّا، مقارنة بـ20% من الديمقراطيين، كما أن الرجال يمتلكون السلاح بنسبة أكبر من النساء، أما جغرافيًّا، فيمتلك 41% من البالغين في المناطق الريفية السلاح مقارنة بـ20% ممن يعيشون في المدن.

كذلك، فإن الدافع الشخصي وراء امتلاك السلاح ليس نفسه بالنسبة للجميع، فوفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب عام 2019، فإن نحو 63% ممن يمتلكون السلاح غرضهم الحماية الشخصية، في حين ذكر آخرون أنهم يمتلكون السلاح بغرض الصيد أو الترفيه أو أن سلاحهم كان إرثًا عائليًّا.

ووفقًا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل (نيسان) 2021، فإن 48% فقط من الأمريكيين يرون أن العنف باستخدام السلاح يمثل مشكلة كبيرة جدًّا في البلاد اليوم، وفي حين يرى نحو 82% من البالغين السود أن العنف باستخدام الأسلحة النارية يعد مشكلة كبيرة، تقل النسبة لدى البالغين البيض إلى 39%.

كذلك يغير الانتماء الحزبي من وجهة نظر الشخص تجاه العنف باستخدام السلاح؛ إذ يرى 73% من الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية، أن عنف السلاح يمثل مشكلة كبيرة، في مقابل 18% فقط من الجمهوريين.

هل الحل في وضع قوانين صارمة بشأن امتلاك الأسلحة؟

اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن وضع قيود جديدة على امتلاك السلاح، في محاولة للتصدي لحالات إطلاق النار الجماعي، وفي استطلاع رأي عام 2017، أشار بعض مالكي السلاح وغير المالكين أيضًا، إلى السهولة التي يمكن للناس من خلالها الحصول على الأسلحة بطريقة غير قانونية، وذكروا أن ذلك يساهم بشكل رئيسي في جرائم إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة، لكن الآراء تختلف عندما يتعلق الأمر بالبنادق التي يجري الحصول عليها قانونيًّا.

إذ يفضل نحو 53% من الأمريكيين وضع قوانين أشد صرامة لامتلاك السلاح وفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث في أبريل 2021، بينما يرى 14% أن القوانين بحاجة لأن تكون أقل صرامة، ويرى 81% من الديمقراطيين أن قوانين الأسلحة يجب أن تكون أكثر صرامة، في حين يرى 27% من الجمهوريين أنه يجب أن تكون أقل صرامة.

كذلك، يفضل 80% من الديمقراطيين إنشاء قاعدة بيانات فيدرالية لتتبع مبيعات السلاح وتحظر الأسلحة الهجومية ذات السعة التخزينية العالية، بينما يعارض الجمهوريون هذا الاقتراح، ويدعمون السماح للأشخاص بحمل أسلحة مخفية.

هل حيازة الأسلحة وراء انتشار جرائم إطلاق النار الجماعي؟

ماذا سيحدث لو امتلك عدد أكبر من الناس أسلحة؟ اختلفت أجوبة الأمريكان لهذا السؤال، فبينما يرى 34% أن هذا سيسبب المزيد من الجرائم، يرى 34% أنه لن يكون هناك أي تغيير في معدل الجريمة، في حين يرى 31% أن معدل الجريمة سوف ينخفض.

كذلك يختلف الأمريكيون حول ما إذا كان إصدار قوانين أكثر صرامة لامتلاك السلاح، بإمكانه أن يحد من حوادث إطلاق النار الجماعية أم لا، فبينما يرى 49% أن تقييد الملكية القانونية للأسلحة من شأنه أن يقلل حوادث إطلاق النار الجماعية، فإن 42% يشككون  في إمكانية حدوث أي تغيير، بينما يعتقد 9% أن هذا سيؤدي إلى زيادة الحوادث.

ووفقًا لما قاله روبرت بوثيل مؤرخ جامعة تورنتو بكندا، فإن لدى كندا مواطنين يحرصون على امتلاك الأسلحة وعانت في السابق من حوادث إطلاق النار الجماعي، ولكن ليس مثل الولايات المتحدة، لافتًا إلى أن أعضاء الاتحاد القومي للأسلحة الأمريكي يعدون أنفسهم ثوارًا يقاتلون حكومة تحاول سلب الحريات.

وأوضح بوثيل أن هذا «الدافع الثوري» يتجسد في التاريخ الأمريكي، لكنه ليس موجودًا في تاريخ كندا، وأن ذلك يرجع جزئيًّا إلى إرث الماضي، إذ كانت الأسلحة مطلوبة للبحث عن الطعام، ودرء تهديدات الحيوانات، ومحاربة السكان الأصليين ومنع انتفاضات «العبيد»، على حد قوله.

اضف تعليق

شارك

تعليقات الزوار

لا تعليقات