لا يتوقف النشاط السياسي في رمضان في الجزائر، حتى وإن أخذ أشكالا مختلفة. من بينها انتقال التشاور والتداول حول القرارات من المؤسسات الرسمية للدولة إلى صالونات الفيلات والإقامات الرسمية ليلا. فقد كانت العادة منذ سنوات أن تكثر الكولسة السياسية في رمضان خلال هذه السهرات، التي يسمح بها شهر العبادة ليلا، على غير العادة عند الجزائريين الذين لا يملكون حياة ليلية عائلية داخل منازلهم، يستقبلون فيها ويخرجون في زيارات عائلية، كما هو حاصل عند الكثير من الشعوب المسلمة.. حياة ليلية عادة ما تظهر نتائجها على شكل قرارات، من كل نوع بما فيها السياسية، تكون حاضرة بعد أيام العيد الأولى مباشرة، تم الحسم فيها أثناء هذه السهرات التي يبالغ فيها الجزائريون، مواطنين ومسؤولين، والتي تظهر نتائجها على شكل تشنج ونرفزة في العلاقات بين الناس، وزيادة في حوادث طرق وغياب عن أماكن العمل، الذي يتحول إلى فرض عين على الجميع، ربما كان السبب في عدم ظهور نتائج الإضراب الذي دعت إليه النقابات المستقلة الحاضرة بين الموظفين في الأسبوع الأخير من شهر الصيام.
من القرارات التي ينتظرها الجزائريون تلك المتعلقة بالتعديل الحكومي الذي تكلم عنه الرئيس تبون في آخر ظهور إعلامي له، والذي من المرجح أن تستمر المشاورات والاتصالات بشأنه إلى آخر دقيقة، للحسم فيمن يغادر ومن يبقى من الوزراء، بداية برئيس الوزراء نفسه الذي تميز حضوره السياسي ـ الأرجح الكلام عن عدم حضور – على رأس الحكومة في يونيو 2021 – وحتى قبل ذلك على رأس وزارة المالية، منذ تعيينه في حكومة جراد الأولى – يونيو 2020- بضعف كبير، وكأن هذا البيروقراطي الذي لم يعرف من القطاعات إلا المالية والبنوك كتجربة مهنية، يرفض أن يخرج من شرنقته البيروقراطية، رغم الفرصة التي منحت له.
طابع بيروقراطي وقلة تجربة مهنية، يمكن أن نضيف لها ضعف التجربة السياسية التي تميز حكومة أيمن بن عبد الرحمن، التي تتشابه مع الكثير من الحكومات التي كانت قبلها، هي التي تم تعيينها في ظرف سياسي مضطرب وضعف أداء المؤسسات التي كان معروفا بها النظام السياسي في انتقاء وزرائه، لتكون النتيجة وزراء بالصدفة، تحت التربص، انضموا للحكومة للحصول على تجربة مهنية، كما قال عنهم الرئيس تبون، الذي بيّن في آخر لقاء صحافي له أن انتقاءهم تم -جزئيا على الأقل – عبر بلاتوهات التلفزيون وهم يناقشون ويحللون، لكنهم فشلوا في الميدان وهم يباشرون مهامهم. كذلك نجد أنفسنا في صالون فيللا المسؤول الذي يقرر تعيين الوزير وهو يشاهد التلفزيون، سلوك ليس غريبا لدى أبناء ثقافة يعتمد فيها المسؤول على حواسه، وعلى ما يراه وما يسمعه أكثر من أي شيء آخر، لتكون النتيجة انه يعين من لا يعرف حتى إن كان وزيرا.
رمضان السياسي هذه السنة لم يقتصر على «الملفات» الداخلية، كما يمكن توقعه في هذا العالم المضطرب، فقد قفزت فيه إلى السطح الأزمة مع إسبانيا ومن ورائها بالطبع المغرب، لتعرف الأزمة مع فرنسا في المقابل بداية انفراج، لا يمكن أن نتصور أنه بعيد عن استفحال الأزمة مع إسبانيا، بعد أن اكتشفت الجزائر بالعين المجردة أنها تعيش حالة أقرب للعزلة على المستوى الإقليمي، وأن من مصلحتها التقرب من فرنسا، بعد نجاح ماكرون في الفوز بعهدة ثانية، ستكون أرحم بكثير من سيناريو فوز مارين لوبان المرعب، حتى إن تطلب الأمر السكوت وتأجيل بعض الملفات التي كانت تؤجج العلاقات بين البلدين، كموضوع الذاكرة الذي يمكن أن تقبل الجزائر فيه ببعض القرارات الرمزية من الطرف الفرنسي، يمكن أن يتخذها الرئيس ماكرون بسهولة أكبر بعد تخلصه من ضغط الانتخابات التشريعية خلال هذا الصيف. في وقت فوجئت فيه الجزائر بموقف إسباني من قضية الصحراء لم تكن تتوقعه، تماما كما لم تتوقع تقسيم الصحراء الغربية في 1975. الأزمة مع إسبانيا التي تطفو إلى السطح في وقت زاد فيه الطلب على الجزائر كطرف سياسي واقتصادي مهم، على الضفة الجنوبية للمتوسط ، نتيجة تبعات أزمة أوكرانيا ببعدها المرتبط بموضوع الطاقة، الذي تملك فيه الجزائر أوراقا مهمة يمكن أن تستغل فيها قربها من السوق الأوروبية أكثر وهي ترتبط بعمقها الافريقي في ميدان الطاقة بالذات – خط الأنبوب الغازي مع نيجيريا – زيادة على التعويل الجدي على الطاقات المتجددة، التي تملك فيها الجزائر أوراقا مربحة كثيرة، يمكن أن تتحول فيها بسرعة إلى طرف لا غنى عليه لأوروبا، وهي تقوم بقراءة طويلة المدى لحرب أوكرانيا، لخلق تحالف استراتيجي يمكن أن يضم إيطاليا وألمانيا، التي عبرت عن اهتمام كبير وقديم بالساحل الافريقي وثرواته الطبيعية، كما ظهر خلال الدور الألماني في الأزمة الليبية. الاحتمال الأكثر للمنطق السياسي أن يستمر الضغط الجزائري على اسبانيا – كما فعل المغرب بنجاح ـ على المدى المتوسط، من خلال ملفات كثيرة لا تقتصر على الطاقة، يمكن إضافة ملف الهجرة له والعلاقات الاقتصادية بصفة عامة، التي احتلت فيها الشركات الاسبانية مساحات مهمة لغاية هذه الأزمة مع الجزائر.
بالطبع رمضان السياسي الجزائري لا يقتصر على الملفات الدولية، فزيادة على ملف التعديل الحكومي الذي ما زال يثير اهتمام الكثير من النخب، عكس المواطنين، هناك الملفات الاجتماعية الحارقة التي عبرت عن نفسها من خلال الإضراب الذي دعت اليه الكونفيدرالية الوطنية للنقابات المستقلة ـ لمدة يومين فقط – مرشح للتكرار في المستقبل القريب – التي تضم عشرات النقابات الناشطة في قطاع الخدمات، زيادة على الملفات الحقوقية التي تدهورت بشكل كبير في المدة الأخيرة، كما عبرت عنها وفاة السجين عبد الحكيم دبازي في سجن القليعة وهو على ذمة التحقيق في ملف يتعلق بكتابات على الفيسبوك هو الذي لا يملك الا -120- صديقا على صفحته. ليبقى التعسف في الحكم بالسجن في مثل هذه القضايا من النقاط السوداء للعدالة الجزائرية، التي ما زالت تُستعمل ضد الحراك ومن يمكن أن ينشط في سياقه بشكل تعسفي، كما حصل عند اعتقال كريم طابو في آخر يوم من شهر الصيام. في وقت زاد فيه التحرش بالأحزاب، كما ظهر مع الحركة الديمقراطية والاجتماعية، وحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية اللذين طلبت منهما الإدارة التوقف عن استقبال المواطنين في مقراتهم! فهل المطلوب أن يتوجه المواطن نحو الشارع للتعبير عن انشغالاته السياسية؟ خاصة أن هذا التضييق على الأحزاب والناشطين، يحصل في حالة سياسية وطنية معروفة بضعف نشاط الأحزاب داخلها، وغياب شبه كلي لحياة سياسية بمقاييس معقولة، مهما كانت متواضعة. فماذا تريد السلطة بالضبط؟
ناصر جابي
تعليقات الزوار
شتان بين وبين
دولة الكابرانات لم يعد لها ورقة تلعبها وحتى جرعات الغاز الذي لا تستطيع ضخ المزيد منه فقدت مصداقيتها ولا تؤتمن عند الاوربيين منذ توقيفها للانبوب المغاربي دون استشارة احد وهو خطا قاتل و الان الاوربيون يسايسون قبل الاستغناء عن الجزائر وغازها نهائيا بانتهاء الحاجة للغاز اما اتباع اسلوب المغربي في الضغط ودبلوماسيته الذكية فعلى الكسلاء ان بفهموا انهم لايملكون اوراق ضغط تذكر الا اوهام في جماجمهم الفارغة وهل يمتلكون ذكاء المغاربة في الكواليس وكيفية تحريك الملفات بعد تخطيط طويل الامد هذا ما لن تصلوا اليه لانه فرق كبير بين البشر والبقر